فيما
تخوض دولة الاحتلال وإيران معركة مستمرة في أكثر من جبهة، فقد كشف أربعة من كبار ضباط
المخابرات
الإسرائيلية ما قالوا إنه المزيد من المعلومات عن التحدي
الإيراني، وشرحوا
مدى تعقيد خريطة المصالح أمامها، ويؤكدون أن الإيرانيين يرون كل ما يحدث الآن في إسرائيل،
ويصفقون سعادة بما يحصل.
مع العلم
أن أهمية قسم إيران في شعبة
استخبارات الجيش الإسرائيلي تأتي في ضوء آثاره وتداعياته
على ساحات أخرى، وفي بناء علاقات مع دول إسلامية معتدلة، حيث يحاول فهم ما يحدث مع
إيران، والتحقيق فيه بعمق، لأنه يتعامل مع برنامجها النووي، ومع الأزمة الاقتصادية
فيها، والاحتجاجات، من خلال تحليل الوضع فيها، وانعكاساته من زاوية تكتيكية واستراتيجية
على دولة الاحتلال ذاتها.
تال
ليف رام الخبير العسكري في صحيفة "معاريف" أجرى مقابلة مع أربعة رؤساء لقسم
إيران في جهاز الاستخبارات العسكرية- أمان، وهم نقيب وثلاثة ضباط برتبة رائد، من أجل
تقديم صورة متعمقة لما يحدث في إيران من خلال معلومات تعتبر أساسا مهما لتقييم الوضع
الاستخباراتي الذي يتسلمه رئيس مجلس الأمن القومي، وقائد الجيش، ورئيس الوزراء، ووزير
الحرب.
الانسحاب
الخاطئ
وأضاف
في تقرير مطول ترجمته "عربي21" أن "الضباط الأربعة أجمعوا أن الانسحاب
من الاتفاق النووي شكل خطأً استراتيجياً، وقد تم تحديد عام 2015 كنقطة تغيير وتحول
مع توقيع الاتفاقية النووية التي دخلت حيز التنفيذ خلال إدارة الرئيس الأسبق باراك
أوباما، لكن نقطة التحول التالية جاءت في 2018، عندما قرر الرئيس السابق دونالد ترامب
تحت ضغط إسرائيلي مكثف بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الانسحاب أحادي الجانب
من الاتفاقية، وتشديد العقوبات على طهران".
وأكدوا
أن "العديد من كبار الأعضاء في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية رأوا قرار الانسحاب
أحادي الجانب من الاتفاقية خطأً استراتيجياً، لأنه سيؤدي في الواقع للنتيجة المعاكسة
والتقدم الدراماتيكي لإيران في السباق نحو القنبلة النووية، وفي غياب الاستعداد للعمل
العسكري فقد اكتسبت الاستعدادات للعمل العسكري زخما كبيرا، لأن إيران بدأت تنخرط أكثر
بتواجدها في المنطقة، بسبب تحالفها مع حزب الله وسوريا، وانضم إليه الروس، مما شكل
فرصة لتعزيز نفوذ إيران، وبناء نظام قواتها لحرب مستقبلية ضد إسرائيل".
وأشاروا
إلى أن "إيران تمثل اليوم تحديًا أكبر بكثير لإسرائيل، سواء بسبب الأسلحة النووية،
أو بسبب نقاط الاحتكاك العديدة معها، ولعل الفترة الأمنية المتوترة في الساحة الشمالية
دليل ممتاز على ذلك، لأن تسلسل الأحداث يوضح مستوى التصعيد والتوتر المتصاعد مع إيران،
مما يؤكد أن التحدي أمام إسرائيل يزداد تعقيدًا وبات متعدد الأبعاد أكثر فأكثر، لأنه
بجانب الملف النووي، فإن التهديدات على طول الحدود، والربط الوثيق بين إيران وحزب الله
وحماس وعناصر فلسطينية يبقي رؤساء المؤسسة الأمنية مشغولين ليل نهار".
وأضافوا
أننا "نستعد لهجوم محتمل من إيران، ولذلك فنحن نقوم باستعدادات عسكرية هجومية
ودفاعية أكثر بكثير في السياق الإيراني، ليس في الجوانب العسكرية فقط، بل في المسائل
الاقتصادية من خلال إنشاء بنية تحتية للأضرار المالية على إيران، لأنه يستحيل فصل الملف
النووي عن الاحتجاج الداخلي".
