نشرت صحيفة "
الإندبندنت" تقريرا للصحفيين عامر مضاني
وماثيو لي وإلين نيكماير قالا فيه؛ إن
السعودية أبرمت في غضون أيام اتفاقيتين مهمتين مع القوتين الرائدتين في العالم، حيث وقعت صفقة بوساطة صينية، تهدف إلى
استعادة العلاقات الدبلوماسية مع عدوها اللدود
إيران، وأعلنت عن عقد ضخم لشراء
طائرات تجارية من شركة بوينغ الأمريكية المصنعة.
أثار الإعلانان تكهنات بأن السعوديين كانوا يضعون بصماتهم كقوة
اقتصادية وجيوسياسية مهيمنة، تتمتع بالمرونة لوضع بكين وواشنطن في مواجهة بعضهما بعضا. كما قاموا بوضع
الصين في دور قيادي غير مألوف في سياسات الشرق الأوسط، وأثاروا تساؤلات حول ما إذا كانت العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية -الفاترة خلال معظم العامين الأولين من ولاية الرئيس جو بايدن- قد وصلت إلى
انفراج.
ولكن، مع قيام إدارة بايدن بتقييم اللحظة، يقاوم المسؤولون فكرة أن
التطورات ترقى إلى تحول في ديناميكيات المنافسة بين الولايات المتحدة والصين في
الشرق الأوسط.
يسخر البيت الأبيض من فكرة أن صفقة الطائرات الكبيرة تشير إلى تغيير
كبير في وضع علاقات الإدارة مع الرياض، بعد انتقادات بايدن الشديدة في وقت مبكر من
رئاسته لسجل حقوق الإنسان للسعوديين، وخطوة أوبك بلس النفطية التي قادتها السعودية
لخفض الإنتاج العام الماضي.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، عن
علاقة الولايات المتحدة بالسعودية: "نتطلع هنا إلى الأمام في محاولة التأكد
من أن هذه الشراكة الاستراتيجية، تدعم حقا بكل طريقة ممكنة مصالح أمننا القومي هناك
في المنطقة وحول العالم". وتحدث بعد أن أعلنت شركة بوينغ هذا الأسبوع أن
السعوديين سيشترون ما يصل إلى 121 طائرة.
لكن مشاركة الصين في تسهيل استئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران
والسعودية وعقد بوينغ الرئيسي، -وهو العقد الذي قال البيت الأبيض إنه دعا إليه-، أضاف تطورا جديدا لعلاقة بايدن المتوترة مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن
سلمان.
كمرشح للبيت الأبيض، تعهد بايدن بأن يدفع الحكام السعوديون
"ثمنا" تحت إشرافه لقتل الصحفي المقيم في الولايات المتحدة جمال خاشقجي،
في عام 2018.
الآن، يبدو أن واشنطن والرياض عازمتان على المضي قدما، وفي الوقت
الذي تنخرط فيه الصين على الأقل في دبلوماسية أكثر حزما في الشرق الأوسط.
أبقى المسؤولون السعوديون الولايات المتحدة على اطلاع دائم بشأن حالة
المحادثات بين إيران والسعودية بشأن استئناف العلاقات الدبلوماسية منذ أن بدأت قبل
عامين تقريبا، وفقا للبيت الأبيض.
وتم إحراز تقدم كبير خلال عدة جولات من المحادثات السابقة التي
استضافتها العراق وسلطنة عمان، قبل وقت طويل من الإعلان عن الصفقة في الصين
الأسبوع الماضي خلال المؤتمر الشعبي الوطني للبلاد.
على عكس الصين، لا تقيم الولايات المتحدة علاقات دبلوماسية مع إيران، ولم تكن طرفا في المحادثات.
كانت العلاقة بين إيران والسعودية مشحونة تاريخيا، وظللها الانقسام
الطائفي والمنافسة الشرسة في المنطقة. قطعت العلاقات الدبلوماسية في عام 2016 بعد
أن أعدمت السعودية رجل الدين الشيعي البارز نمر النمر.
