دخلت صباح الثلاثاء،
الهدنة بين
الجيش السوداني وقوات
الدعم السريع حيز التنفيذ، وكان طرفا الصراع قد اتفقا عليها يوم السبت عقب مباحثات جرت بينهما في جدة بالسعودية، وعلى الرغم من بدء سريانها، إلا أنه قد حصل بعض الاشتباكات هنا وهناك.
وفور الإعلان يوم السبت عن الهدنة، اتصل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بالفريق عبد الفتاح البرهان قائد الجيش السوداني، ووفقا لبيان للخارجية الأمريكية، تحدث الطرفان حول الهدنة التي تمت برعاية سعودية أمريكية، وأن بلينكن حث البرهان على إظهار بعض المرونة خلال المحادثات.
هدنة تكتيكية
وهذه الهدنة ليست الأولى بين الطرفين، حيث كانت أول هدنة قد تمت في 24 نيسان/ أبريل، واستمرت لمدة ثلاثة أيام، وتم تمديدها مرة أخرى، لكن في كل مرة تحدث يتبادل الطرفان الاتهامات بخرقها.
ونظرا لحدوث خروقات في هدنات سابقة، تثار تساؤلات عن إمكانية صمود الهدنة الحالية بين الطرفين، خاصة أنهما دائما ما يتبادلان الاتهامات حول الخروقات التي تحدث.
كاميرون هدسون، المدير السابق لمكتب المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان، أكد أن "هناك فرصة ضئيلة لأن تستمر هذه الهدنة لمدة سبعة أيام ما لم يعتقد كل من البرهان وحميدتي أن من مصلحتهما أن تستمر".
وأوضح هدسون خلال حديثه لـ"
عربي21"، أن "توقف القتال في الوقت الحالي يخدم غرضًا وهدفا عمليًا للغاية لكلا الجانبين، فهما كان يتقاتلان بلا توقف لأكثر من شهر، وهما بحاجة إلى وقت للراحة وإعادة التجمع والتزود بالإمدادات، وعندما يتحقق لهما ذلك أتوقع استئناف القتال، لكن يمكن أن يتم تمديد الهدنة، إذا اعتقد أي من الجانبين أنه يمكن أن يحقق ميزة تكتيكية ذات مغزى".
لن تستمر طويلا
بالمقابل جزم المحلل السياسي ومدير المركز السوداني لحقوق الإنسان وحرية الإعلام، أمية يوسف أبو فداية، بأن "الهدنة لن تصمد طويلا، لعدة أسباب، أولا النوايا غير صادقة لدى كثير من قادة الطرفين، وثانيا كلا الطرفين خاصة القادة بثوا بين جنودهم أن هذه المعركة قد اقترب الحسم والنصر فيها".
وتابع أبو فداية خلال حديثه لـ"
عربي21": "قوات الدعم السريع انتهزت هذه الفرصة، وبدأت في الدخول للأحياء السكنية، واحتلت كثيرا من بيوت المواطنين، وسرقت السيارات والعربات الخاصة لاستخدامها، كون العربات العسكرية أصبحت مرصودة من قبل الطيران، وقد اشتكى كثير من المواطنين صباح الثلاثاء من أن قوات الدعم السريع اقتحمت بيوتهم".
ولفت إلى أن "قوات السريع أيضا لم تلتزم بنقطة أساسية في هذا الاتفاق وهي الخروج من بيوت المواطنين والمستشفيات والأماكن المدنية، لأن خروجها منها سيجعلها هدف سهل للطيران ومدفعية القوات المسلحة، وبالتالي الهدنة صعبة عليها، ولهذا لا أتوقع أن تصمد الهدنة أكثر من 24 ساعة، مع العلم أنه تم خرقها منذ اليوم الأول".
صمود مع خروقات
بدوره، يعتقد اللواء المتقاعد محمد الحمري، أن "الهدنة ستصمد مع بعض الخروقات من جانب الجيوب المتبقية من قوات الدعم السريع".
ووفقا للحمري، فإن "الهدنة ستصمد لعدة أسباب، أولا الجيش جاد في الالتزام بما وقع عليه، فهو ظل يطلب من الدعم السريع الخروج من الأحياء السكنية والأماكن المدنية، كما أن طائرات الاستطلاع والمراقبة لم تحلق اليوم، ولم نر أو نسمع عن قصف من الطيران أو المدرعات برغم حدوث خروقات محدودة من جانب قوات الدعم السريع".
وأوضح الحمري خلال حديثه لـ"
عربي21"، أن "السبب الثاني لاحتمالية صمود الهدنة، هو أن قوات الدعم السريع في حالة من الانهيار والتشتت بعد الضربات التي تلقتها وراح ضحيتها عدد كبير جدا من قادتها وقواتها وسياراتها وأسلحتها ومعداتها، وفقدت معظم معسكراتها الحصينة".
وأضاف: "كذلك تحول عدد كبير من أفرادها إلى ممارسة النهب والتدمير والتخريب وغيرها من الانتهاكات، وهرب المئات منهم لعدة مناطق شتى، منها دارفور والتشاد والنيجر، وبالتالي قوات الدعم السريع تحتاج للهدنة لتجميع وترتيب قواتها ومعالجة جرحاها، وحسب علمي فقد تحركوا بأمان بالتنسيق مع الجيش، وأبلغوا جيوبهم الرئيسية بالهدنة ومتطلباتها".
