نشر
موقع "
ناشيونال إنترست" مقالا لضابط المخابرات المتقاعد بول بيلار قال فيه
إنه في الرقصة الدبلوماسية المستمرة التي تضم "
إسرائيل" والسعودية، يبدو
أن إدارة بايدن قد فقدت الوعي بمصالح الولايات المتحدة وأين تقع.
لقد
أوضحت الإدارة أنها تود أن ترى هذين البلدين يوسعان علاقاتهما، ويفضل أن تشمل العلاقات
الدبلوماسية الكاملة، ومن الواضح أنهما يشكلان جزئيا سياستها تجاه
السعودية مع وضع
هذا الهدف في الاعتبار. لكن إسرائيل والسعودية تتعاونان بالفعل على نطاق واسع، بما
في ذلك في المسائل الأمنية الحساسة. ومهما كانت الفوائد العملية التي يمكن أن تنجم عن
مثل هذا التعاون، فإنه يتم جنيها بالفعل. إن أهمية أي ترقية للعلاقات الدبلوماسية الطبيعية
ستكون رمزية في الغالب، ما يؤدي إلى التساؤل عن ما يمكن أن يرمز إليه هذا التطور بالضبط.
السبب
الوحيد لعدم إقامة معظم الدول العربية علاقات دبلوماسية كاملة مع "إسرائيل"
هو استمرار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بما في ذلك الاحتلال الإسرائيلي واستعمار
الأراضي الفلسطينية وإنكارها حق تقرير المصير والحقوق السياسية للفلسطينيين. ويبقى الموقف
الرسمي لجامعة الدول العربية أن العلاقات الطبيعية بين الدول العربية وإسرائيل ستتبع
حلا عادلا لذلك الصراع. على الرغم من أن بعض الدول قد خرجت عن هذا الإجماع، إلا أن
السعودية لم تفعل ذلك. ومن الواضح أن هذه القضية هي أحد جوانب السياسة السعودية التي
استمر الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود في تأكيد سلطته عليها وعدم الانصياع الكامل
لابنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وبالتالي،
فإن ما يمكن أن ترمز إليه إقامة علاقات دبلوماسية بين "إسرائيل" والسعودية،
في غياب تغيير جوهري في السياسة الإسرائيلية، هو قدرة تل أبيب على التمتع بعلاقات طبيعية
مع دول الجوار على الرغم من استمرار احتلالها وعدم حل النزاع الفلسطيني أبدا. المستفيد
الوحيد من هذه الرمزية هو حكومة نتنياهو اليمينية. إنها هدية "امتلك كعكة وتناولها"
(أو لديك علاقات دبلوماسية والضفة الغربية) كانت تتوق إليها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة
منذ فترة طويلة.
لن يستفيد
أي شخص آخر. من الواضح أن الفلسطينيين لن يفعلوا ولا الدول العربية الأخرى، ناهيك عن
أي مدفوعات جانبية تتلقاها لمنح مثل هذه الهدية. كما أن قضية السلام والاستقرار في
الشرق الأوسط لن تكون مستفيدة.
وبالتأكيد فإنها لن تستفيد الولايات المتحدة. ومن خلال تقليص أي حافز إسرائيلي لحل النزاع المتفاقم مع
الفلسطينيين، فإن مثل هذا التطور سيكون مخالفا لمصالح الولايات المتحدة من خلال إطالة
أمد مصدر التوتر والاستياء على مستوى المنطقة والذي ترتبط فيه الولايات المتحدة عادة
بالأفعال الآثمة الإسرائيلية.
إن أي
إقامة علاقات دبلوماسية سعودية إسرائيلية ستتبع ما يسمى بـ"اتفاقيات أبراهام"،
التي رفعت فيها البحرين والمغرب والإمارات من مستوى علاقاتها مع تل أبيب. وروجت إدارة
ترامب بشدة أنها "اتفاقيات سلام"، ولم يكن هذا التطوير شيئا من هذا القبيل. ومثل السعودية، لم تكن هذه الدول العربية في حالة حرب مع "إسرائيل" وحافظت
بالفعل على تعاون أمني مكثف وغير ذلك من التعاون معها.
