قال رئيس حركة الجبهة الثالثة "تمازج"
السودانية، محمد علي قرشي، إن "هناك
محور شر دوليا وإقليميا يحيك العديد من المؤامرات ضد السودان لنسف وحدته وأمنه واستقراره، ونحن ضد هذا التدخل الأجنبي السافر في شؤوننا الداخلية، وندعو الجميع لمواجهته بقوة وحزم".
ورفض قرشي، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، تسمية الدول التي يرى أنها "متورطة في محور الشر عبر أذرعها وعملائها داخل بلادنا"، مكتفيا بالقول: "تلك الدول باتت معروفة لكل مراقبي الوضع السوداني عن كثب، ولكن شعبنا سيكون له وقفة معها في وقت لاحق بعد إجهاض مخططاتها الشيطانية".
بينما أشاد بمواقف بعض القوى الإقليمية والدولية من الأزمة السودانية، مؤكدا أن "هناك مواقف إقليمية ودولية إيجابية ومُقدرة من جانبنا، وذلك بالنظر إلى الدعوات التي تقدموا بها لوقف إطلاق النار بين القوات المسلحة وقوات
الدعم السريع، لأن أمن السودان واستقراره يهم بعض دول الجوار، والبعض الآخر له صفقات وفوائد تجارية واستثمارات ضخمة يسعى للمحافظة عليها".
موازين القوى
وانتقد حديث البعض عما إذا كانت موازين القوى تصب لصالح
الجيش أم قوات الدعم السريع، قائلا: "ما فائدة الحديث عن موازين القوى ما دام الشعب السوداني هو المتضرر الأول جراء هذا الصراع العسكري، خاصة إذا نظرنا للأوضاع المأساوية التي ظل يعيشها المواطن من ترَدّ في الوضع المعيشي، وانعدام ضروريات الحياة من ماء وطعام وشراب، فضلا عن الجلوس داخل المنازل والرعب منتشر في كل مكان".
واستطرد رئيس حركة الجبهة الثالثة "تمازج"، قائلا: "هذه حرب المنتصر فيها خاسر، لأن الطرفين أبناء وطن واحد تربوا فيه، وعاشوا فيه، والمنتصر الوحيد هو المشروع الأجنبي وعملاؤه في الداخل".
ولفت قرشي إلى أنه "يمكن إنهاء الصراع من خلال تفعيل آليات التفاوض، وتهيئة الأجواء، وبذل مزيد من الجهد، خاصة من قِبل القوى السياسية تجاه دعم التوافق العسكري، والمضي قدما في بناء جيش قومي موحد ينهي مسألة تعدد الجيوش، وذلك لا يتم إلا عبر إعادة الثقة، والالتزام بمبدأ التفاوض، والنأي عن الصراع المسلح وتركه جانبا".
مؤشر إيجابي
وتابع: "الهدنة التي أعلنت من قِبل القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، حتى وإن لم يتم الالتزام بها، فهي مؤشر إيجابي نحو الجلوس مع الآخر وإنهاء هذا التصعيد العسكري، ونحن ندعوهم من خلال صحيفة (عربي21) الغراء إلى ضرورة الالتزام بالواجبات والمعاهدات المشتركة بين الطرفين، وذلك تيسيرا لحال المواطن في المقام الأول".
فيما عبّر عن أمله أن "تكون الهدنة الإنسانية الحالية بداية مسار جديد يمهد بشكل حقيقي لوقف دائم لإطلاق النار بين الطرفين، وإنهاء الخلافات بين الطرفين عبر التوافق والتفاوض السلمي وإعمال الحكمة وصوت العقل، وإعلاء المصلحة العليا للبلاد فوق أي مصالح أخرى، تجنبا لتمزيق البلاد، وتفاديا لسيناريو قد يأكل الأخضر واليابس في السودان".
ومساء الجمعة، أعلن الجيش السوداني، في بيان، موافقته على هدنة لمدة 3 أيام، وذلك بعد ساعات من إعلان "الدعم السريع" موافقتها على هدنة من القتال الذي أودى بحياة 413 شخصا منذ اندلاعه في 15 نيسان/ أبريل الجاري، وفق منظمة الصحة العالمية.
وأوضح قرشي أن "هذا الصراع سيتوقف عما قريب بالنظر إلى المواقف الإيجابية التي جاءت في أعقاب اشتعال الصراع، وأملنا كبير في حكمة القوات المسلحة وقوات الدعم السريع؛ فهم أكبر من أن تسيطر عليهم آراء وأجندات خارجية".
"الاتفاق الإطاري أشعل الفتنة"
واستبعد أن يكون للبرهان وحميدتي "مطامع سلطوية"، مرجعا الخلافات بين الطرفين إلى "الاتفاق الإطاري" الذي قال إنه "سبب كل ما يدور الآن، لأن العلاقة بين الرجلين ما قبل مجيء هذا الاتفاق كانت متينة وقوية، وكانت قوات الدعم السريع هي الساعد الأيمن للقوات المسلحة، والطرفان يمثلان العمود الفقري للبلاد".
