يعكس قرار مجلس النواب إيقاف رئيس
الحكومة اللليبية (حكومة فتحي
باشاغا) مدى الفوضى السياسية والإدارية التي تعيشها البلاد، فهذه الحكومة جاءت
بديلا لحكومة الوحدة الوطنية وترتب على تعيينها نزاع كبير عاد بالبلاد إلى
الانقسام الحكومي من جديد. كما أن القرار يضع مجلس النواب في حرج في مرحلة حساسة
يراد لها أن تكون الممر إلى التوافق والاستقرار وليس خلط الأوراق وتوسيع رقعة
النزاع.
بالعودة إلى تصريحات عدد من أعضاء مجلس النواب بخصوص إيقاف باشاغا،
هناك فجوة وتباين كبير حول دواعي إيقافه وإحالته للتحقيق. فمن الأسباب الإدارية
التي تتعلق بالدور الرقابي للمجلس ومحاسبة الحكومة التي اختارها وما قيل إنها
تجاوزت تقصيرا وقعت فيه الحكومة منها الفشل في الدخول للعاصمة طرابلس وتأكيد
سلطتها على المنطقة الغربية وليس فقط وسط وشرق البلاد كما هو الحال اليوم، إلى
التجاوزت التي ربما تصل إلى فساد بحسب لجنة الرقابة التي أعدت تقريرا بخصوص أداء
الحكومة وأوجه صرف الأموال التي تحصلت عليها.
من النواب من أرجع أسباب الإقالة إلى تضارب المصالح وخلاف بين عدد من
أعضاء مجلس النواب ورئيس الحكومة المكلفة من قبله حول مخصصات مشروعات وما في حكمها
تصل إلى ثلاثة مليارات دينار رفض باشاغا متابعتهم فيها فحركوا المجلس، أو الأعضاء
الذين صوتوا لصالح إيقافه والتحقيق معه، في هذا الاتجاه.
المجموعة التي يرتفع لديها النفس الجهوي في مجلس النواب ساندت قرار
الإيقاف من منطلق أن باشاغا وحكومته لم يقدموا للمناطق التي تخضع له في الشرق شيئا
يذكر بينما ادبيبة وحكومته يطلق المشروعات التنموية في الغرب، وهم يطالبون بأن
يكون على رأس الحكومة من يسعى في مصالح تلك المناطق.
مصادر إخبارية نقلت معلومات عن اجتماعات بين قادة عسكريين وأمنيين فاعلين في الغرب والشرق الليبيين في القاهرة، وحل وفد من المخابرات المصرية ضيفا على طرابلس والتقى بادبيبة، ورأى أصحاب مقاربة التدافع خارج مجلس النواب حول إيقاف باشاغا هذه اللقاءات داعما لمقاربتهم.
بعض المراقبين اتجهوا إلى محركات تعلو على سلطة المجلس ومواقف أعضائه
وكتله وتُرجع ما وقع إلى تطورات سياسية في اتجاهات مختلفة، منها التقارب بين ادبيبة
وحفتر، وأن إيقاف باشاغا ومن ثم إقالته قد يفسح المجال لتسوية بينهما تنتهي إلى
تعزيز سلطة ونفوذ حكومة الوحدة الوطنية في الشرق والجنوب مقابل تنازلات لصالح حفتر
تتعلق ببعض الصلاحيات في القرار المالي والأمني العسكري.
ويستند هذا التكهن على ما ظهر من تفاهمات بين القوى العسكرية النافذة
في الغرب والشرق والتي جمعتها سلسلة من اللقاءات رأى البعض أنها تخدم مسار التوافق
الحكومي.
البعض اتجه بالتكهن أبعد من الجغرافيا الليبية، وأوعز قرار إيقاف
باشاغا واحتمال إدانته من قبل اللجنة التي كلفت بالتحقيق معه إلى تدافع بين حفتر،
ومن خلفه الإمارات وروسيا، ومصر ومن يدعمها في سياستها تجاه الأزمة السودانية.
ويستند هؤلاء إلى معلومات تؤكد أن الخلاف بين حفتر والنظام المصري لا يزال قائما
ومحوره اليوم السودان، وأن الاتجاه غربا صوب حكومة الوحدة الوطنية التي تحظى
بمباركة إماراتية يتطلب إخراج باشاغا وحكومته من المشهد والترتيب مع حكومة الوحدة
الوطنية، وهو طرح تقبله الأطراف الغربية المعنية بالشأن الليبي، وسيكون في صالح
حفتر خاصة إذا خرج أردوغان فائزا في الجولة الثانية من الانتخابات، ففوزه يقطع
الطريق على أي خطة للسيطرة على العاصمة بالسلاح ويقوي خيار التوافقات والصفقات
السياسية.
رئيس المجلس، عقيلة صالح، تغيب عن الجلسة التي شهدت قرار إيقاف
باشاغا، ولا يغيب عقيلة صالح عن حدث كبير كهذا، وغيابه يعزز فرضية عدم رضاه على
القرار، وأن القرار خلفه حفتر، وليس كتلة محدودة العدد من أعضاء المجلس يمكن
لعقيلة صالح أن يحتوي موقفهم.
مصادر إخبارية نقلت معلومات عن اجتماعات بين قادة عسكريين وأمنيين
فاعلين في الغرب والشرق الليبيين في القاهرة، وحل وفد من المخابرات المصرية ضيفا
على طرابلس والتقى بادبيبة، ورأى أصحاب مقاربة التدافع خارج مجلس النواب حول إيقاف
باشاغا هذه اللقاءات داعما لمقاربتهم.
باشاغا كلف نائبه الأول، علي القطراني، بمهمام رئيس الحكومة، النواب
تجاهلوا قراره، وكلفوا وزير المالية، أسامة حماد، بشؤون الحكومة، ولهذا دلالته
التي تؤيد التوقعات السابقة، إذ ينبغي أن يكون حماد مشمولا بقرار الإيقاف والتحقيق
فيما يتعلق بالتجاوزات المالية التي تحدثت عنها لجنة الرقابة، لكن حماد مقرب جدا
من الرجمة، وربما هو حاضر في توافقات محتملة حول شكل الحكومة، وهذا قد يكون مبررا
لاستثنائه من الإيقاف والتحقيق.