ما زال العالم المنشغل بالانتخابات التركية، منقسما إلى فسطاطين؛ أحدهما
منحاز بقوة إلى
أردوغان ومحب له، والآخر يناصبه الكره ويتمنى له الخسارة أمام كليتشدار
أوغلو مرشح الطاولة السداسية. فغالبية العرب والمسلمين ينتظرون فوز أردوغان بلهفة وترقّب
لم يحسّوا بها من قبل في
انتخابات بلدانهم المزورة بنسبة 99.9 كما هي العادة.
ومرجع هذا أمران: الأول أن النتيجة معروفة مسبقا؛ إذ لا يمكن في الدول العربية
باستثناء لبنان وموريتانيا والصومال والجزائر والعراق، أن يحدث تداول سلمي للسلطة،
بحيث تجد رئيسا جديدا ورئيسا سابقا، والثاني هو الانتماء الإسلامي والخوف على مصير
تركيا الدولة الداعمة للضعفاء والمقهورين من المسلمين على وجه الخصوص.
وقد بات من شبه المؤكد أن أردوغان سيكتسح جولة الإعادة بفارق يفوق
التوقعات، إذ ربما يكون الفرق بين المرشحين أكبر مما كان في الجولة الأولى؛ وبذلك
سيتسنّى لأردوغان الاستمرار في الحكم خمس سنوات أخرى، لا سيما بعد إعلان المرشح
الرئاسي في الانتخابات الرئاسية التركية سنان أوغان الحاصل على نحو 5.2 في المئة
من أصوات الناخبين عن تأييده لأردوغان، ومطالبة مناصريه بالإدلاء بأصواتهم لصالحه.
لاحظ الأتراك ترهل تحالف الطاولة السداسية وبعض الأخطاء التي وقعت من كليتشدار أوغلو وأنصاره، كطرد ضحايا الزلزال من إقاماتهم المؤقتة في البلديات التابعة لحزب الجمهورية؛ لأنهم صوتوا لصالح أردوغان، ناهيك عن الخطاب غير الناضج الذي ركّز أكثر ما ركز على طرد الأجانب وخصوصا السوريين، والذي تسبب في غضب كثير من المناصرين له، في حين أثبت أردوغان، بشخصيته القوية وثقته بنفسه وثباته الانفعالي المذهل وكاريزما الزعيم القوي، أنه الرجل المؤهل للاستمرار في قيادة البلد
ويعوّل المرشحان على مليون ناخب تم إلغاء أوراقهم الانتخابية بسبب أخطاء
غالبا كانت غير مقصودة، كما يعوّل كلاهما على أولئك الذين لم يصوّتوا أصلا، لكن من
المتوقع أن يُعرِض بعض من صوتوا لكليتشدار أوغلو عن التصويت في جولة الإعادة، إما
بسبب الإحباط جراء نتيجة الجولة الأولى وإحساسهم بأن فوز أردوغان بات تحصيل حاصل،
لا سيما بعد انحياز سنان أوغان لأردوغان، وإما من باب انحياز النفس البشرية تجاه
الأقوى، مما سيجعل بعض من صوّتوا لكليتشدار أوغلو يغيّرون رأيهم خصوصا غير
المؤدلجين منهم، أو الذين كانوا يقفون على الحياد، وتم دفعهم للتصويت لكليتشدار
أوغلو عن غير قناعة.
إلى ذلك فإن من المتوقع أيضا أن يتكاسل بعض أنصار أردوغان الذين صوّتوا له
في الجولة الأولى عن التصويت؛ لذات السبب الذي قد يُحبط الفريق الآخر، وهو ثقتهم
بفوز أردوغان؛ ما يعني أنهم قد يتصورون أن أصواتهم لن تكون مفيدة كثيرا؛ فيُحجموا
عن التصويت.
كذلك فقد لاحظ الأتراك ترهل تحالف الطاولة السداسية وبعض الأخطاء التي وقعت
من
كليتشدار أوغلو وأنصاره، كطرد ضحايا الزلزال من إقاماتهم المؤقتة في البلديات
التابعة لحزب الجمهورية؛ لأنهم صوتوا لصالح أردوغان، ناهيك عن الخطاب غير الناضج
الذي ركّز أكثر ما ركز على طرد الأجانب وخصوصا السوريين، والذي تسبب في غضب كثير
من المناصرين له، في حين أثبت أردوغان، بشخصيته القوية وثقته بنفسه وثباته
الانفعالي المذهل وكاريزما الزعيم القوي، أنه الرجل المؤهل للاستمرار في قيادة
البلد، وهو الذي قدّم لتركيا ما لا يستطيع أحد نكرانه، فعلى الرغم من غلاء المعيشة
وسوء أوضاع قطاع كبير من الأتراك، إلا أن إنجازات أردوغان الكبرى ظلت محل تقدير
حتى من قبل بعض أولئك الذين لم ينتخبوه..
في العادة يتحفظ السياسيون عن التحدث عن النتائج المتوقعة، ويتركون مساحة
للتأمل والانتظار، لكنني شخصيا أرى أن فوز أردوغان مؤكد، ولا تحتاج معرفة ذلك لكثير
من الذكاء والفطنة، بل إنني أرى أن فوز كليتشدار أوغلو أشبه بمعجزة، بل هو قريب من
المستحيل؛ فما يُرى بالعقل؛ يُرى بالبصيرة، وكلاهما العقل والبصيرة يؤكدان فوز
أردوغان على منافسه الفاشل الذي خسر كل شيء، وأهم ما خسره عدد مقاعد البرلمان
الخاصة بحزبه، وسمعته الشخصية وسمعة حزبه.