وزاد: "أعتقد أن هناك شخصيات بعينها تريد أن تكون هناك مواجهات عسكرية بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، وذلك لقطع الطريق أمام الدمج وتوحد الجيش، وكذلك لتأزم الأوضاع بخصوص مسألة القيادة والسيطرة وتبعية قوات الدعم السريع إلى رأس الدولة المدني أم القائد العام للقوات المسلحة، بخلاف أن الاتفاق الإطاري له آلية هدّامة لتعميق الأزمة؛ ولذلك نحن نحمل بعض القوى السياسية أسباب هذه الفتنة العسكرية".
ووجّه قرشي رسالة إلى القوات المسلحة وقوات الدعم السريع قائلا إن "الوطن ينتظر منكم الكثير والكثير. اتحدوا فالحرب ما هي إلا معول وأداة لسحق الشعوب وطمس هويتها، وتشريد شعبها، وهدم حضارتها، وتدمير بنيتها التحتية، وهلاك اقتصادها".
في حين شدّد على أن "المؤسسة العسكرية عصية على التفكك، لأنها عصب الدولة، ويجب أن تضم الدعم السريع إليها عبر الجلوس والتفاوض، وبناء أسس ومعاهدات جديدة تمهد لخطة مُحكمة لإكمال عملية الدمج وفق آراء العسكريين وليس السياسيين فهم سبب هذه الفتن العسكرية".
فوضى خلّاقة
ونوّه رئيس حركة الجبهة الثالثة "تمازج"، إلى أن "اختلاف المكونات المدنية والقوى السياسية هو الذي يفسح المجال أمام العسكر للتدخل في الشأن السياسي، وبالتأكيد أحيانا الصراع السياسي يفضي إلى اضطراب أمني، والاضطراب الأمني إذا جاء بالفوضى الخلّاقة فمن هنا يدخل العسكر لحفظ الأمن".
وأكمل: "نحن مع ابتعاد العسكر عن التدخل في السياسة، لكن في نفس الوقت ندعو الساسة للابتعاد عن العسكر بأي شكل من الأشكال، وأن يفتح لهم الباب لمناقشة قضاياهم العسكرية لوحدهم كما في القوانين والأعراف العسكرية والطرق الفنية المتبعة".
وحذّر رئيس حركة "تمازج" من خطورة استمرار الاضطراب السياسي في السودان، لأنه سيفضي بالضرورة -حال تفاقمه- إلى اضطراب أمني خطير، وبالتالي فنحن ندعو لحل شامل وعادل للأزمة السودانية.
اشتباكات دامية
ومنذ منتصف الشهر الجاري، يشهد السودان اشتباكات دامية بين الجيش و"قوات الدعم السريع" في الخرطوم ومدن أخرى، وتبادل الطرفان اتهامات ببدء كل منهما هجوما على مقار تابعة للآخر بالإضافة إلى ادعاءات بالسيطرة على مواقع تخص كلا منهما.
ودارت، الجمعة، اشتباكات شرسة في محيط القصر الرئاسي وسط الخرطوم وفي مناطق أخرى بالعاصمة، وامتد القتال للمرة الأولى إلى ولاية الجزيرة (وسط) المتاخمة للخرطوم على الطريق القومي إلى مدينة ود مدني.
وفي عام 2013، تشكّلت "الدعم السريع" لمساندة القوات الحكومية في قتالها ضد الحركات المتمردة بإقليم دارفور (غرب)، ثم تولت مهام منها مكافحة الهجرة غير النظامية وحفظ الأمن، قبل أن يصفها الجيش بأنها "متمردة" عقب اندلاع الاشتباكات.
وبين البرهان وحميدتي خلافات أبرزها بشأن مقترح لدمج قوات "الدعم السريع" في الجيش، حيث يريد الأول إتمام العملية خلال عامين هي مدة مرحلة انتقالية مأمولة، بينما يتمسك الثاني بعشر سنوات، وهو خلاف يرى مراقبون أنه يخفي أطماعا من الطرفين في السلطة والنفوذ.
وجراء خلافاتهما تأجل مرتين، آخرهما في 5 نيسان/ أبريل الجاري، توقيع اتفاق بين العسكريين والمدنيين لإنهاء الأزمة التي يعيشها السودان منذ أن فرض البرهان في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021 إجراءات استثنائية بينها حل مجلس السيادة والوزراء وإعلان حالة الطوارئ.
واعتبر الرافضون تلك الإجراءات "انقلابا عسكريا"، بينما قال البرهان إنها تهدف إلى "تصحيح مسار المرحلة الانتقالية"، متعهدا بتسليم السلطة عبر انتخابات أو توافق وطني.