اقترح عضو البرلمان
المصري عن حزب التجمع اليساري، أن يتم تطبيق شروط استقالة ضباط الشرطة الجديدة على
الأطباء، والخاصة بعدم ترك الخدمة بعد التخرج إلا بمرور عشر سنوات، وإلا قام بدفع ثلاثة
أضعاف تكاليف ما تم صرفه على تعليمه من جانب الدولة على مدار وجوده في الكلية، مشيرا
إلى أن هذه الخطوة تحفظ المال العام، ويجب تطبيقها على خريجي كليات الطب الذين
يستقيلون بمجرد التخرج، ويتسببون في عجز كبير في المنظومة الطبية، حيث مساواة على
واقع قانون الشرطة، ويتم حظر استقالة الأطباء إلا بعد مرور عشر سنوات على تخرجهم، وإلا دفع التكاليف التي صرفت عليه.
ظاهرة
تزايد هجرة الأطباء خارج مصر ومقترحات عشوائية لمواجهتها:
وخلال العام الماضي
استقال أكثر من 4300 طبيب مصري يعملون بالمنشآت الصحية الحكومية، وهو العدد الأكبر
خلال السنوات السبع الماضية، بمعدل يصل إلى 13.5 طبيبا كل يوم، بحسب أرقام نقابة
الأطباء، التي أكدت أن العدد يزيد سنويا، إذ تضاعف 4 مرات من 1044 استقالة عام
2016 إلى 4127 استقالة عام 2021.
واحتلت مصر المرتبة
الثالثة بين أكثر الدول التي يهاجر منها الأطباء إلى بريطانيا، بحسب تقرير أصدرته
سلطات القوى العاملة البريطانية العام الماضي (2022)، التي أشارت إلى أن "أعداد
الأطباء المصريين المهاجرين إلى بريطانيا ارتفعت بنسبة 202 في المائة منذ عام 2017".
اتضح أن تلك الحلول لا تعدو كونها مجرد إجراءات عشوائية، بعيدا عن وضع الحلول الصحيحة والمناسبة لمواجهة المشكلات؛ لأن مشكلة مصر ليست في نقص الأطباء حتى نزيد من أعداد الخريجين، حيث إن عدد الأطباء المسجلين في نقابة الأطباء يبلغ 222 ألف طبيب بخلاف الوفيات والمعاشات، ما يعني وجود نسبة جيدة جدا وأفضل من النسبة العالمية.
وكانت وزيرة
الصحة المصرية
السابقة قد أعلنت في شهر أيلول/ سبتمبر 2018، أن مشكلة وفيات مرضى الغسيل الكلوي في
مستشفى ديرب نجم، بمحافظة الشرقية شمال القاهرة، سببه الرئيس هو أن 60 في المئة من
الأطباء سافروا للعمل خارج مصر.
وفورا صدرت التوجيهات الرئاسية
بسرعة حل المشكلة؛ من خلال عدة إجراءات بدا بعضها غير نمطي، منها: تدريب تحويلي مهني
للصيادلة للعمل كأطباء بشريين، وتخريج دفعات استثنائية من الأطباء، وحظر منح
إجازات الأطباء للعمل في الخارج، إلا بموافقة شخصية من وزيرة الصحة، وتقييد السماح
بتجديد إجازات الأطباء العاملين في الخارج إلا بشروط تعجيزية، وفتح كليات جديدة
للطب لزيادة أعداد الخريجين الجدد.
وكشف الواقع عن عدم إمكانية
تنفيذ تلك القرارات عمليا؛ لأن دراسة الصيدلة تختلف كليا عن دراسات كلية الطب،
ولا بد للصيدلي من بدء الدراسة من السنة الأولى من جديد كما أعلنت نقابة الأطباء،
في حين اعتبر الصيادلة أن هذا القرار يعد تقليلا من أهمية مهنتهم، كما أنه من
المستحيل اختصار سنوات الدراسة النظرية والعملية في كلية الطب، لتخريج دفعات
استثنائية كما في الكليات العسكرية مثلا. وبالنسبة لقرار منع أو تقييد الإجازات، فقد
جاءت النتيجة المباشرة صادمة، وهي أن أكثر من ثلاثة آلاف طبيب قدموا استقالتهم من
الحكومة عام 2019، وارتفع العدد إلى سبعة آلاف طبيب استقالوا وهربوا للخارج عام
2020 رغم انتشار كورونا عالميا!! وارتفعت النسبة إلى 65 في المئة من الأطباء
المصريين هربوا إلى الخارج رسميا حتى الآن بحسب تقرير الجهاز المركزي للإحصاء!!
