نشرت صحيفة "
صباح" التركية مقالا تحليليًّا للكاتب بلال باغيش تحدث فيه عن مسألة رفع أسعار
الفائدة، والطرق البديلة لجذب الأموال الأجنبية لتركيا.
وقال الكاتب، في تقريره الذي ترجمته "
عربي21"، إن المسألة الأكثر أهمية في هذه المرحلة هي ضرورة الثقة في إمكانات
تركيا التي لديها أسس قوية، ومستقبلها وتوقعاتها
الاقتصادية على المدى الطويل مشرقة ومشجعة.
فعلى سبيل المثال؛ قامت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مؤخرًا برفع توقعات النمو لتركيا، ووفقًا للبنك الدولي، ستشهد تركيا تفوقًا إيجابيًا. وكانت أحدث توقعات النمو الصادرة عن صندوق النقد الدولي 2.7 بالمئة رغم كارثة الزلزال. بالمقابل - وفقًا للبرنامج متوسط المدى - تبلغ توقعات النمو لعام 2023، 5 بالمئة.
ومع ذلك؛ فالتقلبات قصيرة الأجل في تركيا هي حقيقة. وعلى الرغم من أن تركيا، وخاصة في السنوات العشرين الماضية، تواصل النمو الحقيقي والتحول الهيكلي، إلا أنها لم تتمكن من تحقيق التوازن الخارجي كما هو مرغوب فيه بعد. وقبل أن تجني ثمار البنية التحتية الحقيقية والتحول الهيكلي؛ بدأ العجز الخارجي الناتج عن الظروف الاقتصادية والتبعية الخارجية والتقلبات الاسمية في الارتفاع مرة أخرى.
وذكر الكاتب أنه بعد مرور مئة عام على الاستقلال السياسي، تكاد تكون تركيا على بعد لم يحدث منه من تحقيق الاستقلال الاقتصادي، خاصة بفضل الخطوات التي تم اتخاذها خلال العشرين عامًا الماضية. ومع ذلك؛ يجب أن يكون التحرر المالي هو الهدف التالي.
ويجب أن لا يعني التحرر المالي إغلاق الأبواب أمام حركات رأس المال. بدلًا من ذلك؛ يجب أن يُفهم على أنه توجد سلسلة من التدابير مثل زيادة التوفير الداخلي وتقليل الاعتماد على التمويل الخارجي ومكافحة التلاعب في السوق والتكهنات، فتركيا بلد أكبر من أن يُترك تحت رحمة الأسواق المالية، لذلك فإن الاستقلال المالي أمر حيوي، بحسب الكاتب.
"اتخاذ قرار سريع"
وأشار الكاتب إلى أن الخطوة الأساسية التي يجب اتخاذها في هذه المرحلة هي اتخاذ قرارات سريعة وإجراءات عاجلة. ولكن كيف؟ والأهم من ذلك، هل يمكن أن تكون هذه التقلبات الحالية في سعر
الصرف نتيجة لانتقال السعر المدار بواسطة السوق بدلًا من التحكم فيه؟ وهل سيتم السماح بتحرير الدولار أولاً ثم رفع أسعار الفائدة؟ هل هذه هي الطريقة الوحيدة لجذب رؤوس الأموال الأجنبية؟
وأكّد الكاتب أن "التذبذب" في سعر الصرف سيكون ضارًّا سواءً في الارتفاع أو الانخفاض. ليس المستوى الحالي لسعر الصرف مهمًا؛ بل كيفية تحركه واتجاهه مستقبلًا. والتقلبات في سعر الصرف هي أكبر مشكلة لتركيا في الوضع الحالي، ويجب التفكير في حلول ذات أولوية أكبر ولكن طويلة الأمد، وليس فقط التركيز على مكافحة
التضخم.
بالمقابل؛ يجب أيضًا الانتباه إلى المخاطر المالية التي تتعرض لها البلدان الناشئة أو النامية نتيجة لزيادة أسعار الفائدة.
إذًا ما الحل؟
وأورد الكاتب أنه يثار الجدل حول ما إذا كانت المسألة تتمحور فقط حول رفع الفائدة أو عدم رفعها. وبدلًا من الحديث عن الفائدة في كل أزمة صغيرة أو استدعاء صندوق النقد الدولي، فإن بدائل الكاتب المقترحة هي كالتالي:
- على الرغم من أن التضخم قد تراجع بشكل كبير وتبدو توقعات نهاية العام بنسبة 25 إلى 30 بالمئة واقعية، إلا أنه من الصعب أن نكون متفائلين بنفس القدر بالنسبة لتقلب سعر الصرف. لذلك يجب عدم إلغاء برنامج "الودائع المحمية من تقلب سعر الصرف" على الفور.
