كشفت الشهادات التاريخية أن "
العصابات الصهيونية" مارست أساليب الحرب النفسية بنشر الرعب بين
الفلسطينيين خلال النكبة، بالقصف البري والجوي لحملهم على الرحيل من ديارهم، وترويع السكان الآمنين، وإقدامها على ذبح عشرات الآلاف، وإرغام مئات الآلاف على الرحيل خارج بلادهم، تنفيذاً صريحاً ومباشراً لأوامر "بن غوريون"، رئيس الوزراء ووزير الحرب آنذاك، وهو ما أكده نورمان فنلكشتاين في كتابه "صعود وأفول فلسطين".
ضمن هذا الإطار، بدأت العصابات الصهيونية تنفيذ عملياتها لإجبار الفلسطينيين على ترك ديارهم، وتفريغ
القرى والمدن من أهاليها، متذرّعة بالهجمات الفلسطينية لشن عملياتها الإرهابية التي تسببت بمقتل الكثير من الفلسطينيين، في قرى ومدن عدة، وقد تعددت عناوين وأسماء هذه العصابات، وأهمها: "الهاغاناه" بقيادة يسرائيل غاليلي، و"الأرغون" بقيادة مناحيم بيغن، و"شتيرن" بقيادة فريدمان يللين.
استمرت المجازر الإرهابية الصهيونية من مطلع نيسان/ أبريل إلى 14 أيار/ مايو 1948، واستهدفت تحقيق جملة أهداف من أهمها: سرعة السيطرة على مساحة الدولة اليهودية المنصوص عليها في قرار التقسيم، وتفريغ فلسطين من أكبر عدد ممكن من مواطنيها، وتأمين شبكة المواصلات البرية والبحرية التي تخدم أهدافها، والاحتفاظ بالمستوطنات داخل وخارج القسم اليهودي من قرار التقسيم، واستيلاء اليهود على قرى ومدن تقع ضمن حدود دولتهم، والمساهمة في توطين عدد كبير من اليهود في القرى والمدن المفرغة، وتعزيز الوضع العسكري للمنظمات الصهيونية، ثم جيش الدفاع عقب الدولة.
وتكشف هذه المجازر أن الاستراتيجية العسكرية الصهيونية اتبعت سياسة الهجوم، وتفريغ فلسطين من مواطنيها منذ مطلع نيسان/ أبريل 1948، وشرعت بتنفيذ الخطة "دالت" التي وضعت تفاصيلها قيادة "الهاغاناه"، وأقرت من قيادة الأركان العليا، ومن العمليات التي أوكلت لها تدمير القرى، والقيام بعمليات تفتيش، وفي حالة المقاومة إبادة القوة المسلحة، وطرد السكان خارج حدود الدولة، واحتلال الأحياء الفلسطينية المنعزلة في المدن، والسيطرة على طرق الخروج من المدن، والدخول إليها، وفي حال المقاومة يطرد السكان للمناطق البلدية المركزية للعرب.
ومنذ صدور قرار التقسيم وحتى انتهاء حرب 1984، ارتكب الصهاينة الكثير من الجرائم والمذابح، ونظمت عشرات العمليات العسكرية ضد المدنيين العزل، بهدف بثّ الرعب بين أهلها، وترحيلهم عن أراضيهم، وتدمير حياتهم وقراهم، ومارست الحرب النفسية الانتقامية، ما كان له أثر كبير بنزوح مئات آلاف الفلسطينيين.
وضمن الخطط العسكرية تجلت إحدى صور الإرهاب الصهيوني بتدمير 420 قرية أجلي أهلها بالقوة، أو فروا نتيجة المذابح، أو القصف المدفعي أو الجوي، وشكلت في حينه 85 بالمئة من مجموع القرى الفلسطينية في المناطق التي وقعت في نهاية الحرب ضمن حدود دولة الاحتلال، و50 بالمئة من إجمالي قرى فلسطين.
وتصاعدت الأحداث الدموية بين تشرين الثاني/ نوفمبر 1947 وأيار/ مايو 1948، وشهدت عمليات عسكرية وانفجارات القنابل وهجمات مدبرة، ومجازر اقترفت زرعت الذعر لدى الفلسطينيين، ونجحت بإخلاء القرى والمدن، وتمثل العنصر الأهم في هذه الجريمة في كونها مبيتة ومخططة سلفاً، ونفذتها مع سبق الإصرار وحدات عسكرية إسرائيلية منظمة، إذ جرى حرق وتدمير قرى لم تبد أي مقاومة، ولم تؤوِ أي قوات نظامية وغير نظامية، واستخدمت فيها سياسة الأرض المحروقة والطرد.
وقد جرى حينها ارتكاب 25 مجزرة بحق الفلسطينيين، وما يزيد على 532 محلّة سكنية طرد الفلسطينيون منها، بينها 420 قرية دمرت بالكامل، ومسحها عن الوجود، وبحلول 1950 اقتلع 960 ألف لاجئ من وطنه، وفقاً لتقرير المفوض العام للأمم المتحدة آنذاك.
وبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين تركوا أراضيهم قبل وأثناء وبعد الحرب العربية الإسرائيلية 1948، 800 ألف، غادر أكثر من نصفهم قبل نهاية الانتداب البريطاني في شهر أيار/ مايو، وأجبروا على ترك قراهم ومدنهم بعد ارتكاب العصابات اليهودية لمذابح قدرتها بعض المصادر بـ33 مذبحة خلال 1948 وحده.
ونقل دومينيك فيدال في كتابه "خطيئة إسرائيل الأصلية" شهادة يهودية بأن العصابات ارتكبت أكثر من 90 مذبحة على غرار مذبحة دير ياسين، تحقيقا لنهج دموي قام على سرديّة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".
فيما صرّح "ناثان تشوفشي" وهو كاتب يهودي هاجر من روسيا، بأنه "إذا أراد أحد معرفة حقيقة ما حدث، وأنا أحد المستوطنين كبار السن في فلسطين من الذين شهدوا الحرب، يمكن أن أخبركم أنه بأسلوبنا نحن اليهود، حيث أجبرنا العرب على ترك مدنهم وقراهم، لقد كان هنا شعب عاش في بيوتهم وعلى أرضهم لأكثر من 1300 سنة، جئنا وحوّلناهم إلى لاجئين، ونحن ما زلنا نتجاسر للافتراء عليهم، والطعن بهم لتلويث سمعتهم، بدلا من أن نخجل مما عملنا، ونحاول تصحيح بعض الشرّ الذي قمنا به عن طريق مساعدتهم على حلّ قضيتهم، ونبرّر أفعالنا الفظيعة ونمجّدها".
ولعل مراجعة تاريخية للتفسيرات الإسرائيلية لما حدث، تشير إلى أن الفلسطينيين هربوا من ديارهم، وبدت فلسطين فارغة من السكان، وعلى هوامش هذا المفهوم، أخذت الدراسات والأبحاث تضخم من الدور العربي في مناشدة الفلسطينيين ترك أراضيهم، ودور الجيوش العربية بترحيلهم عن ديارهم إبان الحرب العربية الإسرائيلية الأولى.
ولقد اتبعت الحركة الصهيونية قبيل قيام الدولة وسائل غير إنسانية البتة، للتخلص من الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين، ما نجم عنه خلق قضية اللاجئين، ومنها ترويع وقتل الآمنين منهم، لضرورة إفراغ الأرض من أصحابها، وهو ما كشفه ديفيد بن غوريون في كتابه "إعادة مولد ومصير إسرائيل".