قالت مساعدة المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، شيرين ياسين، إن "الأمم المتحدة لن تتخلى عن
السودان في محنته القاسية التي يمر بها حاليا"، لافتة إلى أنهم يباشرون عملهم في الوقت الراهن من مدينة بورتسودان شرق البلاد، و"نبذل قصارى جهدنا من هناك، في حين أن إجلاء طواقم الأمم المتحدة لا يزال مستمرا حتى الآن".
وأضافت ياسين، في مقابلة خاصة مع "عربي21": "نأمل أن نصل قريبا لوقف كامل ودائم لإطلاق النار، وإنهاء الأعمال العدائية فورا، خاصة أن الأمم المتحدة وشركاءها يكثفون جهودهم على صعيد تحقيق هذا الهدف المنشود والمأمول، لأن حربا طويلة الأمد وواسعة النطاق أمر لا يمكن حتى التفكير فيه".
ووصفت ما يحدث في السودان منذ 15 نيسان/ أبريل الماضي بأنه "كابوس"، مضيفة أن "التقارير الصادرة من الخرطوم ترسم صورة قاتمة ومُقلقة للوضع، حيث تتضاءل الإمدادات الغذائية والماء والدواء والوقود، وقد وصلت أسعار الغذاء والدواء عنان السماء وبلغت مستويات غير مسبوقة، والخدمات الصحية توشك على الانهيار. هذه المشاهد قاسية ومؤلمة جدا وتفطر القلوب".
ولفتت مساعدة المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، إلى أن "الأمم المتحدة على تواصل مع جميع الأطراف المعنية، وستفعل كل ما أمكن للتوصل إلى نهاية فورية للقتال، وطالبنا الجنرالين
البرهان وحميدتي بضرورة العودة للمفاوضات وإنهاء الاقتتال، وما زال عملنا مستمرا في السودان بكل ما نملك من قدرات وإمكانيات متاحة".
وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
كيف تنظرون إلى ما آلت إليه الأوضاع في السودان اليوم؟
ما يحدث في السودان منذ 15 نيسان/ أبريل هو كابوس بالنسبة للمدنيين العاديين وللعاملين الصحيين على حد سواء. لقد خلق القتال أزمة إنسانية ويعاني المدنيون بشكل كبير؛ فهم محاصرون في منازلهم فيما حركتهم تكاد تكون مستحيلة بسبب إطلاق النار والقصف، وهناك ثمة انعدام للأمن، ويهرب الآلاف من مناطق سكناهم تاركين كل شيء وراءهم؛ فبكل أسف تتسبب الاشتباكات التي يشهدها السودان في زيادة موجات النزوح داخل البلاد وخارجها، وفرقنا على الأرض أصبحت غير قادرة على العمل بكامل طاقتها، وهو ما حال دون تنفيذ جميع أعمال الإغاثة الإنسانية على الأرض، كما أننا لم نتمكن من تقييم الوضع بشكل دقيق بسبب أعمال العنف المستمرة. ونحن ندين بشدة اندلاع القتال ونناشد الطرفين وقف الأعمال العدائية، واستعادة الهدوء، وبدء الحوار لحل الأزمة.
إلى أي مدى تضررت الإمدادات الغذائية في تلك الحرب؟
التقارير الصادرة من الخرطوم ترسم صورة قاتمة ومُقلقة للوضع، حيث تتضاءل الإمدادات الغذائية والماء والدواء والوقود، وقد وصلت أسعار الغذاء والدواء عنان السماء وبلغت مستويات غير مسبوقة، والخدمات الصحية توشك على الانهيار. هذه المشاهد قاسية ومؤلمة جدا وتفطر القلوب.
ولذلك، فمن الضروري وقف الأعمال العدائية فورا، ولا بد من إسكات صوت البنادق والانخراط في حوار. إن حربا طويلة الأمد وواسعة النطاق أمر لا يمكن حتى التفكير فيه.
