علمت "عربي21" من مصادر سياسية عراقية خاصة، أن رئيس الوزراء محمد شياع
السوداني، يجري تحركات على الكتل البرلمانية الصغيرة، ولا سيما المشكّلة من المستقلين، الذين ينتمي البعض منهم إلى "حراك تشرين"، من أجل كسبهم إلى صفه في انتخابات مجالس المحافظات المقبلة.
ومن المقرر أن يشهد
العراق إجراء انتخابات مجالس المحافظات (المحلية) في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، التي جرى إلغاؤها بقرار من البرلمان استجابة لأحد مطالب الاحتجاجات الشعبية عام 2019، والتي اعتبرت في حينها بوابة للفساد وهدر الأموال.
زعامة جديدة
وقالت المصادر السياسية لـ"عربي21" طالبة عدم الكشف عن اسمها إن "زيارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى تحالف وطن، الأسبوع الماضي، سبقه حديث عن تفاهمات لتشكيل كتلة انتخابية لخوض انتخابات مجالس المحافظات المقبلة ضمن ائتلاف واحد".
ويتألف تحالف "وطن" من النواب المستقلين في البرلمان العراقي، الذي يترأسه ياسر إسكندر، وعضوية كل من: حيدر طارق شوقي، وسجّاد سالم، وسامي البدري، وناظم الشبلي، ونور نافع.
ولفتت المصادر إلى أن "نوابا مثل سجّاد سالم الممثل لحراك تشرين وأحد قادته الميدانيين، وسبق أن هاجم المليشيات المسلحة وهيمنتها على القرار السياسي في البلاد، عندما يتقارب مع السوداني فإن ذلك يعني أن حالة سياسية جديدة تتشكل قريبا".
وأكدت المصادر أن "تحركات السوداني على الكتل البرلمانية الصغيرة، ولاسيما المستقلين، ومنهم من ينتمون إلى حراك تشرين، سيفضي إلى إيجاد كتلة تشارك في الانتخابات المحلية المقررة في 6 تشرين الثاني المقبل".
ولفتت إلى أن "السوداني يسعى للتحرك على قوى سنية لضمها إلى ائتلاف يكون تابعا له، يضفي عليه طابع الوطنية للنزول في جميع المحافظات ذات الغالبية السنية أو الشيعية، لكن هذا الأمر يواجه معارضة قوية من تيار داخل قوى الإطار التنسيقي الشيعي على تشكيل رئيس الوزراء كيانات سياسية للمشاركة في انتخابات مجالس المحافظات والانتخابات البرلمانية".
وعزت المصادر السياسية تخوف هذه الجهات، ولا سيما ائتلاف دولة القانون، بزعامة نوري المالكي، إلى "إيجاد زعامة شيعية تنافس الأخير في الإطار التنسيقي، وأن انتخابات مجالس المحافظات قد تكون ميدانا لجس النبض حول مدى مقبوليته وذلك بتأسيس قوائم تعرف بأنها مقربة منه".
وأشارت إلى أن "الخارطة الشيعية المقبلة ستكون بدون المالكي الذي لن تتلاءم زعامته مع زعامة السوداني، وأن مشروع الأخير سيكون وطنيا، وهو بانتظار الشريك السنّي الفاعل والذي ربما تنبئ عنه الانتخابات المحلية".
"التفاف واضح"
من جهته، قال المحلل السياسي العراقي، أحمد الشريفي لـ"عربي21" إنه "عندما نعالج قضية المستقلين فيجب أن ندقق في النوايا، هل تذهب باتجاه تحقيق تكامل مع جهات مستقلة باعتبارهم يحملون وجهات نظر ورؤى تختلف عن الرؤى الحزبية التقليدية، أم إن هناك رغبة ونية للالتفاف على عنوان المستقلين للتسويق الانتخابي أو الاحتواء السياسي؟".
وتابع: "الاحتمال الثاني هو الأقرب، لأننا لاحظنا في فترة تشرين (احتجاجات 2019) وقساوة المرحلة وتساقط الشباب شهداء، كانت هناك أطراف من قوى تشرين تتحرك باتجاه حركات كانت سببا في أزمة التظاهرات تتسم بالفساد وسوء الإدارة، وجرى احتواؤها".
لكن الشريفي أكد أنه "في ظل المعادلة السياسية في العراق، فإنه لا يستطيع مستقل أن يشق طريقه ويصل إلى قبة البرلمان ما لم يكن مدعوما من حزب سياسي بشكل مبطن أو جهة دينية أو دعم دولي، أما دون ذلك من إمكانيات فردية ودعم الجماهير له فإنه ضرب من الخيال أن يصعد".
