تثار التساؤلات حول مستقبل "
تحالف الأمة" المعارض الذي يضم ستة أحزاب تختلف أيديولوجياتها، في حال الفوز أو خسارة
الانتخابات الحاسمة التي تجرى في 14 يار/ مايو المقبل.
ويتشكل "تحالف الأمة" من أحزاب "الشعب الجمهوري" و"الجيد" و"السعادة" و"المستقبل" و"ديفا" و"الحزب الديمقراطي"، ومرشحها الرئاسي كمال
كليتشدار أوغلو، الذي يلقى دعما أيضا من حزب الشعوب الديمقراطي الكردي.
وتشهد الساحة الداخلية التركية حراكا دراماتيكيا داخل الأحزاب والتحالفات قبل وبعد الانتخابات التي تؤثر بشكل أكبر على الأحزاب الخاسرة فيها.
وبينما أعاد "
تحالف الجمهور" ترشيح الرئيس رجب طيب أردوغان، فإن "تحالف الأمة" أعلن ترشيح رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو، بعد خلافات حادة شهدتها الطاولة السداسية ولا سيما مع حزب الجيد الذي تقوده ميرال أكشنار.
وأظهرت الصراعات التي مر بها "تحالف الأمة"، بشأن مرشحه الرئاسي، ضعفه، ما يثير التساؤلات حول استمراريته إذا فاز أو خسر الانتخابات.
الكاتب التركي حامد إيمره بريش، في تقرير مطول على مجلة "
كريتر" التركية، ذكر أن "تحالف الجمهور" الحاكم يقدم صورة من التعاون المتناغم منذ انتخابات 2018، ولا سيما بشأن المشاكل الأساسية للبلاد، وأعرب زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي عن دعمها الكامل لسياسات الحكومة في مناسبات مختلفة، كما صوتت كتلة حزبه البرلمانية لصالح مشاريع القوانين التي طرحتها الحكومة على جدول أعمال البرلمان.
ويتابع "العدالة والتنمية" بحساسية آراء "الحركة القومية" حول السياسات المتبعة والقرارات التي سيتم اتخاذها، من خلال الاتصالات بين قادة ومسؤولي الحزبين، كما أن "الحركة القومية" يدعم السياسات التي تنتهجها الحكومة دون تعيين أشخاص موالين له في الحكومة أو المناصب البيروقراطية.
ورأى الكاتب أن "تحالف الجمهور" قد يواصل تعاونه بعد الانتخابات، وقد تشارك بعض الأسماء في حزب الحركة القومية في الحكومة، إذا فاز أردوغان، لكن بهتشلي قد يفضل مواصلة الوضع الحالي وهو دعم الحكومة من الخارج.
وعلى جبهة "تحالف الأمة"، فإنه إذا فاز مرشحه كليتشدار أوغلو في الانتخابات، فذلك يعني عودة تجربة "الائتلافات الحكومية"، والتي انتهت منذ عام 2002.
ودفعت تجارب الائتلاف الحكومي، أولا بين الأعوام 1961 و1980، ثم طوال التسعينيات،
تركيا إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي نجم عنها العديد من المشاكل من الأزمات الاقتصادية إلى "الإرهاب"، ووقوع البلاد في حلقة مفرغة.
وساهم وصول حزب العدالة والتنمية في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2002، إلى الحكم، في إنهاء فترة الحكومات قصيرة الأجل، وغير المتوافقة خلال فترة "الائتلافات الحكومية". ومع ذلك فإن الآثار الناجمة عنها في العديد من المجالات، لا سيما الاقتصاد والأمن، بقيت قائمة، وشهدت السنوات الأولى من حكم "العدالة والتنمية" نشاطا لمحو الآثار السلبية لتلك الفترة.
سيناريوهات "تحالف الأمة" إذا فاز بالانتخابات
وليس من الواضح نوع الاستراتيجية التي سيتبعها "تحالف الأمة" في إدارته للبلاد إذا نجح في الانتخابات، وأعضاء التحالف وعدوا بالانتقال إلى "نظام برلماني معزز"، ومع ذلك فإننا أمام فترة انتقالية غير محددة نشهدها بعد الانتخابات. والحاجة إلى تعديل دستوري لاستبدال النظام الرئاسي بنموذج جديد قد يكون سببا تستخدمه المعارضة للتخلي عن وعد "النظام البرلماني المعزز".
والمشكلة الأولى التي ستواجهها المعارضة على المدى القصير بعد الانتخابات هي تشكيل مجلس الوزراء، ويمكن التنبؤ بأن حزب الشعب الجمهوري لن يرغب في مشاركة المناصب الوزارية الهامة مع الأحزاب الأخرى في التحالف خلال هذه العملية.
ومن المرجح أن تواجه المعارضة أزمة خطيرة، تتعلق بتحديد السياسات والاقتصاد والأمن، وفي هذه المرحلة، فإن عدم التمكن من اتخاذ إجراء دون دعم حزب الجيد وحزب الشعوب الديمقراطي بسبب مشكلة الأغلبية في البرلمان، قد يؤدي إلى عرقلة عمليات صنع القرار.
وعلى سبيل المثال، لن يكون بالإمكان تحديد السياسات الأمنية أو مكافحة الإرهاب دون موافقة حزب الشعوب الديمقراطي، وإلى جانب ذلك فإن أعضاء التحالف لديهم مقاربات مختلفة عن بعضهم البعض في عدد كبير من الموضوعات مثل الاقتصاد والسياسة الخارجية.