اقتحم المتظاهرون في طهران السفارة السعودية، وتعهد المرشد الأعلى
الإيراني آية الله علي خامنئي بـ "الانتقام الإلهي" لإعدام النمر.
وقال مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان في وقت سابق من
هذا الأسبوع؛ إن الصين "تسير في الاتجاه نفسه"، من خلال عملها على تهدئة
التوترات بين دول الخليج العربية التي تخوض حروبا بالوكالة في اليمن وسوريا ولبنان
والعراق منذ سنوات.
وقال سوليفان: "هذا شيء نعتقد أنه إيجابي بقدر ما يروج لما تروج
له الولايات المتحدة في المنطقة، وهو خفض التصعيد وتقليل التوترات".
لكن مسؤولي البيت الأبيض في السر يشككون في قدرة الصين ورغبتها في أداء دور في حل بعض أزمات المنطقة الأكثر صعوبة، بما في ذلك الحرب الطويلة
والكارثية بالوكالة في اليمن.
استولى الحوثيون المتحالفون مع إيران على العاصمة اليمنية صنعاء عام
2014، وأجبروا الحكومة المعترف بها دوليا على النفي إلى السعودية. دخل تحالف تقوده
السعودية مسلح بالأسلحة والمعلومات الاستخبارية الأمريكية الحرب إلى جانب الحكومة
اليمنية في المنفى في عام 2015.
خلقت سنوات من القتال غير الحاسم كارثة إنسانية، ودفعت أفقر دولة في
العالم العربي إلى حافة المجاعة. بشكل عام، قتلت الحرب أكثر من 150 ألف شخص، من
بينهم أكثر من 14500 مدني، وفقا لمشروع بيانات موقع النزاع المسلح وبيانات
الأحداث.
انتهى وقف إطلاق النار لمدة ستة أشهر، وهو الأطول في الصراع اليمني،
في تشرين الأول/ أكتوبر، لكن إيجاد سلام دائم يعد من بين أعلى أولويات
الإدارة في الشرق الأوسط. يزور المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تيم ليندركينغ
السعودية وسلطنة عمان هذا الأسبوع، في محاولة للبناء على الهدنة التي توسطت فيها
الأمم المتحدة، والتي جلبت قدرا من الهدوء إلى اليمن في الأشهر الأخيرة، وفقا
لوزارة الخارجية.
انقضت بكين على المحادثات الإيرانية السعودية في الوقت الذي كانت فيه
الثمرة بالفعل "تنضج على الكرمة"، وفقا لأحد كبار مسؤولي الإدارة الستة
الذين تحدثوا إلى وكالة أسوشيتيد برس، شريطة عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة مداولات
البيت الأبيض الخاصة.
تزامن الإعلان الإيراني السعودي مع منح الزعيم الصيني شي جين بينغ
ولاية ثالثة، مدتها خمس سنوات كرئيس للبلاد.
وأضاف المسؤول أنه إذا كان بإمكان الصين أن تؤدي "دورا
معززا" في إنهاء الأعمال العدائية في اليمن، فإن الإدارة ستعتبر ذلك شيئا
جيدا. لكن كلا من البيت الأبيض والمسؤولين السعوديين ما زالوا متشككين بشدة في
نوايا إيران في حرب اليمن، أو التصرف على نطاق أوسع، كقوة استقرار في المنطقة.
حتى الآن، أظهرت الصين، التي لها مقعد في مجلس الأمن التابع للأمم
المتحدة، القليل من الاهتمام بالصراع اليمني أو سوريا أو الوضع الإسرائيلي
الفلسطيني، وفقا لمسؤولي الإدارة. ومع ذلك، دعا شي هذا الأسبوع الصين إلى أداء دور
أكبر في إدارة الشؤون العالمية، بعد أن سجلت بكين انقلابا دبلوماسيا بالاتفاق
الإيراني السعودي.
