تصاعدت على مدار الأيام الثلاثة الماضية،
البيانات المتضاربة، بشأن رقعة السيطرة بين الجيش
السوداني، وقوات
الدعم السريع،
عبر مقاطع مصورة لمواقع جرى السيطرة عليها، وصور لذخيرة وآليات وعتاد عسكري، لكل
جانب، فضلا عن حوادث الانشقاق التي تتوالى عبر صفحات الفريقين.
وتدور عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حرب
بيانات بين الجانبين، يحمل كل طرف فيها الآخر المسؤولية عما جرى، وعن بداية
الاشتباكات العنيفة، التي تحولت إلى
معارك على امتداد البلاد وخاصة العاصمة
الخرطوم، وفي المواقع السيادية الحساسة مثل المطارات.
ويسعى كل فريق لبث رسائل تأثير نفسي على
الآخر، من خلال أكبر كم من الأنباء والأخبار والمقاطع المصورة، من خلال الصفحات
التابعة له على موقعي فيسبوك وتويتر، حيث ينشط
الجيش السوداني عبر صفحة القوات
المسلحة السودانية في فيسبوك، وكذلك صفحة منسوبة للمخابرات السودانية، بنشر مقاطع
حصرية يصورها ضباط وجنود في الجيش، وكذلك صفحة موثقة لقوات الدعم السريع عبر
فيسبوك وكذلك حساب موثق عبر تويتر.
ومن الأمثلة على حرب البيانات
والفيديوهات، المشاهد التي بثتها قوات الدعم السريع للسيطرة على مطار الخرطوم،
وتواجد عناصرها فيها، في المقابل بث الجيش السوداني، لقطات للسيطرة على المطار
وطرد قوات حميدتي من داخله.
كذلك انتشرت صور سيطرة
الدعم السريع على مطار مروي، واحتجاز الجنود المصريين والسيطرة على طائرات مصرية
مقاتلة، لكن في اليوم التالي، كان ضباط من الجيش السوداني، مع دباباتهم، ينشرون
صورا من المطار ذاته وحول مبانيه، وهم يؤكدون فرار قوات الدعم السريع من المكان
مصطحبين معهم الجنود المصريين.
وخلال اليومين
الماضيين، نشرت قوات الدعم السريع، أنباء عن السيطرة على مقر القيادة العامة للجيش
السوداني، ومباني القوات الرئيسية البرية والجوية، لكن الجيش نفى ذلك، عبر مقاطع
مصورة.
كما تحدثت قوات الدعم
السريع، عن السيطرة على مقر القيادة العامة، ومقر إقامة قائد الجيش عبد الفتاح
البرهان ومقر الناطق السابق باسم المجلس العسكري شمس الدين الكباشي، لكن الجيش نفى
هذه المزاعم في بيانات رسمية.
وتطرح أسئلة حول قدرة
الحرب النفسية، على التحكم في مجرى الأحداث على الأرض وسير المعارك.
ظلال الدعاية النفسية
وفي بحث عن الحرب
النفسية لموقع "
ثوت كو" ، ترجمت "عربي21" مقتطفات منه، يرى الباحث السابق بالاستخبارات الأمريكية إبان
الحرب العالمية الثانية، دانيال ليرنر، أن الدعاية النفسية في الحروب تنقسم إلى 3
فئات، دعاية بيضاء، صادقة ومنحازة إلى حد ما، وتستشهد بمصدر معلوماتي. والثانية دعاية
رمادية تحتوي على معلومات صادقة في الغالب، ولا تحتوي على معلومات يمكن دحضها، لكن لا يوجد
مصادر يستشهد بها.
أما الدعاية الثالثة
فهي السوداء، والتي تعني الأخبار الكاذبة حرفيا، وتحتوي على معلومات خاطئة أو خادعة
وتنسب إلى مصادر غير مسؤولة عن تأليف أو بثها.
ورأى ليرنر، أن
الدعاية الرمادية والسوداء لها تأثير فوري، لكنها تحتوي على مخاطر أكبر، لأنه ربما
عاجلا أو آجلا يتم تحديدها على أنها كاذبة ويتعرض مصدرها للتشويه وتصبح أقل قدرة
على التأثير لاحقا، وأضاف: "شرط الإقناع، قبل أن تجعل الرجل يفعل ما تقول، أن
تجعله يصدق ما تقول".
شل عقول المقاتلين
ويتفق العقيد المتقاعد
أحمد الحمادي، مع رأي ليرنر، ويرى أن الحرب النفسية هي استكمال، للمعارك الجارية
على الأرض، والهدف منها شل عقول المقاتلين، وقبضاتهم عن مواصلة القتال، أو حسن
الأداء في المعارك، بسبب حالة الشك التي تزرعها في نفسياتهم.
وأشار في تصريحات
لـ"عربي21" إلى أن المقاتل بحاجة إلى التركيز والروح المعنوية الكبيرة،
من أجل مواصلة القتال، والشعور بتحقيق إنجاز، لكن ممارسة الشائعات والتضليل
واستهدافه بالمعلومات الخاطئة، يحطم قدرته ويزيد من إمكانية الانهزام.
ولفت إلى أن ما يجري
من صراع اليوم في السودان، تلعب الحرب النفسية فيه دورا كبيرا، من خلال محاولات
الأطراف تضخيم تحركاتها وإنجازاتها على الأرض، باستخدام وسائل الدعاية الحديثة وبث
المقاطع والمعلومات عن المواقع والسيطرة والتحركات.
وشدد على أن الكثير من
المعارك، تنتهي بفعل الشائعات، إضافة إلى عدم وجود ماكنة إعلام قوي لدى الأطراف،
وغياب الحقيقة يحقق للطرف الذي يمتلك المعلومات الدقيقة قدرة كبيرة على التحرك
والتقدم لأن الصورة تكون واضحة أمامه، بعكس الطرف الآخر وهو أشبه ما يسير في
الظلام.
وقال إن هذا المثال
رأيناه في الحرب الأوكرانية، فالروس بارعون في ماكنة اختراع الأخبار والكذب
والتضليل العسكري، وهذا تسبب بحالة إرباك كبيرة لدى الأوكرانيين، بسبب المعلومات
فقط التي لم تكن على أرض الواقع.
لكنه في المقابل قال،
إن الإشاعات والمعلومات المضللة، لها قيمة زمنية فقط يوم أو يومان، وتستخدم لحاجة
معينة، وبعد أن تنكشف لن يعود لها قيمة، لذلك على المقاتلين الحصول على المعلومات
من جهاتهم الرسمية، وإلا فإن المعلومات المضللة تصيبهم في مقتل.