وتقدم
الأحداث منذ ذلك التطوير للعلاقات تذكيرا بأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، مع كل الآلام
وعدم الاستقرار المرتبطة به، لن يزول بغض النظر عن عدد الاتفاقات الدبلوماسية التي
تم التوصل إليها مع الدول العربية. وإن تصاعد العنف الإسرائيلي الفلسطيني كان العام الماضي
الأكثر دموية للإسرائيليين منذ عام 2015 والأكثر دموية بالنسبة للفلسطينيين، الذين
قتلت القوات الإسرائيلية منهم 146 شخصا في الضفة الغربية والقدس، منذ أن بدأت الأمم
المتحدة بالاحتفاظ بسجلات لمثل هذا العنف في عام 2005.
لكن
يبدو أن المتشددين الإسرائيليين، الذين ربما شجتعهم صفقة
التطبيع دون مقابل التي تتسم
بها "اتفاقات أبراهام"، ما زالوا يعتقدون أن الصراع يمكن بطريقة ما تهميشه
أو نسيانه. وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، الذي تشمل مسؤولياته أيضا إدارة
الضفة الغربية، قال قبل أيام إنه "لا يوجد شيء اسمه شعب فلسطيني". (قد يسأل
المرء سموتريتش - الذي علق مؤخرا أيضا على أنه يجب على إسرائيل "محو" بلدة
حوارة بالضفة الغربية - إذا لم يكن هناك شيء اسمه الشعب الفلسطيني، فمن الذين يعيشون في البلاد ليتم القضاء عليهم؟).
لم يؤد
التحسين السابق للعلاقات بين تل أبيب والإمارات والبحرين إلى استمرار وتفاقم الصراع
الإسرائيلي الفلسطيني فحسب، بل أدى أيضا إلى استمرار التوترات وزيادة حدة خطوط الصراع
في الخليج. وتعتبر إسرائيل هذه العلاقات مع دول الخليج العربية تحالفا عسكريا مناهضا
لإيران. ويخدم هذا الإطار، وما يرافقه من صخب الحرب الإسرائيلي، هدف الحكومة الإسرائيلية
المتمثل في إدامة العداء والتوتر مع إيران. ويخدم التوتر الدائم مع إيران بدوره الأغراض
الإسرائيلية المتمثلة في إلقاء اللوم على إيران في كل شيء غير مرغوب فيه في الشرق الأوسط،
وإضعاف خصم محتمل للنفوذ الإقليمي، وإعاقة أي تقارب بين الولايات المتحدة وإيران، وتحويل
الانتباه الدولي عن سلوك تل أبيب.
كل هذا
يتعارض مع مصالح الولايات المتحدة. وللولايات المتحدة مصلحة في تخفيف التوترات في منطقة
الخليج العربي وليس إدامتها أو زيادتها. والتوترات المتصاعدة في تلك المنطقة تخاطر بتعطيل
أسواق الطاقة العالمية، وتخاطر بجر الولايات المتحدة إلى صراع مسلح، وعرقلة الدبلوماسية
اللازمة لكبح أو السيطرة على السلوك المدمر المحتمل من قبل دول المنطقة، بما في ذلك
إيران.
وأدى
الضغط القوي الذي قامت به إدارة ترامب على الدول العربية لرفع مستوى العلاقات مع تل
أبيب إلى تكلفة جانبية مضرة. مع الإمارات، شمل ذلك بيع طائرات مقاتلة من طراز F-35، وهي خطوة تشجع على تسارع سباق التسلح في الخليج العربي. بالنسبة
للمغرب، كانت التكلفة الجانبية هي التخلي عن الحياد الأمريكي بشأن نزاع الصحراء الغربية،
وهي خطوة زادت من حدة التوترات بين المغرب والجزائر وعقدت الجهود الدولية لحل النزاع.
الآن
مع السعودية، مثل هذا السيناريو يهدد بإعادة السيناريو. وبحسب التقارير يتفاوض المسؤولون
الأمريكيون مع الرياض حول تحسين العلاقات مع تل أبيب، حيث يطالب السعوديون بمطالب تشكل
ثمن موافقتهم على مثل هذه الخطوة. إن تلبية هذه المطالب المذكورة في التقارير تتعارض
مع مصالح الولايات المتحدة ومصالح الاستقرار والأمن الإقليميين.
يريد
السعوديون قيودا أقل على استخدامهم للأسلحة الأمريكية الصنع، والتي قد تكون ترخيصا
لهذا النوع من السلوك السعودي المزعزع للاستقرار الذي تجلى بشكل واضح في الحرب الجوية
السعودية المدمرة للغاية في اليمن.