- يجب التمسك بالشفافية والمساءلة والتوقعات والاستقرار والامتثال للمعايير الدولية لتحقيق الثقة والاستقرار، ويجب الانتقال من الخطاب إلى التنفيذ.
- يجب العثور على تمويل جديد من الخارج (مثل اتفاقات السواب الجديدة والودائع ورؤوس الأموال الخليجية وصناديق التمويل الإسلامية) لتمويل العجز الخارجي المؤقت وتبادل رسائل قوية بشأن وجود ذلك.
- ويجب استخدام إشارات قوية وأدوات التوجيه المستقبلية بفعالية. وكذلك استخدام جميع القنوات بفعالية لتجنب توقعات غير واقعية تؤدي إلى تقلبات في الأسعار.
- يجب تشكيل فريق اقتصادي قوي على وجه السرعة وتعزيز الكوادر الحالية واستفادة أكثر فعالية من خبراء الميدان.
- الاستقرار: إلى جانب أسماء الكوادر التي ستدير الاقتصاد، فإن علامات ديمومة النموذج الذي ستطبقه هذه الكوادر الجديدة ستكون بنفس الأهمية. في واقع الأمر؛ فإن تأثير تنفيذ السياسات الذي قد يبدو مؤقتًا سيكون محدودًا في أحسن الأحوال.
- يجب الاستمرار في برنامج "الودائع المحمية من تقلب سعر الصرف" حتى يتحقق استقرار سعر الصرف وتكون هناك تراكمات في الاحتياطيات.
- يجب التركيز على تبسيط سياسات الضرائب وزيادة الضرائب المباشرة. يجب أن يدفع الأثرياء المزيد من الضرائب.
- يجب تضييق قروض الاستهلاك. بالمقابل يجب أن تبقى صنابير القروض الموجهة نحو الإنتاج مفتوحة.
يمكن أن تكون الخيارات التقليدية مثل رفع الفائدة آخر خيار.
وأكّد الكاتب أن توصياته الأساسية هي ضرورة تعزيز التواصل القوي والإعلان عن الفريق الذي سيدير الاقتصاد وخريطة الطريق في الفترة الجديدة دون إضاعة الكثير من الوقت، معربًا عن اعتقاده بأنه بالاستناد إلى الافتراض بأن هناك اتفاقًا تم التوصل إليه منذ وقت طويل بشأن الأسلوب والمنهج الذي سيتبع في إدارة الاقتصاد، يجب وضع حلول أكثر فعالية وعاجلة للمشاكل المطروحة.
مسار التضخم
أما في مسألة التضخم؛ فقد سلط الكاتب نور الله غور الضوء على مسار التضخم في تركيا متناولًا طرق محاربته، قائلا، في مقال نشرته "
صباح"، إن معدلات التضخم في تركيا واصلت الانخفاض في شهر أيار/ مايو؛ حيث تراجع بمقدار 46 نقطة أساس ليصل إلى 39.59 بالمئة بعدما وصل إلى ذروته 85.51 بالمئة في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2022.
وقد أعلن معهد الإحصاء التركي أنه طبق طريقة السعر الصفري على الغاز الطبيعي في حساب التضخم في أيار/ مايو، مع الأخذ في الاعتبار أن الغاز الطبيعي تم توفيره مجانًا لمدة شهر. وأدت هذه الخطوة إلى تعزيز انخفاض معدل التضخم بشكل أكبر، كما تراجعت معدلات ارتفاع أسعار المواد الغذائية بالمقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي، بالإضافة إلى تراجع تكاليف الإنتاج، مما أدى إلى خفض معدل التضخم.
وأشار الكاتب إلى أن ضغط التضخم لم يتراجع بما يكفي لتخفيف الضغط على البنك المركزي؛ حيث لا يزال معدل الزيادة في أسعار المنتجات الحساسة لأسعار الصرف والطلب المحلي أعلى من المتوسط العام. يمكن أن يؤدي الارتفاع في سعر الصرف إلى زيادة في أسعار هذه المجموعة. وقد يؤخر رفع الحد الأدنى للأجور، والذي سيغطي النصف الثاني من العام، أيضًا تباطؤ تضخم الخدمات. بالمقابل، سيكون لتعديل السعر الصفري للغاز الطبيعي تأثير متزايد على التضخم في الربع الأخير من العام، عندما يزداد استهلاك الطاقة مع زيادة برودة الطقس.