في حال فوز أردوغان فإن صدمة عنيفة ستهز أركان الطاولة السداسية، ويغلب الظن أنها ستتفرق شِيعا، ويتبادل أركانها الستة الاتهامات، وقد يصبح تحالفهم أثرا بعد عين، وقد بدأت بوادر الشقاق والانشقاق
وفي حال فوز أردوغان فإن صدمة عنيفة ستهز أركان الطاولة السداسية، ويغلب
الظن أنها ستتفرق شِيعا، ويتبادل أركانها الستة الاتهامات، وقد يصبح تحالفهم أثرا
بعد عين، وقد بدأت بوادر الشقاق والانشقاق بعد أن استقال 11 عضوا من مؤسسي حزب
المستقبل المعارض، وهو مكون رئيس لتحالف الطاولة السداسية؛ وذلك احتجاجا على خطاب
كليتشدار أوغلو المعادي للاجئين، وقبل ذلك أعلن أنورسال أديجوزال، نائب رئيس مجلس
إدارة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في حزب الشعب الجمهوري، الذي يتزعمه كليتشدار أوغلو، عن استقالته من منصبه.
كذلك فقد قام عدد من حلفائه بمهاجمة خطابه العنصري تجاه المهاجرين، وفي
المحصلة أعتقد بأن كليتشدار أوغلو سيُحاسَب حسابا قاسيا يكسر ظهره من قبل حزبه
والمناصرين له، لأنه تسبب في شرخ اجتماعي كبير وشوّه صورة الحزب، وأضاع فرصة الفوز
التي كان كثيرون يعوّلون عليها، بل إنني أعتقد أنه سيصبح منبوذا من طائفة كبيرة من
حزبه ومؤيديه، بل أكثر من ذلك أتصور أنه سيفقد حضوره السياسي ومبرر بقائه رئيسا
للحزب الجمهوري بشكل دراماتيكي.
وبحلول الانتخابات القادمة عام 2028 سيكون كليتشدار أوغلو قد باء باثنتين؛
الرفض الحزبي والشعبي لترشحه، وإصابته بالزهايمر، وثمة مؤشرات على ذلك، فقد سمّى
تحالفه أثناء إحدى كلماته على أنه "تحالف الشعب"، فصوب له أحمد داود
أوغلو قائلا له: "تحالف الأمة"، فعاد ليصوّب ما قال، ما ذكّرني بالأخطاء
والتصرفات المتكررة للرئيس الأمريكي جو بايدن الذي يتهمه كثيرون بالإصابة بمقدمات
الزهايمر.
أثبت أردوغان أنه رجل دولة من الطراز الأول، وكان وقوفه في قطار المصطفين للاقتراع كمواطن عادي من أجمل المشاهد الانتخابية، وجاء تفوّقه على كليتشدار أوغلو في الجولة الأولى وانتصاره المحتمل بقوة في الجولة الثانية؛ ردّا قويا على الإعلام الغربي الذي بدأ بالتراجع عن مواقفه السابقة
لقد وضع كليتشدار أوغلو نفسه في مأزق كبير أمام قيادات حزبه، فقد ربح المتحالفون معه، وخسر حزبه
على صعيد مقاعد البرلمان، فقد حصد حلفاؤه عددا من المقاعد التي لم يكونوا يحلمون
بها، لولا تحالفهم مع حزبه، بينما تناقص عدد مقاعد الأخير نسبيا؛ فالأحزاب
المتحالفة معه لم تخسر شيئا، وقناعتي الشخصية أن ثمة نوعا من الخديعة تعرض له كليتشدار أوغلو وحزبه حين أوصلوا الأحزاب الصغيرة إلى البرلمان بأعداد لم تكن تحلم بها،
بينما خسروا هم كل شيء، ولا أرى بدّا من انفراط عقد تحالفهم خلال الشهور القادمة؛
ذلك أن التباينات بين هذه الأحزاب المكونة لحلف الأمة كبيرة، وبفوز رجب طيب
أردوغان ستنتفي الحاجة إلى كليتشدار أوغلو وحزب الشعب الجمهوري بصورة مهينة؛ وذلك مما سيؤثر على مكانة الحزب وحضوره في المشهد السياسي،
ولا أستبعد أن يعود حزبا السعادة والمستقبل إلى رشدهما، ويتركا هذا التحالف في
أقرب الآجال.
لقد أثبت أردوغان أنه رجل دولة من الطراز الأول، وكان وقوفه في قطار
المصطفين للاقتراع كمواطن عادي من أجمل المشاهد الانتخابية، وجاء تفوّقه على كليتشدار أوغلو في الجولة الأولى وانتصاره المحتمل بقوة في الجولة الثانية؛ ردّا قويا على
الإعلام الغربي الذي بدأ بالتراجع عن مواقفه السابقة، بل أكثر من ذلك، فقد كالت
بعض وسائل الإعلام الغربي المديح لأردوغان بعد مهاجمته الوقحة قبل الجولة الأولى
للانتخابات وأثناءها.
كما كان تفوّق أردوغان ضربة موجعة لكل كارهيه وأعدائه حول العالم، وضربة
موجعة لرئيس حزب المستقبل أحمد داود أوغلو، ورئيس حزب السعادة تميل كارامولا أوغلو،
وكلاهما حزب ذو خلفية إسلامية للأسف.