واتضح أن تلك الحلول، لا تعدو كونها مجرد إجراءات عشوائية، بعيدا عن وضع الحلول الصحيحة والمناسبة لمواجهة المشكلات؛ لأن مشكلة مصر ليست في نقص الأطباء حتى نزيد من أعداد الخريجين، حيث إن عدد الأطباء المسجلين في نقابة الأطباء يبلغ 222 ألف طبيب بخلاف الوفيات والمعاشات، ما يعني وجود نسبة جيدة جدا وأفضل من النسبة العالمية. قياسا إلى عدد السكان.
أهم أسباب
ظاهرة هجرة الأطباء خارج مصر:
المشكلة الحقيقية هي أن الأطباء
هربوا إلى الخارج بسبب:
أولا: فساد بيئة العمل: وتشمل سوء
حالة المباني ونقص التجهيزات والآلات والأدوات والأدوية والمستلزمات وفساد
بروتكولات العمل من طول ساعات العمل ومنع الإجازات.
ثانيا: نقص
التدريب وغياب فرص التأهيل العلمي، خاصة بعد فرض نظام البورد المصري من خلال
قانون تشكيل المجلس الصحي المصري، وما يحيط به من مشاكل في قلة عدد الفرص المتاحة
ونوعيتها وارتفاع تكاليف الدراسة.
ثالثا: الافتقاد إلى الأمن
والأمان الوظيفي في العمل، وتعرض الطبيب للسجن وتطبيق قانون الجنايات في حالة حدوث أي مشكلة طبية أو شكوى لمريض، في غياب قانون المسؤولية الطبية المطبق في أغلب دول العالم، الذي يقدر المشكلة من خلال لجنة طبية مهنية قانونية مختصة قادرة على التفريق بين
المضاعفات الطبية المتوقعة، وبين الخطأ الطبي المحتمل، وحدوث إهمال بقصد أو
بدون قصد، وكل حالة منها لها توصيف مختلف وتبعية قانونية مختلفة.
رابعا: تدني الأجور بصورة عامة لا
تتناسب مع الوقت ولا مع الجهد المبذول، مع وجود نوع من التمييز بين الأطباء
العسكريين والمدنيين، أيضا تمييز وظيفي واضح بين الأطباء المدنيين أنفسهم حسب مكان
العمل من قطاع خاص أو حكومي، وفي الحكومي توجد الجامعات والصحة، وفي وزارة الصحة
يوجد تفاوت كبير بين مسميات مختلفة مثل التأمين الصحي والمؤسسة العلاجية والمراكز التخصصية،
وأمانة
المستشفيات في الوزارة، وبين المستشفيات العامة والمركزية والوحدات الصحية.
خامسا: الاعتداءات
اليومية على المستشفيات من المواطنين ومن بعض أفراد الجهات السيادية، دون حماية
فعلية من وزارة الداخلية بوجود شرطة نوعية متخصصة للصحة، وفي غياب العقوبات
القانونية الرادعة للمعتدين.
سادسا: الطبيب يفتقد حقه
في الرعاية الصحية الحكومية، ويتألم من ضياع حقوق الورثة في التعويضات والمزايا
الاجتماعية المناسبة؛ خاصة ما حدث من ضياع حقوق أعضاء المهن الطبية أو الجيش
الأبيض في مواجهة وباء كورونا، رغم حقهم المشروع في الاستفادة من القانون رقم 16
لسنة 2018 الخاص بشهداء العمليات من الجيش والشرطة.