طرق محاربة التضخم
وأفاد الكاتب بأنه من أجل جعل انخفاض التضخم دائمًا، من الضروري الانتباه إلى ثلاث نقاط:
- ضبط تأثير سعر صرف العملات الأجنبية على الأسعار.
- إدارة توقعات التضخم بدقة.
- عدم السماح بحدوث موجة جديدة من تضخم الطلب القائم على القروض.
ولتحقيق ذلك، وفقًا للكاتب، تأتي السياسات المالية والنقدية في المقام الأول كوسائل قابلة للتطبيق، وقد يكون من الصعب جدًّا تشديد السياسة المالية في الفترة المقبلة من 9 إلى 12 شهرًا، نظرًا للضرورة الملحة لزيادة الإنفاق الحكومي بسبب كارثة الزلزال.
بالإضافة إلى ذلك؛ هناك وعود متعلقة بزيادة رواتب الموظفين خلال فترة الانتخابات. لذلك؛ قد يتم زيادة إيرادات الضرائب من خلال تطبيقات مثل ضريبة الريع وضريبة الثروة. ولكن بالنسبة للتشديد المالي، لن يكون من السهل كبح جماح النفقات العامة على المديين القصير والمتوسط.
وبيّن الكاتب أنه سيكون من الضروري أن يتم إيلاء مزيد من الاهتمام للسياسة النقدية والتدابير الهيكلية في مكافحة التضخم. كذلك، السياسة النقدية تحتاج إلى العودة إلى الوضع الطبيعي.
وتابع الكاتب مبينًا أنه يجب أن تكون عملية العودة إلى الوضع الطبيعي تدريجية، أي تتم تدريجيًا مع مرور الوقت. أما في الجانب الهيكلي؛ فتحتاج تركيا إلى "قانون لمكافحة التضخم" مشابه للقانون في الولايات المتحدة؛ حيث يمكن أن يتم بناء هذا القانون على سياسات تدعم الإنتاج المحلي للسلع الوسيطة الحرجة في قطاعي الزراعة والصناعة، وتعزيز تنوع المصادر المحلية والمتجددة للطاقة الخضراء.
النمو العالمي ومسار البلدان النامية
وبحسب الكاتب؛ فقد أعلن البنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية هذا الأسبوع توقعاتهما لنمو الاقتصاد العالمي الحالي؛ حيث توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بأن ينمو الاقتصاد العالمي هذا العام بنسبة 2.7 في المائة، بينما كان البنك الدولي أكثر حذرًا وأعلن توقعات النمو بنسبة 2.1 في المائة.
وذكر الكاتب أنه على الرغم من الاختلاف في توقعات النمو؛ يتفق البنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على أن البيئة الاقتصادية ستكون أكثر تحديًا للبلدان النامية في المدى القريب والمتوسط، مقارنة بفترة 20 عامًا قبل الوباء، ويمكننا أن نلخص العوامل التي تبرز في تحليلاتهم على النحو التالي:
تشهد الظروف المالية العالمية تشديدًا، بمعنى آخر، أسعار الفائدة آخذة في الارتفاع والسيولة العالمية آخذة في الانكماش. هذا يجعل تسديد الديون أمرًا صعبًا، خاصةً بالنسبة للبلدان النامية ذات المؤشرات الاقتصادية الكليّة الضعيفة والمخاطر العالية.
تصاعد التوترات الجيوسياسية والمخاوف المتعلقة بأمن سلاسل التوريد تدفع البلدان المتقدمة نحو سياسات الحماية التجارية؛ حيث تزداد التدابير المقيدة للتجارة الدولية والاستثمار الأجنبي المباشر، وهذا يهدد المكتسبات التي تحققها البلدان النامية من التجارة العالمية والاستثمارات، وبالفعل أدى ذلك إلى تراجع معدلات النمو في البلدان النامية. ومع ذلك؛ يشهد الاقتصاد العالمي تغيرًا جذريًا في النمط وفي مثل هذه الفترات، بالإضافة إلى المخاطر المختلفة، تتواجد أيضًا فرص مهمة.
واختتم الكاتب تقريره بأن البلدان التي تستهدف الارتقاء بمستواها يجب أن تستفيد بشكل جيد جدًا من الأعوام القادمة (خصوصًا خلال عامين إلى ثلاثة أعوام). وسيكون من الحكمة تقييم هذه الفترة من خلال تحليل أبعاد النقلة النوعية وبناء القدرات لها، بدلاً من الهوس بالنمو العالي وتنفيذ حلول موضعية وسياسات متعجرفة، ويمكن للدول التي يمكنها القيام بذلك حينها أن تحتفل بالنصف الثاني من عشرينيات وثلاثينيات القرن الحالي.