نقلت تقارير إخبارية الأسبوع المنصرم أنّ
السعودية قررت المضي قدماً
في استعادة علاقاتها مع نظام الأسد، وقد أكّدت قناة الإخبارية السعودية أنّ وزارة
الخارجية بدأت الإجراءات المتعلقة باستئناف
العلاقات مع النظام السوري، وذلك بعد
قطيعة تزيد على العقد من الزمن على خلفية الثورة السورية. ونقل تقرير لرويترز عن
مصدر لم يسمه قوله إنّ الطرفين يستعدان لاستئناف علاقاتهما الدبلوماسية وفتح
السفارتين بعد عيد الفطر.
يأتي هذا التطور في أعقاب الاتفاق الإيراني ـ السعودي على استئناف
العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين والذي تمّ برعاية صينية في وقت فائت من هذا
الشهر، ومن المنتظر أن يترك تداعيات على أكثر من جبهة وصعيد. وفقاً لبعض التقارير،
فقد أفسح الاتفاق الإيراني-السعودي المجال للمسؤولين الأمنيين في نظام الأسد وهما
رئيس مكتب الأمن القومي علي المملوك، ومسؤول أمن القصر الجمهوري أحمد خدّام
بالإجتماع مع رئيس الاستخبارات العامة السعودي خالد الحميدان في الرياض.
تلا ذلك زيارة قام بها حسام لوقا، رئيس لجنة المخابرات السورية والذي
أمضى بحسب بعض المعلومات بضعة أيام في السعودية لمعالجة بعض الملفات ذات الصلة
بأمن السعودية كتهريب المخدرات وحبوب الكبتاغون من
سوريا الى الرياض عبر دول أخرى
أو عبر البحر. لكن وفقاً لبعض التقارير، فانّ ماهر الأسد، قائد الفرقة الرابعة
المحسوبة على إيران في سوريا، هو الذي زار الرياض لبحث الملفات ذات الطابع الأمني
والمرتبطة بمكافحة دمشق لعمليات تهريب المخدرات وتصنيعها، إضافة إلى ضبط الحدود مع
الأردن والدول المجاورة.
بغض النظر عن طبيعة، وظيفة أو مرتبة شخصيات نظام الأسد التي زارت
الرياض مؤخرا، إلاّ أنّ المؤكّد أنّ الرياض إستقبلت أزلام النظام وأنهت القطيعة.
وبالرغم من أنّ البعض يبدو متفاجئاً، إلاّ انّ هذا التطور كان مجرّد تحصيل حاصل،
ذلك أنّ السعودية كانت قد تراجعت عن موقفها الأساسي الداعم للثورة السورية في
منتصف العام 2016 على أبعد تقدير. ومع مجيئ إدارة ترامب في الولايات المتّحدة
الامريكية، كان من الواضح أنّ السياسة السعودية تجاه نظام الأسد قد أصبحت متناغمة
الى حد كبير مع سياسة الامارات ومصر التي تريد إعادة احياء نظام الأسد.
في منتصف العام 2017، إختلق الرباعي بقيادة السعودية ازمة خليجية
وفرض حصاراً على قطر، دافعاً الدول العربية الى انقسامات بينية كبيرة، وكان لهذه
الازمة أثرها على الوضع السوري، والمعارضة السورية. وقد سرّع الرباعي من عملية
التطبيع مع نظام الأسد على أكثر من صعيد. في مارس من العام 2018، أكّد ولي العهد
محمد بن سلمان في مقابلة له مع التايمز الامريكية أنّ الأسد باقٍ. وبالرغم من أنّ
السعودية لم تُظهر تطبيعاً علنياً مع النظام كما فعلت الامارات والبحرين نهاية
العام 2018، إلاّ أنّ سكوتها على التطبيع البحريني كان بمثابة مؤشر على الموقف
السعودي الحقيقي.
