عادت مشكلة تأخر
الإفراج عن الأعلاف من الموانئ لتنعكس على ارتفاع أسعار المنتجات الحيوانية، رغم
التأكيد المسبق على إعطاء أولوية للسلع الغذائية خلال الإفراج عن السلع في الموانئ،
إلى جانب نقص المستلزمات الطبية في المستشفيات الحكومية لنفس السبب.
ورغم تصريح محافظ
البنك المركزي في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي باتباع سياسة سعر الصرف المرن، فقد
جرى تثبيت سعر صرف الجنيه أمام الدولار منذ شهر، بينما السعر في السوق السوداء
يواصل ارتفاعه وكذلك أسعار العقود الآجلة للجنيه.
وفي نفس السياق
جاء تصريح رئيس الغرفة التجارية في الإسكندرية ورئيس اتحاد الغرف التجارية لدول
البحر المتوسط، بأن الإفراجات عن السلع في الموانئ خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر
الماضي لم تُستكمل، وأنهم كرجال أعمال يواجهون حاليا نفس مشكلة الشهر الأخير من
العام الماضي.
يرى بعض الخبراء أن هناك تخبطا في إدارة ملف الطروحات للشركات، وأن الدولة لجأت إليه مضطرة لتدبير العملات الأجنبية لسد ما عليها من التزامات، وليس نتيجة قناعتها بدور القطاع الخاص في الاقتصاد الذي ما زالت تزاحمه، سواء في الأنشطة الاقتصادية في الأسواق أو في الحصول على أموال البنوك أو تسجن بعض رموزه
ورغم الإعلان عن
طرح 32 شركة حكومية في الثامن من شباط/ فبراير الماضي، بعضها لصناديق سيادية خليجية
كوسيلة للحصول على عملات أجنبية تخفف من أزمة نقص الدولار، فلم يتم حتى الآن
اختيار أي من بنوك
الاستثمار الدولية التي ستتولى مسألة الترويج والتحضير والعرض
على المستثمرين، كما تأخرت عملية تقييم الشركات، ولم يتم تحديد الجهة المسؤولة عن
الطرح؛ هل هي الصندوق السيادي أو وزارة قطاع الأعمال العام أم رئيس الوزراء؟
10 في المئة نصيب
القطاع الخاص بالاستثمار
وهذا زاد المخاوف
لدى العاملين في السوق من تكرار ما حدث عام 2018 من الإعلان عن طرح 23 شركة، بينما
ما تم منها عمليا خلال السنوات الماضية شركتان فقط، وبأسلوب البيع لمستثمر استراتيجي.
كما يرى بعض
الخبراء أن هناك تخبطا في إدارة ملف الطروحات للشركات، وأن الدولة لجأت إليه مضطرة
لتدبير العملات الأجنبية لسد ما عليها من التزامات، وليس نتيجة قناعتها بدور
القطاع الخاص في
الاقتصاد الذي ما زالت تزاحمه، سواء في الأنشطة الاقتصادية في الأسواق
أو في الحصول على أموال البنوك أو تسجن بعض رموزه.
وقال الدكتور هاني
سري الدين، رئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الشيوخ، إن نسبة القطاع الخاص من الاستثمار
المحلي كان حوالي 65 في المئة قبل عام 2010، بينما تصل حاليا إلى 10 في المئة
مقابل 90 في المئة للاستثمارات العامة.
وها هو رفع
الفائدة الأخير يتسبب في ارتفاع فائدة الإقراض بالبنوك، مما يدفع جانبا من رجال
الأعمال للإحجام عن الاقتراض، خاصة مع ضعف القوة الشرائية وتسبب زيادة الأسعار في
تراجع المبيعات، ويتجه بعضهم لوضع أموالهم بشهادات الادخار المصرفي التي تحقق لهم
عائدا سنويا يبلغ 19 في المئة بلا مخاطر.
لكن الجانب
الأكبر منهم لم يُقبلوا على تلك الشهادات المصرفية، لأن عوائدها المرتفعة ما زالت
أقل من نسب التضخم، الذي ذكر البنك المركزي أن معدله قد بلغ 39.5 في المئة بشهر
آذار/ مارس الماضي، أي أن هناك عائدا سلبيا حقيقيا لكل أنواع الشهادات المصرفية،
مما يدفع بعضهم للاتجاه للدولار والعملات الأجنبية أو للاستثمار بالذهب أو العقار
أو غير ذلك.
