قال
الدكتور كمال عمر، الأمين السياسي لـ"حزب المؤتمر الشعبي" بالسودان، إن
الحزب يبذل جهودا حثيثة، مع شركائهم في العمل السياسي، من أجل "وقف شلالات
الدماء، وإنهاء الحرب الدائرة حاليا".
وأكد
عمر أن "القوى السياسية الموقعة على الاتفاق الإطاري تواصل جهودها من أجل
إيقاف الحرب، ونزع فتيل الأزمة بين الطرفين، وقد شُكّلت لجنة للجلوس مع الجنرالين
(
البرهان وحميدتي) كل على حده، ومن ثم التوفيق بين رؤيتيهما، ولكن كان قرارهما
للحرب قد أجهض هذه المساعي".
وأوضح
أن صلة الحزب بالأطراف المتصارعة مقطوعة الآن، إلا من خلال "البيانات التي تصدرها
القوى السياسية، والتي تحث فيها كل الأطراف على طي صفحة الحرب، والتوصل إلى هدنة
دائمة تعقبها مفاوضات مباشرة تنقل الأطراف المتصارعة إلى الاتفاق السياسي الذي
توقف بسبب الحرب؛ فيجب أن يتحرك هذا الاتفاق مرة أخرى من حيث توقف قطاره".
وفي
5 كانون الأول/ ديسمبر 2022، وقّع مجلس السيادة ومكونات مدنية، أبرزها قوى الحرية
والتغيير (المجلس المركزي)، "الاتفاق الإطاري" لتدشين مرحلة انتقالية
جديدة في البلاد.
"واقع
خطير ومؤلم"
ووصف
عمر، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، واقع
السودان الآن بأنه "حزين،
وخطير، ومؤلم جدا؛ فقد خضنا العملية السياسية في يوم ما وتحملنا هموما كثيرة،
وتنازلنا عن أمور كثيرة حتى لا نصل لهذا المآل، فهو مآل المنتصر فيه خسران.. هذا
هو الواضح من هذا الدمار، ومن كمّ الأرواح التي أُزهقت".
وأضاف:
"هذا الواقع لا يقبل خيارا آخر غير خيار العملية السياسية، والواضح أن تدخل
النظام السابق كان سببا في التعبئة لهذه الحرب، ونتيجة لإسقاط النظام السابق من
المعادلة السياسية، وبعدما بات ليس له محل من الإعراب السياسي بدأ في دق طبول
الحرب"، وفق قوله.
وأشار
إلى أن "أنصار النظام السابق الآن يدعمون الحرب باسم تأييد الجيش، ويخوّنون
أصحاب المواقف المحايدة، ويصطفون اصطفافا مريبا لتضليل الناس، ولصرفهم عن القضية
السياسية الرئيسية".
وتابع:
"لم أر أو أسمع عن واحد من القوى السياسية أنه أيّد طرفا على حساب الطرف
الآخر، وكل ما يُشاع من قِبل أنصار النظام السابق أن بعض الأحزاب السياسية تؤيد
طرفا في مواجهة طرف آخر غير صحيح".
"شهوة
السلطة"
وأبدى
ثقته بأن العملية السياسية الحالية ستسير وستتطور وفقا للمستجدات الأخيرة، وقال: "ليس
لدي شك في صدق نوايا القوى السياسية المتحررة من شهوة السلطة".
وأكد
أن جهود الوساطة واتصالات القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري مع الدول الشقيقة
ومع المجتمع الدولي والأشقاء الإقليميين لم تنقطع من أجل حقن دماء
السودانيين".
وأشار
إلى أن "حزب المؤتمر الشعبي" تعامل منذ البداية مع الأزمة السودانية على
أنها "عملية سياسية، وليست عملية حربية، لذلك، فقد وقف بجانب حقن الدماء، وكان ضد
الحرب، وضد التصعيد".
وأردف:
"العلاقات في المنظومة العسكرية قائمة على القانون، وفقا للدستور الانتقالي
لعام 2005، والوثيقة الدستورية، خاصة أن الوثيقة الدستورية الموؤودة وقّع عليها
قائد الدعم السريع، وقد صدرت بمرسوم من قائد المجلس العسكري؛ فالطرفان شريكان في
هذه الوثيقة، فإن كان بها مشاكل فلماذا وافقوا عليها منذ البداية؟ ثم إن السيد
رئيس المجلس العسكري هو مَن اختار نائبه، وهو ونائبه وقعا على العملية
السياسية".
وشدّد
السياسي السوادني البارز على رفضه الكامل لاستمرار الحرب، "لأن الحزب مع
تماسك المؤسسة العسكرية، وليس هناك طرف أقوى من الآخر على الأرض، وطرف أضعف"
موضحا أن "الصراع الحالي سيؤدي لإضعاف قوة السودان العسكرية".
وشدد
على أن "حزب المؤتمر الشعبي" ضد تفكيك المؤسسة العسكرية للجيش، لأنه يرى
أن الإصلاح يجب أن يكون من داخل المنظومة، ويراعي قوة المنظومة العسكرية".
وأوضح
أن "الخلافات بين الطرفين هي خلافات سياسية في شكلها، لكن في مضمونها صراع
حول السلطة.. أعتقد أن إمكانية عودة العلاقات بين الرجلين
مستحيلة".