عناصر
القرار
وكشفوا
أن "هناك خمسة عناصر تؤثر في صنع القرار الإيراني، الأول الوضع الداخلي واستقرار
الحكومة، وثانيها الوضع الاقتصادي، وثالثها الرغبة في خلق هدوء داخلي وخارجي ضد التهديدات
العسكرية، ورابعها هي القوة الصناعية، أما العامل الخامس والأخير فهو السياسة الخارجية،
لأن إيران لا ترغب بأن تكون في وضع مماثل لكوريا الشمالية، بل أن تكون جزءًا من دول
العالم، وأن يكون لها تأثير كالدول المجاورة مثل العراق وأذربيجان".
وأشاروا
إلى أن "الولايات المتحدة ليس لديها رغبة بشن هجوم ضد إيران في الوقت الحالي،
مما يمنحها مساحة كبيرة، وفي الوقت ذاته فإن الأزمة الداخلية داخل إسرائيل، وعلامات
بداية أزمة كبيرة مع الأمريكيين، تلعب أكثر في أيدي الإيرانيين الذين يحاولون الاستفادة
من هذا بالفعل في المستقبل القريب، مما يجعل الديناميكيات في العلاقات الخاصة والمعقدة
بين إيران وإسرائيل دائمة وشبه مستقرة".
وأكدوا
أن "إيران تقترب كثيرًا من الحد الأعلى لتخصيب اليورانيوم إلى 90٪، وهو حد يمكن
بعده البدء في تطوير أسلحة، وسيتم استخدام السلاح النووي كرادع، ولذلك فهي حريصة على
إعلان أي تقدم في البرنامج النووي، والتقدير السائد أن الوقت اللازم لإعداد القنبلة
هو أسابيع قليلة".
وأوضحوا
أن "العلاقات الدبلوماسية الإيرانية مع أوروبا مهمة جدًا لها، فضلا عن العلاقة
مع روسيا والصين، لأنها تحميها في مجلس الأمن بفضل الفيتو، رغم أنهما ليس لديهما مصلحة
بامتلاكها أسلحة نووية، مع أن المناطق الأبعد قليلاً عن حدود الاحتلال تسمى دول
"الدائرة الثالثة"، التي لا تشترك معنا في الحدود، لكن لإيران مصالح ووجود
عسكري فيها، وقد تؤثر على إسرائيل، ولعل العراق خير مثال على ذلك، لأنه من الطبيعي
أن إسرائيل مشغولة أكثر بما يحدث في
سوريا، وهم يولون أهمية كبيرة للنشاط العسكري فيها".
ساحة
سوريا
وأكدوا
أن "الوجود الإيراني في سوريا، رغم أنه لا يزال قائماً ومحدودا، لكنه يشهد تناقصا
في عددهم ونفوذهم، وعدم ترسيخ وجودهم، لأن الساحة العراقية تقلق إيران، وتشغلهم أكثر
بكثير، هي تريد إبقاء العراق أقرب ما يمكن، ولذلك فهي نجحت في الحلبة الدبلوماسية مع
العراق، ولديها حكومة موالية فيه، وهدفها إدامة الوضع كما هو، ولا يزال لإيران عشرات
الفروع في العراق، التي تضم آلاف العناصر، وتستثمر فيهم مئات ملايين الدولارات سنويًا،
لأنها منطقة تنطوي على مخاطر عالية للغاية".
وأضافوا
أن "إسرائيل بحاجة لفهم أفضل بكثير لما يحدث بالعراق، فواقعه السياسي معقد للغاية،
ويحد من مهامها العسكرية، لأن الأمريكيين يتصرفون بحذر شديد في تلك الساحة، صحيح أن
إيران تدرك أن إسرائيل لاعب مهم يقف ضدها، لكنها ليست على مستوى الولايات المتحدة،
ولعل وجهة النظر الإيرانية أنه في يوم من الأيام ستختفي إسرائيل من الخريطة، وحتى ذلك
الحين فقط يتعين عليها التعامل مع هذا التهديد، وهي متأكدة أن إسرائيل تنفذ عمليات
خاصة في أراضيها، ويريدون أن يفعلوا الشيء نفسه: تكنولوجيا واستخباراتيا".
وأوضحوا
أن "إيران ليس لها تأثير حقيقي على ما يحدث في إسرائيل، لكنها تستثمر الكثير من
الأموال لتمويل العمليات المسلحة، وتحاول العثور على المناطق المناسبة للعمل من خلالها
في الوقت الحالي خاصة في ساحات البحر والمجال الإلكتروني، مع احتمال أكبر لدخول حزب
الله في دائرة القتال إن حدث تصعيد بين إيران وإسرائيل، لأنها تأخذ على محمل الجد احتمال
أن تهاجمها إسرائيل، وليس فقط ضمن البرنامج النووي، واحتمال زيادة التوترات العملية
بينهما قائم، رغم أنهما غير مهتمين بالحرب، والتصعيد الدراماتيكي في هذا الوقت".