التحذير من تكرار
خفض العُملة
كما تشير تصريحات
رئيس غرفة الإسكندرية التي طالبت بحوار اقتصادي بين التجار والصنّاع والحكومة،
والخروج بوثيقة أخرى مماثلة لوثيقة ملكية الدولة تختص بدور القطاع الخاص في التنمية
المستدامة، إلى أنه لم يتحقق شيء من توصيات المؤتمر الاقتصادي الذي انعقد في شهر تشرين
الأول/ أكتوبر الماضي، أو من وثيقة ملكية الدولة التي جرى إعلانها أواخر العام الماضي،
مما يقلل من الثقة بالتصريحات والوعود الحكومية.
وعزز ضعف تلك الثقة
ما ورد في قانون الاستثمار الذي صدر عام 2017 من حوافز للمستثمرين، لكنه لم يحدث
حتى الآن أن حصلت شركة واحدة على أية حوافز رغم استحقاق حوالي 400 شركة لها، واستمرار
حالة الركود في الأسواق بلا انقطاع خلال العامين الأخيرين، وتزايد حدتها في الشهر
الماضي، حسب مؤشر مديري المشتريات الصادر عن مؤسسة ستاندراند بورز جلوبال، التي
ذكرت أن المعنويات في الأسواق ظلت ضمن أضعف المعدلات منذ بدء سلسلة المؤشر عام
2012، مع الانخفاض الحاد في الطلبات الجديدة وانخفاض المبيعات التصديرية، وانخفاض المخزون
والعمالة، حيث قلصت الشركات عدد موظفيها للشهر الرابع على التوالي.
وكذلك استمرار
ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء وبأسعار العقود الآجلة في الخارج، مما دفع
بنك جولدمان ساكس للتحذير من دخول الاقتصاد
المصري في حلقة مفرغة من انخفاض العملة
والتضخم، وبما يعني المزيد من خفض الجنيه، فيؤدي ذلك إلى ارتفاع الأسعار في الأسواق،
فيقل الإقبال على الاحتفاظ بالجنيه ويزيد الاتجاه للدولار كمخزن للقيمة، فتنشط
السوق السوداء للدولار، الأمر الذي يتطلب خفضا جديدا لسعر صرف الجنيه للتغلب على
السوق السوداء وهكذا.
نقص الدولار
مستمر لشهور إضافية
ويعزز ذلك أن
العجز الدولاري في الجهاز المصرفي عام 2016 والذي بلغ وقتها 13.89 مليار دولار في تشرين
الأول/ أكتوبر، كان قد استغرق علاجه ستة أشهر وبدأ الجهاز المصرفي يحقق فائضا في أيار/
مايو 2017، إلا أنه في هذه المرة ومنذ خفض سعر الصرف في آذار/ مارس من العام الماضي،
ثم في تشرين الأول/ أكتوبر ثم في كانون الثاني/ يناير الماضي.
ما زال العجز
الدولاري في الجهاز المصرفي يزداد حتى بلغ حوالي 23 مليار دولار، في شهر شباط/
فبراير من العام الحالي، وهي آخر بيانات متاحة، بل إن العجز زاد خلال الشهر الأول
من العام الحالي بنحو 1.7 مليار دولار، كما استمر بالزيادة في الشهر الثاني من العام
بنحو 1.3 مليار دولار.
هذا الأمر يتطلب وضع أهداف محددة من قبل الحكومة في قطاعات النشاط الاقتصادي، مثل اجتذاب رقم محدد من الاستثمار الأجنبي المباشر خلال فترة معينة، أو تحقيق رقم معين بالصادرات أو بعدد السياح، ووضع جدول زمني دقيق لتحقيقها، بحيث يرى الناس تغيرا على أرض الواقع يساهم في استعادة المصداقية والثقة
وذلك رغم زيادة
الدين الخارجي بنحو 8 مليارات دولار في الربع الرابع من العام الماضي، تضمن الحصول
على وديعة قطرية بمليار دولار في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وبيع أذون
خزانة للأجانب بحوالي 5 مليارات دولار، خلال الشهور الثلاثة من تشرين الثاني/
نوفمبر وحتى كانون الثاني/ يناير، وبيع صكوك سيادية بقيمة 1.5 مليار دولار في شهر شباط/
فبراير الماضي، مما يعني أن أمامنا عدة شهور مقبلة حتى يمكن تغطية ذلك العجز، بما
له من آثار سلبية على تمويل الواردات، وبالتالي على الأسعار وعلى استمرار السوق
السوداء للدولار، الأمر الذي جعل قضية ضعف الثقة بالإجراءات الحكومية تتزايد، في
ظل حالة عدم اليقين من سعر الصرف ومن السياسات الاقتصادية ومن
سعر الفائدة.
