كتاب عربي 21

عام على نقل السلطة وترسيم الفوضى في اليمن

لم ينتج عن المجلس الرئاسي في اليمن تشكيل جبهة موحدة- عربي21
بعد خمسة أيام من الآن ستحل الذكرى الأولى لصدور الإعلان الدستوري الذي قضى بنقل السلطة من الرئيس المنتخب عبد ربه منصور هادي إلى مجلس قيادة رئاسي يضم ثمانية أعضاء ويقوده الدكتور رشاد محمد العليمي، وهو التغيير الذي فُرض من خارج الإرادة اليمنية، وتجرَّعَت بسببه القيادات السياسية الوطنية مرارة فقدان الأمل ببقاء القرار السيادي بيد الشعب اليمني حتى ولو عبر الرئيس هادي الذي يحتفظ بسجل مخز من الخيانات والتفريط بهذا القرار.

يبدو العام المنقضي من عمر مجلس القيادة الرئاسي شاهداً على الانسحاب الكبير للسلطة الشرعية من مسؤوليتها الدستورية، فهي تحلق بوقود خفيف جداً، في فضاء الأزمة اليمنية، وتبتعد إلى الحد الذي تفتقد معه الرؤية الواضحة لتفاصيل المشهد على الأرض، وتكرس بهذا الابتعاد حالة الانقطاع المستديمة بين رأس الشرعية ومؤسساتها وأدواتها السلطوية السياسية والعسكرية والأمنية على الأرض.

يبدو العام المنقضي من عمر مجلس القيادة الرئاسي شاهداً على الانسحاب الكبير للسلطة الشرعية من مسؤوليتها الدستورية، فهي تحلق بوقود خفيف جداً، في فضاء الأزمة اليمنية، وتبتعد إلى الحد الذي تفتقد معه الرؤية الواضحة لتفاصيل المشهد على الأرض، وتكرس بهذا الابتعاد حالة الانقطاع المستديمة بين رأس الشرعية ومؤسساتها وأدواتها السلطوية السياسية والعسكرية والأمنية على الأرض
كان يعول على هذا المجلس، استناداً إلى الإعلان الدستوري، أن يقود عملية تفاوضية من منطلق القوة ووحدة الصف المزعوم، وأن يمتلك كافة الأدوات السياسية والمادية والعسكرية التي تمكنه من إنجاز سلام مع الانقلابيين تُستعاد به الدولة، أو يقود معركة عسكرية حاسمة لهزيمة المشروع الانقلابي الطائفي الذي يهدد مستقبل البلاد.

لكن الذي حدث هو أن نقل السلطة إلى مجلس قيادة رئاسي، لكم يكن الهدف منه سوى إحداث الشلل الذي نراه اليوم في هرم الشرعية، ممثلة بمجلس القيادة الرئاسي، وهو وضع تستغله السعودية بكفاءة للدخول في مسار تفاوضي منفصل ومغلق مع جماعة الحوثي وحلفائها الإقليميين، وصولاً إلى وضعية مطاطة من خفض التصعيد، تراهن من خلالها الرياض على نتائج التفاهم الإقليمي مع طهران في استئناس حليف الأخيرة في صنعاء، وتشجيعه للذهاب نحو تسوية سياسية يعاد من خلالها حقن مجلس القيادة الرئاسي بزعماء حرب جدد.

لا أحد بوسعه أن يجادل في الدوافع الحصرية لدولتي التحالف من التغيير الذي أتى بمجلس القيادة الرئاسي، فلقد مثّل هدفاً مشتركاً لكل من الرياض وأبو ظبي، للقطع مع السلطة التي أفرزتها ثورة الحادي عشر من فبراير، ورفع الغطاء الدستوري والقانوني عن معسكر الشرعية بشقيه السياسي والعسكري، الذي اتُهم باحتكار السلطة والتفرد بالقرار السياسي والعسكري، في حين أنه إنما يقاتل تحت مظلة الأهداف المعلنة للتحالف، وهي دحر الانقلاب واستعادة الشرعية، ومواصلة عملية الانتقال السياسي تأسيساً على قرارات مجلس الأمن واتفاق المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني.

وعلى عكس ما كان منتظراً لم تنشأ على إثر هذا التغيير جبهةٌ وطنيةٌ متحدةٌ في وجه الانقلاب والاعتداءات العسكرية المتواصلة لحلفاء إيران، بقدر ما تعززت التطلعات الانفصالية، لدى جانب مهم في معسكر الشرعية المتشظي، وتناسلت إلى مطالب أفقية تذهب باتجاه إعادة إحياء الكيانات السياسية التي ازدحمت بها الخارطة اليمنية في مرحلة ما قبل استقلال جنوب اليمن في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 1967.
لى عكس ما كان منتظراً لم تنشأ على إثر هذا التغيير جبهةٌ وطنيةٌ متحدةٌ في وجه الانقلاب والاعتداءات العسكرية المتواصلة لحلفاء إيران، بقدر ما تعززت التطلعات الانفصالية، لدى جانب مهم في معسكر الشرعية المتشظي، وتناسلت إلى مطالب أفقية تذهب باتجاه إعادة إحياء الكيانات السياسية التي ازدحمت بها الخارطة اليمنية في مرحلة ما قبل استقلال جنوب اليمن

القوات التي تواجه مسلحي الحوثي على الأرض، لا تزال تتموضع في قطاعات منفصلة، وباستثناء الجيش الوطني، فإن معظم هذه الفصائل غارقةٌ في قعر المقاولات والمشاريع السياسية والارتهان لطرفي التحالف، ولا تتصل مؤسسياً بقيادة وزارة الدفاع وهيئة رئاسة الأركان، ولا تعكس إرادة وطنية مشتركة ومتضامنة لأعضاء مجلس القيادة الرئاسي، ولا يمكن الاتكاء عليها في مواجهة حاسمة مع التهديد الأخطر للدولة اليمنية الذي يمثله حلفاء إيران في اليمن.

ورغم الأهمية الحيوية للجيش الوطني والمقاومة الشعبية، فإن القيادة السياسية والعسكرية للشرعية تستمر في التنصل عن واجباتها الشاملة تجاه هذا الجيش ورديفه المقاوم، اللذين يمثلان الدليل الوحيد على وجود هذه السلطة على الأرض.

خلال هذا العام أعاد زعماء الحرب المدعومين بسخاء من دولتي التحالف؛ التموضع في الإقطاعيات الممنوحة لهم، متكئين على نصيب وافر من ادعاء تمثيل الشرعية والتصرف باسمها، فكلهم تقريباً أعضاء في مجلس القيادة الرئاسي، في وقت تتعزز فيه القناعة بأن هذا المجلس وصل إلى مرحلة خطيرة من العجز بسبب التقاطع العبثي بين أهداف أعضائه، خصوصاً ممثل المجلس الانتقالي الجنوبي، وأن عملية منتظرة شبيهة بمشاورات الرياض تتحضر لفرز واقع سلطوي جديد ليس من المستبعد أن يستوعب جماعة الحوثي دون أي تغيير في خارطة الصراع أو النفوذ، أو المس الجوهري بالمشاريع السياسية لزعماء الحرب وتطلعاته الطائفية والانفصالية.

twitter.com/yaseentamimi68