يسلط تقرير لمعهد واشنطن الضوء على العلاقة المتشابكة والغامضة
بين
الحشد الشعبي والحكومة
العراقية برئاسة محمد شياع السوداني.
فالبرغم من العلاقات الجيدة بين السوداني والولايات المتحدة،
والتي تمثلت في تصريحاته حول ضرورة الوجود الأمريكي في العراق ولقاءاته المستمرة
مع السفيرة الأمريكية في بغداد، وهي المؤشرات التي تزعج الحشد الشعبي، إلا أنه في
المقابل يتوسع الحشد وتفتح له مجالات واسعة خصوصا في مجال الاقتصاد.
يرجح معد التقرير مدير برنامج السياسة
العربية في معهد واشنطن ديفيد شينكر أن الحشد الشعبي يشعر بالقلق من علاقة العمل المثمرة بين واشنطن ورئيس الوزراء
محمد شياع السوداني. حيث لم يكتفِ السوداني بتأييد استمرار الوجود العسكري الأمريكي
في إطار التحالف ضد تنظيم الدولة، بل عمل أيضًا على الحد من اعتماد العراق على إيران
في مجال الطاقة. وتشكّل اللقاءات المنتظمة بين السوداني ورومانوسكي واقعًا أسوأ ربما
بالنسبة إلى "الحشد الشعبي".
يترأس السوداني حكومةً يقودها تحالف "الإطار
التنسيقي" المدعوم من إيران، وهو الجناح السياسي لـ"الحشد الشعبي"،
ولم يتمكن السوداني حتى الآن من تلبية توقعات الميليشيات.
وبناءً على ذلك، حثّت مجموعة "أصحاب الكهف"
أتباعها على "إحراج" حكومة السوداني و"تمهيد الطريق لإسقاطه".
وحذّرت حركة النجباء، وهي ميليشيا أخرى أبرز تابعة للحشد الشعبي، من تزايد النفوذ الأمريكي
في العراق، وأدانت "استرضاء" السوداني للولايات المتحدة.
توسع "قوات الحشد الشعبي" في عهد السوداني
يقول شينكر: في الواقع لقد توسعت امتيازات
"الحشد الشعبي" بشكل هائل منذ توليه رئاسة الوزراء في تشرين الأول/ أكتوبر
الماضي.
في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 مثلًا، وافق السوداني
على تأسيس "شركة المهندس العامة" وخصص لرأسمالها حوالي 70 مليون دولار من
الموازنة العراقية. ومن المرتقب أن تفوز شركة المقاولات الإنشائية والهندسية هذه التي
يملكها ويديرها "الحشد الشعبي"، الذي صنّفت الحكومة الأمريكية عددًا كبيرًا
من قادته وميليشياته على قائمة الإرهاب، بصفقاتٍ بمليارات الدولارات مع الحكومة العراقية
ضمن المناقصات غير التنافسية.
وعلى غرار "الحرس الثوري الإيراني"
وشركة "خاتم الأنبياء" التابعة له، سيساعد هذا الترتيب على ضمان الرفاهية
المالية الدائمة لـ"الحشد الشعبي"، حتى في الحالة غير المحتملة التي تُقرر
فيها الحكومة العراقية أخيرًا التوقف عن تمويل رواتب المنظمة مباشرة.
قدّمت بالفعل الحكومة العراقية لـ"شركة المهندس
العامة" منحًا من الأراضي الشاسعة التي يُزعَم أنها مخصصة لزراعة الأشجار، وهي
أراضٍ غير ملائمة للزراعة تقع بالقرب من الحدود الأردنية والسعودية. ولا شك في أن نقل
ملكية الأراضي واحتمال إنشاء قواعد ومهابط جديدة للميليشيات في هذه المناطق يثيران
قلق عمّان والرياض، اللتين اخترقت الطائرات المسيّرة التابعة لـ"الحشد الشعبي"
مجالهما الجوي مرارًا وتكرارًا.
بالإضافة إلى الازدهار المالي في عهد السوداني،
ازداد عديد قوات الحشد الشعبي في فترة توليه رئاسة الوزراء. فمنذ عامين فقط، قُدّر
عدد قوات الحشد الشعبي بـ100 ألف ميليشياوي. وبحسب موازنة العراق لعام 2023، يضم الحشد
الشعبي اليوم حوالي 238 ألف رجل مسلَّح، وهي قوة يوازي حجمها تقريبًا نصف حجم الجيش
العراقي. وستُخصِّص بغداد في هذا العام مبلغ 2.7 مليارات دولار لتمويل هذه القوات المتحالفة
مع إيران.
وفي شباط/ فبراير، أُعلِن أن حكومة السوداني ستتكفل
ببناء أكاديمية عسكرية جديدة مخصصة لعناصر الحشد الشعبي، وسيكون عناصره مؤهلين للحصول
على معاشات تقاعدية.
ويؤكد شينكر أن المكاسب الأخيرة التي حققها الحشد
الشعبي تشير إلى مسارٍ يطرح الإشكاليات، على الرغم من الهدوء النسبي الذي يسود العراق
في هذه الأيام.
ربما يرى السوداني، على غرار أسلافه، أن اتخاذ
خطواتٍ جريئةٍ لكبح جماح الحشد الشعبي يشكل خطرًا كبيرًا على سلامته الشخصية. وفي حين
أنه ينبغي تقدير الخطوات التي اتخذها رئيس الوزراء للحد من الفساد وغسل الأموال وإنهاء
اعتماد بلاده على الطاقة الإيرانية، لكن فشله في معالجة توسع الحشد الشعبي العسكري
لا يبشّر بالخير في المستقبل، وفق شينكر.
ويضيف: "منذ انتخاب السوداني في تشرين الأول/
أكتوبر، اتبعت إدارة بايدن في تعاملها مع رئيس الوزراء نهجًا اتسم بالصبر وعدم لفت
الأنظار، وحقق بعض النتائج المتواضعة. لكن للأسف، إن الدرس المستخلص من حزب الله في
لبنان والحوثيين في اليمن هو أن قوات الحشد الشعبي الوكيلة لإيران ستستمر في النمو
وتعزيز هيمنتها على العراق إذا تُركت من دون رقابة".