على عكس ما يعتقد
كثيرون، لم تجاف نتائج
الانتخابات التركية الأخيرة بإطارها العام ما كانت قد ذهبت إليه
استطلاعات الرأي المهنية والمصداقة التي نُشرت خلال الأسابيع التي سبقت الاستحقاق الانتخابي بدورتيه الأولى والثانية، وأظهرت تقدم تحالف
الجمهور والرئيس رجب طيب
أردوغان على تحالف -بل
تحالفات- المعارضة، واستحالة أن
يصل مرشحها كمال
كليتشدار أوغلو إلى حاجز الخمسين في المائة بأي حال من الأحوال.
إذن، كما كان متوقعاً
وحسب معظم الاستطلاعات المهنية والرصينة وغير الموجهة، تفوّق الرئيس رجب طيب أردوغان
بالانتخابات الرئاسية بدورتها الأولى بعدما حاز على 49.5 في
المائة من أصوات المقترعين، وكان على بعد نصف في المائة فقط -274 ألف صوت- من تجاوز
حاجز الخمسين في المائة اللازمة للفوز منذ الدورة الأولى، بينما حاز منافسه مرشح
المعارضة، زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو، على 44.88 في المائة، وهي نسبة قريبة أيضاً مما
رسمته الاستطلاعات المستقلة والمهنية التي سبقت الاستحقاق الانتخابي، والتي قالت إنه
ليس في وضع يسمح له بالفوز لا بالدورة الأولى ولا الثانية، خاصة مع فارق نحو مليونين
ونصف المليون من الأصوات للرئيس أردوغان، ما مثّل قاعدة مناسبة للأخير للانطلاق
نحو الفوز في الدورة الثانية.
رئاسياً أيضاً،
ومع انسحاب زعيم حزب وطن المنشق عن حزب الشعب الجمهوري محرم إنجه من السباق، حاز
مرشح اليمين القومي المتطرف سنان أوغان على نسبة 5.13 في المائة، مع 0.44 في المائة لمحرم إنجه حتى بعد
انسحابه، ما يعني أن القوميين الغاضبين من الجهتين اليسارية واليمينية حازا معاً
على نسبة صغيرة (5.5 في المائة) ولكنها معتبرة، وكانت
بالفعل مهمة وحاسمة في الدورة الثانية.
برلمانياً، حاز
تحالف الجمهور الحاكم على49.47 في
المئة من أصوات الناخبين والغالبية البرلمانية المريحة، مع 323 مقعداً من أصل 600 مقعداً،
مقابل 35 في المائة لتحالف الأمة المعارض و212 مقعداً،
و10 في المائة مع 65 مقعداً لتحالف اليسار الأخضر الكردي المحسوب على المعارضة
والمتحالف معها، والذي أيّد صراحة وعلناً كمال كليتشدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية.
وبالتالي حازت المعارضة مجتمعة على 277 مقعدا، وهي نتيجة مخيبة بكل المعايير قياساً
إلى البرنامج الانتخابي والتعهدات السياسية للمعارضة بتغيير النظام الرئاسي الحالي،
والعودة إلى الحكم البرلماني المعزز والقوي باستفتاء شعبي يستلزم بالضرورة الحصول
على تأييد 360 نائبا أو تغيير النظام داخل البرلمان نفسه في حالة امتلاك الأغلبية
اللازمة وهي 400 مقعد لتحقيق ذلك.
بتفصيل أكثر، حاز
الرئيس أردوغان بالدورة الأولى على أصوات تحالف الجمهور بالكامل، ورغم تراجع أصوات
حزب العدالة والتنمية إلى 35.5 في المئة، إلا أن حزب الحركة القومية اليميني
حاز على 10 في المائة مع 3 في المائة لحزب الرفاه من جديد الإسلامي، بقيادة فاتح
نجم الدين أربكان، وواحد في المائة تقريباً لحزب الاتحاد الكبير، وهي الأصوات التي صبّت كلها لصالح
الرئيس في صناديق الاقتراع.
قياساً
للاستطلاعات المحلية قبل الانتخابات، فإن ملامسة الرئيس أردوغان حدود الخمسين في المائة
في الدورة الأولى حصلت كذلك بفضل تصويت المغتربين الواسع والمعتاد له -57 في المائة-
كما يجب الانتباه إلى أن الشباب من جيل "زد" (Z) الذين صوّتوا لأول مرة ويبلغ عددهم قرابة 5
ملايين، أي سبعة في المائة تقريباً من الناخبين، لم يقترعوا بكثافة لصالح مرشح المعارضة،
ورغم ميلهم الطبيعي إلى التغيير إلا أنهم صوّتوا في غالبيتهم بنفس الطريقة المعتادة
لذويهم، وهذا ما أبقى التفوق للرئيس أردوغان كما كل الانتخابات والاستحقاقات
السابقة.