إنهم
يريدون ضمانات أمنية إضافية من الولايات المتحدة، والتي من شأنها أن تهدد بجر الولايات
المتحدة إلى التواطؤ في مثل هذا السلوك، كما حدث بالفعل إلى حد كبير مع الحرب في اليمن.
ويريد السعوديون المساعدة في بناء برنامج نووي، والذي من شأنه أن يزيد المخاوف بشأن
الانتشار النووي في المنطقة بطريقة - على عكس برنامج إيران على الجانب الآخر من الخليج
- سيكون لها مشاركة أمريكية مباشرة.
حتى
لو كان ما تقدمه السعودية في المقابل في مصلحة الولايات المتحدة، فمن المحتمل أن
يكون ما يتم صياغته صفقة سيئة. حقيقة أن ما سيفعله السعوديون هو مجرد شيء يريده نظام
أجنبي مختلف، وليس شيئا من شأنه تعزيز المصالح الأمريكية، يعني أنه لا يوجد سبب حتى
للنظر في الصفقة.
بشكل
عام، كلما تحدثت دول الشرق الأوسط مع بعضها البعض عبر القنوات الدبلوماسية العادية،
زاد احتمال أن تكون المنطقة سلمية ومستقرة. لكن لا يعزز الاستقرار أن يتم تمويه الاتفاقات
المعادية لإيران والفلسطينيين على أنها اتفاقيات "سلام". إن قيام الولايات
المتحدة بتشجيع مثل هذا الانقسام يديم النزعة المانوية التي تعيق نفسها بنفسها والتي
تمنع الولايات المتحدة من أن تكون صانع سلام حقيقيا.
منع
هذا الجانب من السياسة الأمريكية - الذي ميز العديد من الإدارات الأمريكية - الولايات
المتحدة من لعب هذا النوع من دور صنع السلام البناء الذي قامت به الصين مؤخرا في التوسط
في استعادة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية. وبالنظر إلى الطبيعة السامة للعلاقة
السعودية الإيرانية في السنوات الأخيرة، والتي شكلت الخط الرئيسي للصراع في الخليج
وتضمنت نزاعا مسلحا بالوكالة كما هو الحال في اليمن وبشكل أكثر مباشرة، فإن ما أنجزه
الصينيون كان تخفيف توتر حقيقي وتحرك نحو السلام. وإدارة بايدن رحبت بالاتفاق وإن كان
بحذر.
فلماذا
تسعى الإدارة إلى صفقة غير بناءة تتضمن شراء السعوديين حتى تلبي رغبات تل أبيب؟ قد
يكون ذلك جزئيا انطلاقا من تصور كان صالحا في يوم من الأيام، ولكنه عفا عليه الزمن
الآن بأن أي توسع في العلاقات بين تل أبيب ودول الشرق الأوسط الأخرى من شأنه أن يشكل
حقا تحركا نحو السلام. قد يكون هذا جزئيا محاولة لمطابقة ما زعمت إدارة ترامب أنها
أنجزته مع "اتفاقات أبراهام". في الغالب، ربما يعكس ذلك العادة السياسية
الأمريكية المتمثلة في مساواة دعم أهداف الحكومة الإسرائيلية بكونها "مؤيدة لإسرائيل"،
ومساواة ذلك بمكون ضروري للنجاح الانتخابي.
حتى
على مستوى السياسات البسيطة، فإن ما يحدث مع "إسرائيل" والسعودية يجب أن
يدفع البيت الأبيض، بما في ذلك المستشارون السياسيون للرئيس، نحو وقفة وتفكير. ليس
فقط أن كلا البلدين يظهران ميلا إلى غرس إصبع في عين الولايات المتحدة على الرغم من
كل المزايا التي منحتها الولايات المتحدة لهما. لقد فعلوا الشيء نفسه مع جو بايدن شخصيا،
من خلال الازدراء والجهود لإحراجه.
يعكس
مثل هذا السلوك التدخل غير المبرر في السياسة الأمريكية من قبل كل من "إسرائيل"
والسعودية في اتجاه مؤيد للجمهوريين لا سيما ترامب.
إن محاولة
الإدارة الحالية لشراء ترقية للعلاقات بين هذين البلدين ليست مجرد سياسة سيئة، إنها
أيضا سياسة غريبة.