ببلوغرافيا

فهمي هاشم.. الشاعر المخضرم والمعلم المؤسس في الثقافة الوطنية الفلسطينية

الشاعر فهمي هاشم من مؤسسي مدرسة النجاح في نابلس، التي أصبحت جامعة النجاح الوطنية..
ثمة جيلٌ سبق جيل النهضة المعروف، تميّزَ بشِعرِه المُتمكِّن وبكونِهِ محسوباً جيلٍ تعلم في الأزهر الشريف، وبالتالي هو جيل الشعراء المعمّمين الذين قادوا نهضة توازت مع زمن نهضة محمود سامي البارودي وأحمد شوقي التأسيسية في مصر نهاية القرن التاسع عشر.

وثمّة جيلٌ مخضرم، بين هذه النهضة ونهضة جيل شاعر فلسطين إبراهيم طوقان، المكرّسة لدى بعض النقاد بأنها النهضة الأولى.

غير أن النهضة الأولى التي لا يعترف بها بعض النقاد، والتي تمسكت بالإسلام كدين وبالعربية الأصيلة كلغة وبالشعر الكلاسيكي كأسلوب، أنتجت شعراء كبار مهّدوا لجيل إبراهيم طوقان.

شاعرنا اليوم، هو الشيخ فهمي هاشم، خير دليل على النظرية التي ننادي بها، فهو شاعر مخضرم وشيخٌ أزهري، عرف أهمية العلم فكان من مؤسسي مدرسة النجاح في نابلس، التي أصبحت جامعة النجاح الوطنية، ومنها انطلقت النهضة المعروفة من شعراء درسوا فيها ودرّسوا كطوقان وعبد الرحيم محمود.

بل أكثر من ذلك، فإنه كان أحد معلّمَين اثنين أثّرا بحب طوقان وولعه باللغة العربية، فتقرأ في سيرة كاتب نشيد "موطني" التالي:

 وعندما وصل إبراهيم طوقان إلى المرحلة الثانوية لم يجد مدرسة في مدينة نابلس للتعليم الثانوي، لهذا اضطر إلى السفر إلى مدينة القدس لتلقي التعليم الثانوي في مدرسة المطران، وفي هذه الفترة زاد حبه للّغة العربية ولكتابه الشعر خاصة، وأنه كان يتلقى تعليم هذه اللغة تحت إشراف الشيخين فهمي هاشم وإبراهيم الخماش".

فمن هو الشيخ فهمي هاشم؟

هو الشاعر الشيخ المعلم قاضي القضاة الوزير فهمي محمد عبد القادر صالح هاشم الجعفري الهاشمي.

ولد في نابلس عام 1891. أتمّ دراسته الابتدائية والإعدادية في نابلس. وفي عام 1908 انتسب إلى الأزهر الشريف، وأمضى فيه ست سنوات في عهد الشيخ سليم البشري. وهناك بدأ بقرض الشعر الملتزم، فقد كان من أساتذته الشيخ عبد المجيد سليم والأديب زكي مبارك، ومحمود خطاب وتوفيق الصعيد وغيرهم..

حصل الشيخ فهمي من الأزهر على الشهادة العالمية للغرباء في علوم الفقه وأصول الدين عام 1914.

وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى، عاد إلى نابلس واستدعي إلى دمشق للخدمة العسكرية في الجيش العثماني برتبة ملازم في الجيش. لكنّه أعفي من الخدمة الإلزامية بالحرب احتراماً لعلمه ولانتسابه لأشراف بني هاشم (من سلالة جعفر بن أبي طالب الذين قدموا من الحجاز إلى بلاد الشام في القرن الرابع الهجري).



عاد إلى نابلس، ودرّس اللغة العربية وآدابها في إعدادية نابلس، وعمل مع ثلّة من المثقفين في المدينة على تأسيس مدرسة النجاح الوطنية، التي أصبحت لاحقاً كلية النجاح ومن ثم جامعة النجاح الوطنية، التي تألَّف مجلسُها التأسيسي من: داود طوقان وعزّة دروزة وجميل كمال وأديب مهيار وإبراهيم عبد الهادي وغيرهم..