المقترح
البرلماني بفرض عقوبات على الأطباء معيب شكلا ومضمونا:
فالمقترح من حيث الشكل، يربط حديا
بين الطبيب وضابط الشرطة في عقوبة الاستقالة، وغاب عنه تماما اتساع الهوة الرهيبة
بين أجر الطبيب وأجر ضابط الشرطة، وبين بيئة العمل في وزارة الصحة ووزارة الداخلية،
وبين فرق الأمان الوظيفي هنا وهناك، وبين الفارق الكبير في المزايا القانونية
والمادية والخدمية والصحية التي يحصل عليها ضابط الشرطة ويفتقدها الطبيب، فيسارع
بالاستقالة بحثا عنها في مجال آخر خارج العمل الحكومي المجحف.
ومن حيث المضمون، فإن المقترح غابت عنه أنه توجد قنوات
دستورية وقانونية كثيرة متاحة للطبيب مثل أي مواطن آخر؛ في السفر للخارج للدارسة
أو للعمل أو حتى السياحة وحضور المؤتمرات العلمية دون الحاجة إلى تقديم تلك الاستقالة،
ودون تحمل تبعاتها المشار إليها. وتبقى ملاحظة طريفة حول كيفية معاقبة الطبيب خريج
كليات الطب الخاصة؛ حيث لا توجد أية أعباء على الدولة نحو تعليمه كما يدعي صاحب
المقترح.
الحلول
الواقعية لظاهرة هجرة الأطباء تعني إزالة أسباب المشكلة:
3 محاور، تشمل الوضع المادي، والتدريب والتعليم، والوضع القانوني بهدف "توفير حياة كريمة للأطباء"، خاصة وأن معالجة أزمة هجرة الأطباء تتطلب إصلاحا شاملا لأوضاع الطبيب والمنظومة الصحية، وفي مقدمتها تحسين الأوضاع في المستشفيات، وتوفير الحماية للأطباء من الاعتداءات، وتقديم قانون عادل للمسؤولية الطبية، بما لا يضع الطبيب دائما تحت التهديد.
تأتي مقترحات عضو البرلمان كخطوة
استباقية، قد تعيق أعمال اللجنة التي شكلها وزير الصحة في شهر آذار/ مارس 2023
الماضي لدراسة تحسين أحوال الأطباء، وتضم في
عضويتها وزراء صحة سابقين، ووزير التعليم العالي الأسبق، ونقيب الأطباء، وأحد
أعضاء مجلس النقابة، والمستشار القانوني لوزير الصحة، واثنين من شباب الأطباء
يرشحهم مجلس النقابة، إضافة إلى ممثلين عن وزارتي العدل والمالية.
وتركز لجنة تحسين وضع الأطباء، وفقا لتصريحات
للمتحدث باسم وزارة الصحة، على 3 محاور، تشمل الوضع المادي، والتدريب والتعليم،
والوضع القانوني بهدف "توفير حياة كريمة للأطباء"، خاصة وأن معالجة أزمة
هجرة الأطباء تتطلب إصلاحا شاملا لأوضاع الطبيب والمنظومة الصحية، وفي مقدمتها
تحسين الأوضاع في المستشفيات، وتوفير الحماية للأطباء من الاعتداءات، وتقديم قانون
عادل للمسؤولية الطبية، بما لا يضع الطبيب دائما تحت التهديد، والتشهير بحقه في
الإعلام، إضافة إلى معاملة ضريبية شفافة، وإتاحة فرص استكمال الدراسات العليا،
التي لا تتاح سوى لنسبة محدودة من الأطباء بسبب الأوضاع الوظيفية الضاغطة، إضافة
إلى تحسين فرص التدريب واكتساب الخبرات، وكلها عوامل ينبغي أن تؤخذ في الاعتبار،
قبل الحديث عن فرض غرامات أو تطبيق عقوبات بحق الأطباء.
وسوف تظل أعداد الأطباء تتناقص
في مصر، طالما أنه يتم عرض حلول هزلية، دون مواجهة حقيقة ومرحلية لجذور المشكلة حسب
ترتيب الأولوية.