وهذا الأمر يتطلب
وضع أهداف محددة من قبل الحكومة في قطاعات النشاط الاقتصادي، مثل اجتذاب رقم محدد
من الاستثمار الأجنبي المباشر خلال فترة معينة، أو تحقيق رقم معين بالصادرات أو
بعدد السياح، ووضع جدول زمني دقيق لتحقيقها، بحيث يرى الناس تغيرا على أرض الواقع
يساهم في استعادة المصداقية والثقة.
موعد زيارة خبراء
الصندوق لم يتحدد
وجاء تصريح محافظ
البنك المركزي قبل أيام ليؤكد حالة عدم الثقة السائدة حاليا، حين قال إنه لا يمكن
استعادة الثقة وادارة التوقعات، إلا بوجود خطة كاملة لمدة عامين أو ثلاثة وهو ما
نعمل مع الحكومة عليه، مؤكدا أن السوق تحتاج إلى رؤية أمور حقيقية حتى تمضي قدما.
وكان
صندوق النقد
الدولي قد أعلن في تقريره عن مصر الصادر في كانون الثاني/ يناير الماضي، أنه بعد
الزيارة الدورية لخبراء الصندوق لمصر للاطلاع على
مدى الالتزام بالاتفاق معه، سيتم
منح مصر القسط الثاني من القرض منتصف آذار/ مارس 2023، كما يمكن أن يتم منحها قرضا
آخر بنفس التوقيت من صندوق الصلابة التابع لصندوق النقد بنحو مليار دولار أخرى.
كان مطلوبا من الحكومة طمأنة الجمهور، بأن لديها إجراءات ستقوم بها لعلاج مشكلة نقص الدولار والأسعار المرتفعة في السوق السوداء والسوق الآجلة، والتمكن من سداد الالتزامات الخارجية التي تصل 22 مليار دولار كأقساط وفوائد للدين الخارجي هذا العام، وتحقيق إنجاز بملف الطرح للشركات الحكومية، من أجل استعادة الثقة لدى السوق
لكن الموعد المُعلن
عنه مسبقا مر دون أى إعلان من قبل الحكومة أو الصندوق، عن سبب تأجيل الزيارة وبالتالي
القسط الثاني من القرض، حتى جاء تصريح مديرة الصندوق قبل أيام بأن الصندوق يستعد
للمراجعة دون تحديد موعد لذلك، ولهذا نرجح أنه تم الاتفاق بين الطرفين على تأجيله لما
بعد بدء عمليات البيع لحصص من الشركات المصرية؛ والحصول من ذلك على قدر من
الدولارات، يعزز موقف البنك المركزي في القيام بخفض جديد لسعر صرف الجنيه يمكنه تمويل
الشركات على أساسه.
وربما تم التأجيل
لحين تشكيل وزارة جديدة بإدارة اقتصادية جديدة تتولى عمليات الإصلاح الاقتصادي،
وتحافظ على استقرار سعر الصرف لفترة أطول مما حدث خلال الشهور الاثني عشر الماضية،
ويعزز ذلك تصريح مديرة الصندوق الأخير بأن هناك تعديلا لوتيرة تنفيذ مصر الإصلاحات
التي تم طلبها منها عند إبرام الاتفاق في كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
لكنه في كل
الأحوال كان مطلوبا من الحكومة طمأنة الجمهور، بأن لديها إجراءات ستقوم بها لعلاج
مشكلة نقص الدولار والأسعار المرتفعة في السوق السوداء والسوق الآجلة، والتمكن من
سداد الالتزامات الخارجية التي تصل 22 مليار دولار كأقساط وفوائد للدين الخارجي
هذا العام، وتحقيق إنجاز بملف الطرح للشركات الحكومية، من أجل استعادة الثقة لدى
السوق، والتي بدونها لن تبدأ عملية الاستثمار المحلي أو الأجنبي بشكل مؤثر.
twitter.com/mamdouh_alwaly