ما تعليقكم على أعمال نهب الإمدادات الإنسانية والمستودعات في السودان؟
للأسف تم تعطيل العمليات الإنسانية بشكل كبير، وتأثرت مراكز الوصول الإنسانية الحيوية بشدة، بما في ذلك مطار الخرطوم، ما صعّب القيام بالعمليات الإنسانية. كما أن الأصول الإنسانية، مثل المخازن والمركبات، تعرضت للهجمات وللنهب والسلب. وقد ذعرت من جرّاء مقتل ثلاثة من العاملين في برنامج الأغذية العالمي في شمال دارفور مع اندلاع القتال، وأدين بشدة العنف ضد الأمم المتحدة وشركائنا الإنسانيين.
حتى قبل هذا العنف، بلغت الاحتياجات الإنسانية في السودان مستويات قياسية، حيث كان ثلث السكان –15.8 مليون شخص– يحتاجون إلى مساعدات إنسانية.
إن الأمم المتحدة ملتزمة ومتمسكة بمساعدة السكان في السكان الذين يواجهون سوء تغذية، ولكن لا يمكن القيام بالعمليات المنقذة للحياة إذا لم تكن سلامة وأمن طواقمنا وشركائنا مضمونة، في حين أننا لن نتخلى عن السودان في محنته القاسية التي يمر بها حاليا.
طرفا الصراع اخترقا الهدنة الإنسانية أكثر من مرة.. كيف استقبلتم ذلك؟ وما آثار هذا الخرق المتكرر؟
نحث الطرفين على التمسك بالتزاماتهما بموجب القانون الإنساني الدولي وضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية بما يتوافق مع القانون الإنساني الدولي. يجب إعطاء ممرات آمنة للمدنيين في المناطق التي تنشط فيها الأعمال العدائية، ويجب ضمان سلامة طواقم ومقرات وأصول الأمم المتحدة والعاملين في المجال الإنساني والطبي.
هل الأمم المتحدة ما زالت على تواصل مع طرفي الصراع (البرهان وحميدتي)؟
الأمم المتحدة تظل على تواصل مع جميع الأطراف المعنية، وستفعل كل ما أمكن للتوصل إلى نهاية فورية للقتال، وطالبنا الجنرالين البرهان وحميدتي بضرورة العودة للمفاوضات وإنهاء الاقتتال، ونأمل أن تنجح تلك الجهود والمساعي خلال الفترة المقبلة، وما زال عملنا مستمرا في السودان بكل ما نملك من قدرات وإمكانيات متاحة.
وما النتائج التي توصلتم إليها حتى الآن؟
أنا لا أعرف على وجه الدقة مدى النجاح المتحقق، لكننا ننظر بإيجابية لخطوة وقف إطلاق النار حتى لو كانت لمدة 72 ساعة، ونأمل أن نصل قريبا إلى وقف كامل ودائم لإطلاق النار، وإنهاء الأعمال العدائية، خاصة أن الأمم المتحدة وشركاءها تكثف جهودها على صعيد تحقيق هذا الهدف المنشود والمأمول.
ما هي الجهات والأطراف التي تعمل معها الأمم المتحدة من أجل معالجة الأزمة السودانية؟
الاتحاد الإفريقي، والهيئة الحكومية للتنمية في شرق إفريقيا "إيغاد" يبذلان كل جهد للتوصل إلى اتفاق على وقف دائم لإطلاق النار. الأمم المتحدة تدعم بالكامل هذه الجهود، وستواصل العمل بتنسيق وثيق مع الاتحاد الإفريقي و"الإيغاد"، بالإضافة إلى الشركاء الإقليميين والدوليين كالاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية وغيرهما، والأمم المتحدة تنسق كافة الجهود مع جميع الأطراف المعنية.
ونحن ندعو أولئك الذين لديهم نفوذ على الطرفين المتصارعين إلى ضرورة القيام بدورهم وواجبهم من أجل سرعة الوصول إلى وقف إطلاق النار، وإنهاء الاقتتال، والعودة إلى المفاوضات، وذلك من أجل استعادة الحكم المدني والانتقال الديمقراطي، ونأمل أن تتحقق تلك الآمال في أسرع وقت.