عمل مدرّساً للغة العربية في المرحلة الإعدادية في مدرسة النجاح. وسعى لتطوير مناهج اللغة العربية، وإدخال طرائق التدريس الحديثة فيها، ونجح في تحبيب دراستها لعدد من الطلاب الذين صار بعضهم شعراء معروفين لاحقاً. وقضى في "النجاح" مدة عشر سنوات حتى عام 1928.

في ذلك العام، غادر فلسطين وانتقل إلى إمارة شرقي الأردن، حيث عُيّن أستاذاً للغة العربية وآدابها في ثانوية عمان لمدة سنتين. وفي عام 1931، انتقل إلى سلك القضاء الشرعي حيث عُيّن قاضياً شرعياً في مدينة الكرك، وفي عدة مدن أردنية أخرى، إلى أن صبح مديراً للمحاكم الشرعية في إمارة شرقي الأردن.

عُيّن وزيراً للمعارف وقاضي القضاة في حكومة الرئيس سمير الرفاعي المشكـلة في 15/10/1944. ثم شغل المنصبين معاً مجدداً في حكومة ابن شقيقته الرئيس إبراهيم هاشم المشكّـلة في 19/5/1945، وأصبح وزيراً للعدلية وقاضياً للقضاة في تعديل جرى على الحكومة في 8/9/1946.

وفي عام 1947 شغل منصب وزير مفوض فوق العادة للأردن في المملكة العربية السعودية، لمدّة سنتين. حيث وقعت النكبة الفلسطينية 1948 وهو في الرياض. ووقع خلاف حاد بينه وبين بعض المسؤولين الأردنيين، تسبب في تَنحِّيه عن العمل السياسي، فترك منصبه ولجأ إلى مصر، فأمضى فيها قرابة خمسة عشر سنة. وهناك شغل الشيخ فهمي هاشم عضوية مجمع اللغة العربية ومجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة في الخمسينيات وحتى عام 1972.

في عام 1965 صدر قرار عفوٍ ملكي عنه وعاد إلى عمان.

توفي شاعرنا في عمان في 8 آب (أغسطس) عام 1973 عن عمر 82 عاماً..

له شعر كثير لم يطبع بعد..

شعره

هو شاعر مقلّ، نظم في أغراض الشعر بلغة بسيطة بعيدة عن التقعّر والتكلّف، فتنوعت قصائده بين الغزل والمناسبات الاجتماعية والوصف، تميز بروح الدعابة والسخرية، وبرزت في شعره نزعة الإصلاح والثورة على الظلم والتعسّف.

من شعره، قصيدة ألقاها في تشكيل لجنة لمساعدة الفقراء والمحتاجين، يوم دعا متصرف المدينة يوسف ضياء إليها إبان الحرب العالمية الأولى:

هوَ الفقرُ إن أنحى على مَن يحاربه            ..          فقد علِقَت فيه سريعاً مخالبُه
فويلٌ لمن أضحى فريسةَ فقرِهِ                ..         مسالكُهُ مسدودةٌ ومساربُه
إذا رامَ كَسْباً فيهِ بعضُ رجائِه                    ..         فهيهاتَ شغلٌ فيه تنمو مكاسبُه
وإن لزمَ البيتَ استغاثَ صغارُه                  ..         وقامَ إليهِ كلُّ طفلٍ يُجاذبُه
وألّفَ جَمعاً باتَ طوعَ بنانِه                      ..          ليدفعَ فقراً ليسَ تُحصى كتائبُه
فذاكَ أبِيٌّ فيه نفسٌ رحيمةٌ                    ..          وشهمٌ كريمٌ زيّنتهُ مناقبُه
لِتَهْنَا جموعُ البائسين ب"يوسف             ..           ضياء" المعالي فائضات مواهبُه

وله أيضاً:

أقسم الشرق لن يعيشَ مُضاما              ..             وأبى إلا الحياة مَراما
زعمَ الغربُ أننا قد ضعفنا                        ..             ووَنَينا تفرّقاً وانقساما
كذبَ الغربُ، إننا قد نهضنا                      ..             وجعلنا شعارَنا الاعتزاما
أيها الشرقُ لا تُرَعْ لعدوٍّ                           ..             وتجلّد، ولا تكُن نوّاما
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع