وافق
المجلس الأعلى للجامعات في
مصر في 30 نيسان/ أبريل الماضي على اعتماد مشروع قرار
رئيس مجلس الوزراء بتعديل المادة (154) من قانون تنظيم الجامعات، واستبدالها بالنص
التالي: "مدة الدراسة لنيل درجة بكالوريوس في
الطب والجراحة خمس سنوات دراسية
بنظام الساعات أو النقاط المُعتمدة يعقبها سنتان للتدريب الإجباري (الامتياز) في
مواقع العمل التي يحددها المجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية ويعتمدها المجلس
الأعلى للجامعات". وجاء في الديباجة أن
هذا يتم حتى تتواكب الدراسة مع متطلبات الاتحاد العالمي للتعليم الطبي، إضافة لضرورة
أن يجتاز الخريج في نهاية هذه المدة الامتحان القومي للتأهيل الذي تجريه الهيئة
المصرية للتدريب الإلزامي للأطباء والمنشأة بقرار من رئيس مجلس الوزراء رقم 210
لسنة 2019، كشرط لمزاولة مهنة الطب وقيده في سجلات وزارة
الصحة. ووردت تصريحات
حكومية توضح أن هذا الإجراء يساهم في مواجهة مشكلة العجز في أعداد
الأطباء.
العجز في أعداد الأطباء مشكلة
تتزايد في مصر:
وكانت مشكلة العجز في أعداد
الأطباء قد أعلنتها
وزيرة الصحة السابقة د. هالة زايد للمرة الأولى في شهر أيلول/ سبتمبر
2018 في مؤتمر حضره السيسي؛ وبلغت النسبة وقتها 60 في المئة من الأطباء هاجروا
خارج مصر، في حين كشفت دراسة لاحقة قام
بها المكتب الفني لوزارة الصحة بالتعاون مع المجلس الأعلى للجامعات، والمجلس
الأعلى للمستشفيات الحكومية عام 2019، أن عدد الأطباء البشريين المسجلين والحاصلين
على ترخيص مزاولة المهنة من نقابة الأطباء، باستثناء من بلغوا سن المعاش، يبلغ
حوالي 212 ألفا و835 طبيباً، يعمل منهم حالياً في جميع قطاعات الصحة، سواء
بالمستشفيات التابعة للوزارة أو المستشفيات الجامعية الحكومية أو القطاع الخاص، حوالي
82 ألف طبيب فقط، أي بنسبة 38 في المئة من عدد الأطباء المسجلين والحاصلين على
ترخيص مزاولة المهنة؛ بالمقارنة بين الرقمين، يتضح أن 62 في المئة منهم متسربون من
المنظومة الطبية، إما بسبب السفر للخارج للعمل أو لاستكمال الدراسات العليا، أو
بسبب الحصول على إجازات بدون راتب،
والاستقالة نهائيا من العمل الحكومي.
وتخلص
الدراسة إلى أن مصر لديها طبيب لكل 1162 مواطناً، بينما المعدل العالمي -طبقاً
لمنظمة الصحة العالمية- هو طبيب لكل 434 مواطناً.
مصر لديها طبيب لكل 1162 مواطناً، بينما المعدل العالمي -طبقاً لمنظمة الصحة العالمية- هو طبيب لكل 434 مواطناً
التوجيهات الرئاسية لمواجهة
العجز في أعداد الأطباء:
وقد شملت التوجيهات
الرئاسية ثلاثة محاور رئيسية وهي: أولا: تحويل الصيادلة إلى أطباء، ثانيا: التوسع في
افتتاح كليات جديدة للطب بأنواعها الحكومية والخاصة والأهلية وزيادة أعداد الخريجين، ثالثا: تخريج دفعات استثنائية من كليات الطب لسد العجز في أعداد الأطباء.
وبالنسبة للتوجيه الرئاسي الأول بتحويل الصيادلة
إلى أطباء، والذي وردت الإشارة إليه في دعوة من رئيس الأكاديمية الطبية
العسكرية لنقيب الأطباء لحضور اجتماع لمناقشة الأمر؛ بناء على تكليف من رئيس
الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية، فقد أصدرت نقابة الأطباء بيانا في
بداية أيار/ مايو 2020، جاء فيه أن "النقابة العامة للأطباء ترفض هذا المقترح
تماما، حيث إنه يضر بصحة المواطن المصري، ومن المعلوم بالضرورة أن كل فئة من فئات
الفريق الطبي لها دور هام جدا تقوم به فعلا، وتمارسه طبقاً للأصول العلمية
والمهنية وطبقا لنوعية الدراسة النظرية والعملية التي درستها لسنوات طويلة".
وتابع البيان: "لا تستطيع أي فئة أن تحل محل
الفئة الأخرى، ولا يجوز القول بأن أي دراسة مكملة يمكنها معادلة شهادة علمية
وعملية مختلفة". واستطرد: "هذا الأمر سيضر بسمعة مصر الطبية العالمية،
حيث إنه لا توجد أي سابقة لذلك في تاريخ مهنة الطب الحديث". وأردف البيان: "بالتالي
فعلى من يرغب في امتهان مهنة الطب ويكون مسؤولا عن أرواح المصريين، أن يلتحق
بالسنة الأولى من كلية الطب البشري، وبعد تخرجه وتدريبه يتم منحه ترخيص لمزاولة
مهنة الطب". واختتم البيان بالقول: "لذلك نحيطكم علما بان نقابة الأطباء
ترفض هذا المقترح جملة وتفصيلاً".
بدأ التوسع في افتتاح كليات جديدة للطب مع منحها تسهيلات لمدة ثلاث سنوات بداية من عام 2019، لاستكمال إنشاء مستشفى جامعي تابع لكل كلية طب لتدريب الطلبة حسب القانون، وكانت الزيادة سريعة جدا؛ حيث بلغ عدد كليات الطب في مصر 47 كلية معتمدة من قبل المجلس الأعلى للجامعات ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي
وقد
بدأ تنفيذ التوجيه الرئاسي الثاني فورا؛ حيث بدأ التوسع في افتتاح كليات جديدة
للطب مع منحها تسهيلات لمدة ثلاث
سنوات بداية من عام 2019، لاستكمال إنشاء مستشفى جامعي تابع لكل كلية طب لتدريب
الطلبة حسب القانون، وكانت الزيادة سريعة جدا؛ حيث بلغ عدد كليات الطب في مصر 47 كلية
معتمدة من قبل المجلس الأعلى للجامعات ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي، منها
24 كلية في الجامعات الحكومية، و15 في الجامعات الأهلية، و8 كليات في الجامعات
الخاصة حتى الآن، وإن كان شرط وجود مستشفى جامعي بسعة سريرية تتناسب مع عدد الطلبة
بكل كلية طب لم يتم تنفيذه بصورة كاملة.
تخفيض عدد سنوات دراسة الطب جاء تنفيذا للتوجيهات
الرئاسية بتخريج دفعات استثنائية:
في اجتماع موسع لرئيس
الوزراء في حزيران/ يونيو 2019، مع عدد من مسؤولي الجهات المعنية، وبناء على
تكليفات رئاسية تم الإعلان عنها وقتها، فقد صدر قرار بتخريج
دفعات استثنائية من خريجي كليات الطب، والتوسع في إنشاء كليات طب جديدة، مما أثار
استياء الأطباء وأعضاء لجنة الصحة بمجلس النواب، وعدد من أعضاء مجلس نقابة
الأطباء، خشية من أن ذلك سوف يؤثر سلبياً على صحة المواطن المصري، حيث إن الطب له
نظام دراسي دقيق على مستوى العالم وبالتالي لا يوجد ما يسمى بالدفعة الاستثنائية.
كانت التوجيهات الرئاسية
بخصوص تخريج دفعات استثنائية تحمل مفهوما غامضا وغير متعارف عليه بالنسبة للعاملين
في مجال الصحة والطب بصورة عامة، وكان لا بد من إيجاد صيغة يمكن قبولها عمليا
وواقعيا لتخريج دفعات عاجلة أو استثنائية. ومن هنا جاءت فكرة تعديل عدد سنوات
دراسة الطب لتصبح خمس سنوات فقط بدلا من نظام السنوات الدراسية الست الموجود في
مصر منذ أكثر من قرن، وهذا يعنى تسريع تخريج الأطباء، وضمان تواجد عدد كاف منهم في
المستشفيات على مدى عامين كاملين بدلا من عام واحد هو فترة التدريب الإجباري أو
الامتياز، بحيث يحصل الطبيب على شهادة التخرج بعد قضاء فترة سبع سنوات تشمل
الدراسة والتدريب الإكلينيكي في المستشفيات.
الإشكالية الرئيسية في هذا النظام هو شموله على جانب التدريب الميداني أو التواصل بين طالب الطب وبين المرضى منذ اللحظة الأولى، مما يستدعى ضرورة وجود مستشفى جامعي تابع لكل كلية طب، وفيه عدد من الأسرّة يتناسب مع عدد الطلبة في تلك الكلية سواء كانت حكومية أو خاصة أو أهلية، مع تواجد عدد كاف من المدربين على درجة عالية من الكفاءة والمهارات التدريبية. وهذا الشرط من الصعب توفيره في الواقع المصري
ونظام دراسة الطب خلال خمس
سنوات مطبق بالفعل في عدد كبير من دول العالم، وموجود في مصر في نموذج كلية الطب بجامعة
قناة السويس، ويختلف عن نظام السنوات الست في كونه يعتمد في المقام الأول على عدد
من الأساليب الحديثة في التعليم مثل "نظام النموذج"؛ ويعني دراسة رأسية
للموضوعات مع التطبيق العملي عليها، ونظام التعليم المقلوب أو المعكوس بمعنى
التواصل بين المعلم والطالب عبر وسائل الميديا قبل وقت الدرس بحيث يكون الوقت فيه
متسع للمناقشة، أيضا نظام التعلم الذاتي بمعنى طرح مشكلة أو موضوع معين وترك
المجال واسعا أمام الطالب للبحث عن المصادر والمراجع وتجميع المواد المطلوبة ذاتيا،
وهذا أمر أصبح متاحا حاليا.
ولكن الإشكالية الرئيسية في
هذا النظام هو شموله على جانب التدريب الميداني أو التواصل بين طالب الطب وبين
المرضى منذ اللحظة الأولى، مما يستدعى ضرورة وجود مستشفى جامعي تابع لكل كلية طب،
وفيه عدد من الأسرّة يتناسب مع عدد الطلبة في تلك الكلية سواء كانت حكومية أو خاصة
أو أهلية، مع تواجد عدد كاف من المدربين على درجة عالية من الكفاءة والمهارات التدريبية.
وهذا الشرط من الصعب توفيره في الواقع المصري.
الدفعات الاستثنائية وزيادة أعداد
الخريجين لن يحل مشكلة نقص الأطباء بدون مواجهة أسباب المشكلة الحقيقية:
تنفيذ التوجيهات الرئاسية بتخريج دفعات
استثنائية بتقليص عدد سنوات دراسة الطب سوف يعطي صورة زيادة ظاهرية في عدد حاملي
شارة الطبيب من أصحاب الزي الأبيض في المستشفيات، والمتواجدين تحت التدريب بصورة إجبارية،
ولكنه لن يمثل زيادة حقيقية في عدد الأطباء المهرة والأكْفَاء، لأن مشكلة تزايد
هجرة الأطباء لها أسباب كثيرة يتمحور أغلبها حول ضعف الإنفاق الحكومي على الصحة؛ حيث تتراجع موازنة الصحة المصرية
عن المعدلات العالمية بشكل كبير حتى النسبة التي ينص عليها دستور2014 ضئيلة.
عدد آخر من العوامل الطاردة للأطباء، مثل التعسف الإداري، وحملات التشهير، والاعتداءات اليومية على الأطباء، وإجراءات الحبس في الأمور الفنية والمهنية، وبالتالي فإن باب الهجرة ما زال مفتوحا على مصراعيه، ولا بد من مواجهة فعلية وحقيقية دون التركيز على الشكليات
وتستهدف الموازنة العامة للدولة 23/2024
زيادة المخصصات الموجهة للقطاعات الصحية بنسبة 92,5 مليار جنيه عن العام الماضي
لتصل إلى 397 مليارا، بمعدل نمو 30 في المئة. وتعتبر هذه الزيادة ضئيلة بالنسبة
إلى معدل التضخم الرسمي البالغ 37 في المئة، ما يعني أن الإنفاق الصحي انخفضت
قيمته واقعيا بنسبة 7 في المئة.
ولا يمثل الرقم المعلن على لسان
وزير المالية (397 مليار جنيه) رقما حقيقيا للإنفاق الصحي، حيث يتم ضم خدمات
ومرافق أخرى للقطاع، رغم الأثر البالغ لهذه العوامل على الصحة، إلا أنه لا يوجد أحد
في العالم يضمها إلى الإنفاق الصحي، فالمعدلات العالمية لا تقل عن 10 في المئة، بينما
في مصر لا تزيد عن 1.4 في المئة من الناتج المحلي موجهة لخدمات الرعاية الصحية
الحكومية، وبالتالي يتم التأثير سلبيا على أجور الأطباء وعلى تحسين البنية التحتية
وتوفير بيئة صالحة للعمل. ويضاف إلى ذلك عدد آخر من العوامل الطاردة للأطباء، مثل
التعسف الإداري، وحملات التشهير،
والاعتداءات اليومية على الأطباء، وإجراءات الحبس
في الأمور الفنية والمهنية، وبالتالي فإن
باب الهجرة ما زال مفتوحا على مصراعيه،
ولا بد من مواجهة فعلية وحقيقية دون التركيز على الشكليات.