ولم يتطرق تحالف المعارضة التركية، إلى الاختلافات في وجهات النظر حول المشاكل، ومع ذلك فإن تأجيلها خلال فترة تشكيل الحكومة سينشأ عنها أزمات جديدة. وبالنظر إلى تكوين البرلمان فإن من الممكن القول إن الحكومة التي سيتم تشكيلها من شركاء "تحالف الأمة" لن تدوم طويلا.
ماذا سيحدث إذا خسر "تحالف المعارضة" الانتخابات؟
وبشأن سيناريو عدم فوز "تحالف الأمة" بالانتخابات، فإن ذلك قد ينشأ عنه تغيرات جذرية، بحسب الكاتب الذي أشار إلى أنه من الصعب على كليتشدار أوغلو الذي أصر على ترشيحه، البقاء على رأس حزبه بعد الهزيمة في الانتخابات.
ويبدو من الصعب جدا على كليتشدار أوغلو الحفاظ على زعامة حزبه بعد الانتخابات. وسيشهد حزب الشعب الجمهوري حالة من الصراع على قيادته، ما قد يؤدي إلى حدوث انقسامات.
أما ميرال أكشنار، ستحاول ترسيخ قيادتها داخل حزبه وإعطاء رسالة مفادها أنها غير مسؤولة عن الهزيمة، بالقول إنها توقعت أن كليتشدار أوغلو لن يفوز وعارضت ترشحه. ومع ذلك فقد يلقي شركاء التحالف الآخرون باللوم أيضا على أكشنار لخسارة الانتخابات بسبب موقفها المتردد. وسيقال إن مغادرتها الطاولة والعودة إليها لاحقا أفسد صورة الوحدة للتحالف، ما أدى إلى خسارة الانتخابات.
ولن تنتظر أحزاب "ديفا و"المستقبل"، والتي ليست لديها شخصيات سياسية مؤثرة منذ البداية، أياما جيدة، كما أن حزب السعادة قد يفقد قاعدته الشعبية تدريجيا. وستحاول هذه الأحزاب الحفاظ على وجودها على الساحة السياسية من خلال النواب الذين ستقدمهم إلى البرلمان من خلال قائمة حزب الشعب الجمهوري إذا جرى التوافق على ذلك.
من ناحية أخرى، في حالة الفشل الانتخابي المحتمل، فإن العامل الوحيد الذي سيحفز مكونات هذا التحالف على العمل معا سيكون الانتخابات المحلية التي ستعقد في عام 2024.
وقد يظهر حزبا "الشعب الجمهوري" و"الجيد" الإرادة للعمل معا مرة أخرى، ومع ذلك يبدو أن الأمور ستكون أكثر صعوبة هذه المرة. كما أن اثنين من رؤساء البلديات يحملان شارات حزب الشعب الجمهوري قد تلقيا دعما من أكشنار، وليس من حزبهم بشأن الترشح للرئاسة، غير المعادلة إلى حد كبير. وحتى إذا تغير زعيم حزب الشعب الجمهوري، فإن من المتوقع أن كلا الاسمين لن يتم ترشيحهما بسهولة.
ويبدو أن إمام أوغلو مرشح طبيعي لقيادة حزب الشعب الجمهوري. وعليه فإن كليتشدار أوغلو أو الزعيم الجديد للحزب لن يعمل على ترشيحه للبلدية، وسيفضل اختيار اسم آخر. كما أن يافاش الذي يستطيع تقديم أداء متميز خلال فترة رئاسته للبلدية، وخلفيته التاريخية لا تعود إلى حزب الشعب الجمهوري، قد يجعل ترشحه أكثر صعوبة.
وستكون الانتخابات البلدية عام 2024 صعبة بالنسبة للمعارضة، وحزب الجيد قد يفرض طلبات كثيرة خلال فترة التفاوض مع حزب الشعب الجمهوري بشأن الترشيح، أما الأطراف الأخرى من "تحالف الأمة" فسيتم تهميشها. ولكن من الضروري إضافة حزب الشعوب الديمقراطي إلى مفاوضات الحزبين (الجيد والشعب الجمهوري)، لاسيما أن السبب الرئيس لفوز مرشحي التحالف لبلديات أنقرة وإسطنبول عد تسمية الحزب الكردي مرشحين وتوجيه الناخبين لدعم إمام أوغلو ويافاش.
ووفقا للمعطيات السابقة، فإن أياما صعبة تنتظر "تحالف الأمة" بعد الانتخابات سواء فاز بها أم لا، وستظهر على السطح كافة المشاكل التي تم تأجيلها وتجاهلها.
ماذا عن جبهة "تحالف الجمهور"؟
ورأى الكاتب أنه لن تكون هناك تغيرات جذرية في مستقبل "تحالف الجمهور" بعد الانتخابات، لاسيما أنه جرى اختباره في الانتخابات عام 2018، حيث لم نشهد خلافات جادة بين الحزبين اللذين أعطيا رسالة استمرار تعاونهما طوال الفترة الماضية.
ولا يبدو أن هناك سببا لتغيير كبير في سياسات تركيا الداخلية والخارجية في الفترة المقبلة. لذلك فإنه يمكن التنبؤ بأن الطريق الذي اتبعه "تحالف الجمهور" في السنوات الخمس الماضية سيستمر بذات الطريقة. كما أنه يمكن تعميق إطار التعاون بوسائل مثل مشاركة أعضاء في حزب الحركة القومية في مجلس الوزراء.