وتوقع الحمري أن "تستمر الهدنة وتصمد مع تعدد الخروقات، لكن بنسبة قد يُصبر عليها، خاصة مع توقع أن تشهد الـ٤٨ ساعة القادمة بداية إخلاء الدعم السريع للمستشفيات ومحطات الكهرباء والمياه وغيرها من المرافق المدنية، ويغادرون إلى مواقع (معسكرات - نقاط) متفق عليها بين الطرفين".
وأوضح أنه "يمكن قياس مدى التزام الطرفين بالهدنة بالنقاط التالية، أولا، التزام الجيش بعدم استخدام الطيران في ضرب متمردي الدعم السريع، والالتزام بعدم التعرض لقوات الدعم السريع المنسحبة من المساكن والمرافق إلى نقاط التجميع".
وأضاف: "ثانيا، مبادرة قوات الدعم السريع بإخلاء الأحياء المدنية ومساكن المدنيين والمرافق الخدمية، وذلك بما يشعر المدنيين بالطمأنينة، وهذه النقطة بالذات صعب تنفيذها على قوات الدعم السريع؛ لأنها تعتبر أن التخفي وسط المدنيين وأخذهم كدروع بشرية يوفر لها الأمن والحماية والراحة والغذاء".
وأكد الحمري أن "من أهم الأمور التي يُقاس عليها مدى الالتزام بالهدنة، أيضا مبادرة الدعم السريع بالتوقف عن استخدام مئات السيارات المدنية الخاصة المنهوبة في حركتهم ونشاطهم العسكري، وكذلك وقف استخدامها في النهب الليلي، وإعادتها إلى أصحابها أو أقرب مركز شرطة، وقد رُصد اليوم ظهور بعض السيارات والدراجات المنهوبة مهملة في الطرقات".
وأكمل الحمري: "بالتأكيد أيضا التزام الدعم السريع بعدم تحريك أي قوات أو عربات مسلحة أو آليات وأدوات عسكرية، لأن هذه النقطة بالذات يمكن أن تنسف الهدنة، ولا أتوقع أن يتسامح الجيش فيها، علما أن طائرات الرقابة والاستطلاع ترصد ذلك".
تهديد أمريكي
وكانت
الولايات المتحدة قد هددت بمعاقبة من يخرق الهدنة من كلا الطرفين، حيث حذر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الطرفين من انتهاك وخرق الهدنة الموقع عليها في جدة.
وأكد بلينكن أن "واشنطن وبقية الوسطاء سيحاسبون من يخرق الهدنة ويخالفها، عبر فرض عقوبات وغيرها من الوسائل المتاحة"، مضيفا: "لقد ذللنا العقبات من أجل التوصل إلى اتفاق إطلاق النار هذا، والآن تقع مسؤولية تنفيذه على الجيش السوداني وقوات الدعم السريع".
ومع التهديد الأمريكي، والذي فُهم من خلال تصريحات بلينكن أنه تهديد أمريكي سعودي مشترك، هل سيدفع ذلك طرفي الصراع للالتزام بالهدنة؟ وما هي العقوبات التي يمكن أن تفرضها واشنطن؟
اللواء المتقاعد محمد الحمري، أكد أن "تهديد أمريكا ومصر والسعودية لن يكون كافيا لمنع الخروقات، ولكن بالتأكيد لأمريكا آلياتها المتطورة في الرصد والفصل في ادعاءات الخرق، وسيظهر الدور الأمريكي بصورة أوضح عند انتهاء زمن الهدنة والنقاش حول تجديدها".
بدوره، توقع الدبلوماسي الأمريكي السابق، كاميرون هدسون، أن "تفرض الولايات المتحدة عقوبات في المقام الأول على الشركات المرتبطة بالقوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، وربما بعض الأفراد المحدودين المرتبطين بكليهما".
وأضاف: "لكن واشنطن ستكون قلقة بشأن معاقبة القيادة العليا في الطرفين، بسبب الإحساس بأنها بحاجة إليها لأغراض المشاركة، وأن العقوبات المفروضة عليها ستجعلها تقاوم الحوار في المستقبل، ولكن هذه هي الطريقة الخاطئة على الإطلاق للنظر إلى العقوبات، يجب أن نشركهم في الشروط التي سيتم رفع العقوبات حولها، وليس متى سيتم فرضها".
وكانت الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع قد انطلقت في منتصف نيسان/ أبريل، عقب فشل محادثات الاتفاق السياسي الشامل، والذي جاء بسبب الخلاف حول توقيت وآلية دمج قوات الدعم السريع بالجيش السوداني.
وبدأت المعركة بتحريك قوات الدعم السريع لجنودها في منطقة مروي، ومحاصرة مطارها والقاعدة العسكرية الموجودة فيها، و بعدها تصاعدت الاشتباكات وتوسعت لتصل جميع المدن السودانية وخاصة الخرطوم.
واستخدم الجيش في هذه المعركة الطيران والمدفعية، كذلك استخدمت قوات الدعم السريع الدبابات والعربات العسكرية وبعض الأسلحة المتوسطة والخفيفة، وتبادل الطرفان الاتهامات حول من هو المسؤول عن تصعيد التوتر بينهما ليتحول لحرب شاملة.