وأرجع ذلك إلى أن "عناصر القوة الثلاثة التي من المكن أن تؤّمن لرجل السياسة أن يعبر عن مشروعه السياسي، وهي المال والسلاح والإعلام، كلها ممسوكة بيد القوى السياسية الدينية، وهي أساسا لا تقبل الحوار مع الآخرين، فما بالك بقبولها بالشراكة معهم؟".
وأشار الشريفي إلى أن "هناك رغبة للالتفاف على عنوان المستقلين، وقد يكون تحرك السوداني في إيحاء أو توجيه من الفصائل، لأن حكومة الأخير تبقى أنها منبثقة من هذه الجهات".
وأردف: "السوداني ابتعد بوصفه مرشحا عن حزب الدعوة تنظيم العراق، وائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه المالكي، وربما يستعير تجربة أسلافه في البحث عن قاعدة جماهيرية وتشكيل ائتلافات بعيدة عن عنوانه (حزب الدعوة) للانفتاح على المستقلين".
وخلص الشريفي إلى أن "السوداني اليوم هو حليف عصائب أهل الحق (مليشيا مسلحة بزعامة قيس الخزعلي)، فهو يمثل اليوم حكومة ظل لهم، فهل إذا تحالف مع المستقلين سيتحرر من العصائب؟".
"تمرّد وارد"
وفي المقابل، رأى المحلل السياسي العراقي، علي البيدر، أن "الشخص الأول في المقبولية على المستوى الشعبي والسياسي وحتى النخبوي اليوم هو السوداني، لذلك فإن عليه الحفاظ على هذا الموقع والتمرد على المفاهيم والعناوين التي أوصلته إلى السلطة، وأن يقدم نفسه كنموذج وطني يحظى بمقبولية وتأييد الجميع".
وأضاف لـ"عربي21" أنه "إذا تحدثنا عن فرص وإمكانيات نجاح السوداني في ذلك، فإنه حتى الآن لم يتحرك سياسيا بشكل فعلي لتأسيس تيار سياسي، أو إنه أوقف تيار الفراتين التابع له، ولم نجد للأخير أيضا تصريحا أو مواقف سياسية من النواب الذين ينتمون إليه".
وتابع: "السوداني يمتلك الأدوات، لكن توظيفها وجعلها مشروعا سياسيا للحصول على مكتسبات لم يظهر إلى العلن حتى الآن، وأن فرص نجاحه أفضل وأكبر من غيره إذا قفز من الإطار التنسيقي، وسفينة ائتلاف ادارة الدولة وغيرها من العناوين الضيقة صوب مديات الفضاء الوطني".
وعن فرص تحالف مع المستقلين والقريبين من الحراك، رأى البيدر أن "هذا الأمر كله مرهون في رغبة الأطراف التشرينية والاحتجاجية في التقارب مع السوداني أو تقبل الشارع السني لعنوان المشروع الوطني".
وأردف: "خصوصا أن المشاريع السابقة سواء التي قادها ائتلاف دولة القانون بقيادة نوري المالكي، ومرورا بكتلة النصر بزعامة حيدر العبادي، وصولا إلى تحالف العقد الوطني برئاسة فالح الفياض، فإنها كلها كانت أدوات لسرقة الأصوات السنية ووضعها في تحالف شيعي".
واستبعد البيدر أن "يكون مشروع السوداني جزءا من مناورة للالتفاف على النواب المستقلين، لأن ورقته السياسية ستحترق، ولا سيما أنه لا يزال هناك حالة من الارتياح، والقدسية لفكرة الاحتجاجات التي تعد هي المحرك الأول للرأي الشعبي".
وأشار إلى أنه "إذا أجريت الانتخابات في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، فإني أعتقد بصعوبة إعلان السوداني تحالفا مستقلا بحد ذاته بعيدا عن قوى الإطار التنسيقي، لكنها إذا تأجلت إلى العام المقبل- وهذا وارد جدا- فإننا سنرى كتلة ربما قريبة من رئيس الوزراء أو تحتمل عناوين واضحة بشكل صريح".
وأردف البيدر، قائلا: "وهنا ستحصل حالة الطلاق بين السوداني وائتلاف إدارة الدولة وحتى الإطار التنسيقي الشيعي، لأن نتائج انتخابات مجالس المحافظات ستبنى عليها الكثير من المعطيات، وتؤسس إلى المرحلة المقبلة بشكل جدي وشبه مطلق".