رئاسياً أيضاً، حاز
المرشح الرئاسي الثالث القومي سنان أوغان على 5.1في
المائة بالدورة الأولى، بالرغم أن تحالفه النيابي مع العنصري أوميت أوزداغ (تحالف
الأجداد أو السلف)، حاز فقط على 2.2 في المائة ما يعني أن بقية الأصوات
الرئاسية (3 في المائة) أتت من جهة محرم إنجه، حيث أعطتهم الاستطلاعات معاً ما بين
5 إلى 6 في المائة.
برلمانياً، بدت الصورة
مشابهة تماماً للانتخابات الرئاسية، ومع ذلك ثمة تفاصيل لافتة للانتباه، حيث تراجع
حزب العدالة والتنمية إلى 35.5 في المائة وهي نتيجة ينبغي التوقف
عندها، خاصة أنها تمثل تراجع بنسبة 7 في المائة عن الانتخابات السابقة، غير أن التحالف
ككل احتفظ بالأغلبية بفضل الأداء الجيد لحزب الحركة القومية اليميني الذي تجاوز
نسبة الـ10 في المائة -50 مقعدا- إضافة إلى حزب الرفاه من جديد الإسلامي الذي أعطى التحالف
الحاكم نحو 3 في المائة، وهي نسبة لافتة، خاصة أنها تعادل مجموع ما قدمته الأحزاب الصغرى
الثلاث ذات الخلفية الإسلامية إلى التحالف المعارض.
وبالعموم، احتفظ تحالف
الجمهور بالغالبية البرلمانية التي وفّرت له 323 مقعداً، رغم مراهنة المعارضة على الفوز
لتمرير التعديلات الدستورية مباشرة في البرلمان أو عبر استفتاء شعبي مع أغلبية
برلمانية بسيطة.
في ضوء النتائج الرسمية سالفة الذكر، يمكن الاستنتاج بسهولة كذلك أن الاستطلاعات المفبركة التي تم الترويج لها في الداخل والخارج كانت مسيّسة وموجّهة من قبل المعارضة. وفي الحقيقة لم يمتلك كليتشدار أوغلو، قياساً لموازين القوى الحزبية السالفة الذكر في أي لحظة، فرصة تجاوز أو حتى ملامسة حاجز الـ50 في المائة للفوز بالدورة الأولى ولا الثانية بالطبع
تفوّق تحالف
الجمهور ولو جاء بنسبة طفيفة تراوحت حول ستة في المائة لكنها تسمح له بالسيطرة
المريحة على البرلمان، أيضاً لدعم توجهات الرئيس الأساسية والاتفاقيات الرسمية مع
الخارج خاصة ببعدها العسكري، إضافة إلى القضايا والقوانين الداخلية ذات الطابع الاقتصادي
الاجتماعي التي تحتاج إلى غالبية بسيطة.
في المقابل، حاز تحالف
الأمة المعارض على 35 في المائة، إضافة إلى 10 في المائة للتحالف اليساري الكردي، وهذا
ما كانت قد أشارت إليه الاستطلاعات السابقة للاستحقاق الانتخابي الأول حرفياً تقريباً.
في صفوف التحالف المعارض،
حاز حزب الشعب الجمهوري على 25 في المائة، أي أكثر بـ3 في المائة من الانتخابات البرلمانية
السابقة، ما يعني أن الأحزاب الصغيرة الثلاثة -السعادة والتقدم والمستقبل- أعطته 3
في المائة تقريباً، ولكنها أخذت منه 36 مقعداً، ما ترك أعضاءه خاصة المؤدلجين منهم
غاضبين وناقمين.
في ضوء النتائج
الرسمية سالفة الذكر، يمكن الاستنتاج بسهولة كذلك أن
الاستطلاعات المفبركة التي تم الترويج لها في الداخل والخارج كانت مسيّسة وموجّهة
من قبل المعارضة. وفي الحقيقة لم يمتلك كليتشدار أوغلو، قياساً لموازين القوى
الحزبية السالفة الذكر في أي لحظة، فرصة تجاوز أو حتى ملامسة حاجز الـ50 في المائة
للفوز بالدورة الأولى ولا الثانية بالطبع.