إلى أي مدى تأثر عمل الأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة بالحرب داخل السودان؟
الوضع خطير جدا، ونحن نعمل في خضم ظروف بالغة الصعوبة. وعلى الرغم من اضطرار الأمم المتحدة إلى تخفيض الوجود في المناطق التي تشهد قتالا عنيفا، فإنه يظل التزامنا تجاه الشعب السوداني قائما.
الأمم المتحدة لن تترك السودان، ولدينا فريق سيظل في البلاد، مقره مدينة بورتسودان الساحلية -في هذه الفترة- من أجل قيادة العمليات الإنسانية.
سيحاول زملاؤنا الإنسانيون بذل كل الجهود لتقديم المساعدات حيثما وكلما أمكن ذلك، ونحن نثمّن تفاني العاملين الإنسانيين والشركاء المحليين.
وقد قرر برنامج الأغذية العالمي رفع التعليق المؤقت على الأنشطة المنقذة للحياة في السودان. ومن المتوقع أن يبدأ توزيع المواد الغذائية في ولايات القضارف والجزيرة وكسلا والنيل الأبيض في الأيام المقبلة لتقديم المساعدات المنقذة للحياة التي يحتاجها كثيرون بشدة في الوقت الحالي.
متى ستعود أطقم الأمم المتحدة إلى العمل مُجددا من داخل الخرطوم؟
حينما تكون الظروف ملائمة بعد انتهاء القتال الدائر. في الوقت الحالي نباشر عملنا من مدينة بورتسودان شرق البلاد، ونبذل قصارى جهدنا من هناك، في حين أن إجلاء طواقم الأمم المتحدة لا يزال مستمرا حتى الآن، بينما لا يزال هناك عدد قليل من الموظفين الدوليين وعائلاتهم في الخرطوم ولم يتم إجلاؤهم لأسباب مختلفة.
هل ترون أن الجهود الدولية كانت كافية لرأب الصدع وإنهاء تلك الأزمة؟
ينبغي على الطرفين العمل باتجاه وقف دائم للأعمال العدائية. تقف الأمم المتحدة على استعداد للدعم والمساعدة الإنسانية والسياسية. ودعت الدول الأعضاء التي لديها نفوذ على الأطراف المتحاربة أن تمارس ذلك النفوذ لدعم تلك الجهود.
ماذا لو استمرت تلك الحرب لفترة طويلة؟
تأثير القتال كارثي للغاية على المدنيين. السكان السودانيون يفرّون بحثا عن الملجأ في الدول المجاورة. أشكر جميع الدول التي تستقبل اللاجئين، ونُشدّد على أهمية إبقاء الحدود مفتوحة. هذا القتال لن يعمّق الاحتياجات للسكان السودانيين فحسب، بل يُهدّد بإطلاق العنان لموجة جديد من التحديات الإنسانية، والأزمة الإنسانية الحالية قد تتحول بسرعة إلى كارثة خطيرة ومخيفة.
هل من المحتمل أن تقوم الأمم المتحدة بإرسال قوات حفظ السلام إلى السودان؟
مجلس الأمن هو الذي يحدد ولايات حفظ السلام.
بحسب المعطيات الراهنة، هل من أفق لإنهاء وحل الأزمة السودانية؟
نحن بحاجة إلى جهد شامل من أجل إحلال السلام. ومن الضروري أن يُغلّب أولئك المنخرطون بالقتال مصلحة الشعب أولا وقبل كل شيء. هذا الأمر لن يحل، ولا يجب أن يُحل عسكريا.
وهناك خطة مُتوافق عليها بخصوص الانتقال الديمقراطي في البلاد، وسوف نرى لاحقا إمكانية تطبيقها على أرض الواقع، وذلك بعد توقف القتال والأعمال العدائية وتهدئة التوترات أولا، وبالتالي فإنه ينبغي على جميع الأطراف إعطاء الأولوية للانخراط في المفاوضات والحلول السياسية السلمية من أجل تحقيق الاستقرار والسلام.