وقال نائب سفير الصين لدى الأمم المتحدة، قنغ شوانغ، أمام مجلس الأمن
الدولي يوم الأربعاء: "لقد ضخت عنصرا إيجابيا في مشهد السلام والاستقرار
والتضامن والتعاون في المنطقة. ونأمل أن تخلق أيضا ظروفا مواتية لتحسين الوضع في
اليمن".
قال مسؤولو الإدارة؛ إن بكين أبدت اهتماما متواضعا بإحياء الاتفاقية
النووية الإيرانية المكونة من سبعة أطراف -التي وقعت عليها-، والتي سحب الرئيس
دونالد ترامب الولايات المتحدة منها في عام 2018. وعلقت إدارة بايدن الجهود لإحياء
الاتفاق النووي الخريف الماضي، بعد اندلاع الاحتجاجات في إيران بعد وفاة مهسا أميني، البالغة من العمر 22 عاما في حجز الشرطة؛ بزعم انتهاكها لباس المرأة الصارم في
إيران.
من المؤكد أن الصين -وهي عميل رئيسي لكل من النفط الإيراني والسعودي-، تعمل بشكل مطرد على زيادة نفوذها السياسي الإقليمي. وسافر شي إلى الرياض في
كانون الأول/ ديسمبر، واستقبل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في بكين الشهر الماضي.
لكن مايلز يو، مدير مركز الصين في معهد هدسون، قال؛ إن دعوة شي إلى أن
يكون لاعبا أكثر نشاطا على المسرح الدول،ي ستتطلب من بكين تغيير نهجها بشكل كبير.
قال يو، الذي عمل مستشارا لوزير الخارجية مايك بومبيو خلال إدارة
ترامب: "المبادرات الدبلوماسية الصينية تستند إلى شيء واحد: المال". لقد
كونوا صداقات في أفريقيا وآسيا، لكن في الغالب كان ذلك من المال. هذا النوع من
المعاملات لا يؤسس لصداقة دائمة".
أشار السناتور كريس مورفي، وهو ديمقراطي من ولاية كناتيكيت ومنتقد
دائم للسعودية، إلى أن كل خطوة تتخذها الصين للانخراط بشكل أعمق مع الشرق الأوسط، تضر بالضرورة بالولايات المتحدة.
قال مورفي: "لكن ربما يكون صحيحا أن الصين يجب أن تتحمل جزءا من
تكلفة تأمين النفط الذي، بصراحة، ربما يكون أكثر أهمية بالنسبة لهم من الولايات
المتحدة على المدى الطويل. أعتقد أن الصين قد استفادت من كونها متطفلا مجانيا على
الاستثمارات الأمنية الأمريكية في المنطقة لفترة طويلة".
قال مسؤولو الإدارة؛ إن البيت الأبيض ليس قلقا بشكل خاص في الوقت
الحالي بشأن قيام السعوديين بإعادة توجيه أنفسهم نحو الصين لعدة أسباب، بما في ذلك
أن نظام الدفاع السعودي بأكمله يعتمد على أسلحة ومكونات أمريكية. وأضاف المسؤولون
أن الأمر سيستغرق السعوديين عقدا على الأقل للانتقال من أنظمة الأسلحة الأمريكية
إلى أنظمة موجهة روسية أو صينية.
قال ليزلي جانكا، الرئيس السابق لشركة ريثيون للنظم العربية، الذي
قضى سنوات من العيش في المملكة؛ إن اعتماد السعودية على أنظمة الأسلحة الأمريكية
الصنع والوجود العسكري والتجاري الأمريكي في المملكة -يعيش حوالي 70 ألف أمريكي
هناك-، قد أدى دورا كبيرا في العلاقة التي نجت من اللحظات الصعبة على مر السنين.
وقال جانكا؛ إن الأمر سيستغرق "قدرا لا يُصدق من الجهد لتفكيكه،
بالنظر إلى الاعتماد على الأسلحة الأمريكية، والتكنولوجيا الأمريكية، والتدريب
الأمريكي، وكل ما يتعلق بها".