بناء على ما سبق
كله، يمكن رسم صورة عامة عما جرى بالاستحقاق الرئاسي الثاني والحاسم قبل أيام، حيث
بدت فرصة أردوغان بالفوز واضحة بل أكيدة مع أفضلية مليونين ونصف مليون صوت في الدورة
الأولى، وهي هوّة يصعب جسرها، إضافة إلى استقرار وانسجام التحالف السياسي والحزبي
الداعم له، بينما شهدت المعارضة انقسامات وواجهت صعوبات في الحفاظ على انسجامها
ووحدتها بعد الفشل في تحقيق هدفها المركزي المتمثل بالسيطرة على البرلمان، والذهاب
إلى استفتاء لتعديل الدستور من أجل تغيير النظام وفرض ما تصفه بالحكم البرلماني
المعزز والقوي، كما أن بعض أطيافها خاصة من الأحزاب الصغيرة -3 في المائة على الأقل-
فقدت حماسها بعد اليقين من عجز كليتشدار أوغلو على الفوز.
قبل الدورة
الثانية أعلن المرشح الرئاسي الثالث سنان أوغان عن دعمه للرئيس أردوغان، لكن دون
مساومات أو إغراءات مع دعم برنامج تحالف الجمهور الواقعي والمنطقي بالنسبة له، والقائم
على محاربة مصممة وعنيدة للإرهاب وامتلاك خطة واقعية ومنطقية أيضاً، وقابلة
للتطبيق ضمن مدى زمني معقول من أجل إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم ولكن بشكل طوعي
وكريم.
عاشت تركيا عرسا انتخابيا بهيجا تكرر مرتين، مؤكداً حقيقة الديمقراطية الراسخة في البلاد على عكس الضخّ في الإعلام الغربي طوال السنوات الماضية، وكما في أي نظام ديمقراطي امتلكت المعارضة كامل الحرية في تنظيم نفسها مؤسساتياً وسياسياً وإعلامياً، بما فيها تلك التي تتماهى أو تدافع علناً التنظيمات الإرهابية، بينما أعطى الشعب ثقته للرئيس والتحالف الداعم له وتفويضاً واضحاً للمضي قدماً في برنامجه السياسي والاقتصادي والاجتماعي الطموح
وانحاز حليفه
السابق أوميت أوزداغ للمعارضة، وتوصّل إلى تفاهم مع مرشحها كمال كليتشدار أوغلو من
أجل إعادة سريعة للاجئين السوريين ومحاربة التنظيمات الإرهابية، ما أغضب التحالف
الكردي الذى يدعمه وأدى إلى انخفاض ولو نسبي طفيف في نسبة التصويت في صفوفه. كما
تبنّى كليتشدار أوغلو خطابا عنصريا فظّا تجاه اللاجئين لإرضاء حليفه الجديد وجذب
جمهوره، وهو ما أغضب من جهة أخرى بعض الفرقاء في التحالف المعارض، خاصة مع الحديث
عن وعده أوزداغ بحقيبة الداخلية.
وبالعموم، شهدنا في
الدورة الرئاسية الثانية نفس نمط تصويت التحالفات إلى هذا الحد أو ذاك، بينما انقسمت
أصوات سنان أوغان بين المتنافسين، حيث حاز الرئيس أردوغان 2.7في
المائة إضافية كفلت له الفوز بنسبة 52.2، كما ذهبت نسبة قريبة إلى منافسه كليتشدار
أوغلو ورفعت حصيلته إلى 47.8في
المائة.
في كل الأحوال، عاشت
تركيا عرسا انتخابيا بهيجا تكرر مرتين، مؤكداً حقيقة الديمقراطية الراسخة في
البلاد على عكس الضخّ في الإعلام الغربي طوال السنوات الماضية، وكما في أي نظام
ديمقراطي امتلكت المعارضة كامل الحرية في تنظيم نفسها مؤسساتياً وسياسياً وإعلامياً،
بما فيها تلك التي تتماهى أو تدافع علناً التنظيمات الإرهابية، بينما أعطى الشعب
ثقته للرئيس والتحالف الداعم له وتفويضاً واضحاً للمضي قدماً في برنامجه السياسي والاقتصادي
والاجتماعي الطموح نحو المئوية الثانية للجمهورية وقرن تركيا، كما يحلو للرئيس أردوغان القول.