ورأى
أنه "يجب على الأحزاب السياسية إعادة قراءة المشهد السياسي من جديد؛ فقد أصبح في
المشهد السياسي قيادات مختلفة"، وأكد ضرورة "قيام العملية السياسية حتى تتمكن
الأحزاب من تشكيل حكومة مدنية، وهي وحدها الكفيلة بإجراء مصالحات شاملة وعامة تحقن
دماء السودانيين".
وانتقد
مطلب
حميدتي بإبعاد من وصفهم بـ"الضباط الإسلاميين" من الجيش، قائلا:
"هذا المطلب كان يصلح شعارا سياسيا قبل قيام الحرب، لكن العملية السياسية
تحولت إلى عملية حربية، وهذا المطلب أصبح غير ذي نفع، ولا أقول غير مشروع".
وعن
دعوة حميدتي لإخراج الجيش من السياسة قال إن "الذي يجب أن يخرج من السياسة
ليس الجيش فقط، بل كل المنظومة العسكرية، وأعتقد أننا أخذنا هذا التصريح على محمل
الجد، لأن حميدتي كان يتعامل مع العملية السياسية بمواقف سياسية، والمهم الآن ألا
يكون هذا قرار حميدتي وحده، بل والبرهان أيضا".
وأكمل:
"البرهان قال مرارا إننا نريد الخروج من السياسة، لكن تداعيات الأمور أثبتت
-وخاصة بعد الحرب الدائرة- أن كلا الرجلين عليهما إعادة قراءة الموقف بشكل جديد،
والقوى السياسية أيضا تحتاج الآن إلى تقييم الوضع، وتقييم العملية السياسية بناءً
على المستجدات على الأرض".
ولفت
الأمين السياسي لـ"حزب المؤتمر الشعبي"، إلى أن "المسؤول عن تعثر
الفترة الانتقالية بالطبع ليس السياسيين؛ فالسياسيون كانوا الأحرص على نجاح
المرحلة الانتقالية، وإنما السلطة أو الجانب العسكري هو المتسبب في تعثر العملية
السياسية".
وساطة
إقليمية ودولية
وأشار
إلى أن "القوى الإقليمية والدولية تسعى من أجل الوساطة، وإقناع الطرفين، ونحن
كقوى سياسية نشيد بالموقف الإقليمي والدولي".
وتابع:
"العملية السياسية نالت تقدير المجتمع الدولي، وبالطبع ليست هناك عملية سياسية
مكتملة 100%، وإنما تتطور عبر الممارسة السياسية؛ فهي عمل إنساني ينضج عبر العمل
السياسي المتوالي".
وأضاف
أن "تكاتف المجتمع الإقليمي والدولي على ضرورة إنجاح العملية السياسية،
وإقرار قيادة العسكر بأن العملية السياسية الأنجح هي هذه العملية السياسية
المطروحة حاليا، وبالرغم من هذه الحرب اللعينة، ورغم المآسي الإنسانية التي تشوّه
صورة السودان، إلا أن الشارع والقوى السياسية الحرة المتمسكة بالخيار الديمقراطي ما زالت عند موقفها، وما زالت تؤيد العملية السياسية".
وبسؤاله
عن أبعاد الدور المصري والإماراتي في الأزمة السودانية، أجاب عمر: "نحن نطالب
الإخوة المصريين والإماراتيين بالنظر للأزمة السودانية نظرة محايدة، من خلال
القيام بدور محايد يدعم العملية السياسية في البلاد دون مساندة طرف على حساب الطرف
الآخر".
وذكر
أن "الأزمة السياسية الحالية تحتاج لتوافق سياسي، وإعادة قراءة؛ فهناك
مُسلمات ومبادئ دستورية وسياسية لا بد من الاتفاق عليها، ولا بد من الاتفاق على أن
مدة المرحلة الانتقالية عامان، والفيصل في نهايتها للانتخابات، كما أننا نحتاج للحريات،
ونحتاج لحكومة انتقالية ببرنامج انتقالي محايد".
وأشار
عمر إلى أن "تداعيات هذه الحرب قد أحدثت نضجا في التفكير، وأعطت الشعب
السوداني دروسا وعبرا من الواقع، وأثبتت أن الحرب اللعينة لا يمكن أن تكون بديلا عن العملية السياسية التي تهدف للتحول الديمقراطي".
وقال:
"هناك شهداء للثورة السودانية أثناء معارضة نظام المؤتمر الوطني، وهناك شهداء
أثناء اعتصام القيادة العامة، وشهداء الحرب الحالية.. كل ذلك رصيد للثورة
السودانية بألا تتوقف عند محطة صراع الجنرالين؛ فالثورة السودانية قادمة، ولا بد
للمنتصر في هذه الحرب أن يدفع ثمنها؛ فلا بديل عن عملية سياسية تُفضي إلى تسليم
السلطة للمدنيين".
واختتم
الأمين السياسي لـ"حزب المؤتمر الشعبي"، حديثه بالقول إن "حل
الأزمة يتمثل في ضرورة إنهاء الحرب، وجلوس القوى السياسية من أجل إعادة قراءة
المشهد، وأن تتصرف بناءً على ذلك".