الصفقات التي عُقدت مع إيران وروسيا لاسيما من قبل إدارة أوباما، مهدت الطريق للنتائج التي نراها اليوم. موقف واشنطن غير الجاد في إنفاذ العقوبات على نظام الأسد، الميليشيات التابعة له، وحلفائه فضلاً عن حلفائها الذين يطبعون معه فتح الطريق واسعاً أمام الآخرين للإنضمام.
في العام 2019، استقبلت السعودية علي مملوك، رئيس مكتب الأمن القومي،
تلاه انفتاح سعودي علني على استقبال وفود من قبل نظام الأسد تحت شعارات مختلفة
منها إتحاد الصحفيين، وغرف التجارة، وغيرها. كما توقفت وسائل الإعلام السعودية عن
انتقاد نظام الأسد، بل إنّ بعضها دعا إلى التطبيع علناً. وفي العام 2021، بدأت
السعودية تتحدث عن تطبيع تحت يافطة "الحل السياسي"، على امل أن يبتعد
نظام الأسد عن إيران. اليوم، يجري التطبيع تحت يافطة محاربة تصدير المخدرات
والمحافظ على الامن والاستقرار وإعادة تفعيل مقعد سوريا في الجامعة العربية.
وفي حين يمكن فهم (وليس تفهّم) التوجه الاماراتي والمصري تجاه نظام
الأسد، لا يمكن لعاقل تفسير التحرّك السعودي في هذا الصدد، خاصّة انّ الأسد كان قد
اهان السعوديين مراراً وتكراراً، وفي كل مرّة كان يفعل ذلك كان السعوديون يعودون
الى وصل ما انقطع تحت وهم إمكانية إبعاد او فصل نظام الأسد عن إيران. في أغسطس من
العام ٢٠٠٦، وصف الأسد بعض حكّام الخليج بـ"أشباه رجال" كبديل. فُهِمَ
من كلامه هذا بأنّه كان يقصد السعودية على وجه التحديد، وذلك نظراً لموقفها
المتعارض آنذاك مع النظام السوري حول جملة من الملفات الإقليمية.
دمّرت هذه التصريحات العلاقة حينها مع السعودية خاصة أنّ نظام الأسد
كان قد وجّه عدّة ضربات للسعودية مع اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري، وعدد
من حلفاء المملكة في بيروت ناهيك عن الضربات التي حيكت ضد الرياض على خلفية حرب
لبنان عام 2006. وبعد أقل من أربع سنوات
على هذه الإهانة، أقّلت طائرة ملكيّة سعودية الملك -الراحل- عبد الله والرئيس
السوري بشار الأسد إلى لبنان في مشهد استثنائي.
حاولت السعودية آنذاك تسويق هذا المشهد على أنّه محاولة لتهدئة
الخواطر والحفاظ على أمن واستقرار لبنان، فيما قرأه المعسكر الآخر على أنّه انتصار
له ولموقفه الثابت الذي اضطر السعوديين ـ مرّة أخرى ـ إلى التراجع والانحناء أمام
نظام الأسد بالرغم من كل ما فعله بحقّهم. اليوم، يتكرر نفس المشهد لكن في ظروف
مختلفة. بعد سنوات من موقف وزير الخارجية –الراحل- سعود الفيصل. ما سيفعله الأسد
ومن ورائه إيران لا يعود كونه تلاعباً بالسعودية. سيستفيد الطرفان من إنفتاح
السعودية ويبنيان عليه شرعية عربية وربما يتم تمويل نظام الأسد أيضاً تحت عناوين
مختلفة، ثمّ نعيد الكرّة مرّة أخرى.
متى سنتعلم؟ ليس من الواضح. لكن هناك من يلوم الأمريكيين أيضاً على
هذا الوضع، ويجادل هؤلاء بأنّه لولا موقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة ومن خلفهم
إسرائيل (وليس إيران أو روسيا)، لما كان الأسد قد استطاع الصمود حتى الآن. الصفقات
التي عُقدت مع إيران وروسيا لاسيما من قبل إدارة أوباما، مهدت الطريق للنتائج التي
نراها اليوم. موقف واشنطن غير الجاد في إنفاذ العقوبات على نظام الأسد، الميليشيات
التابعة له، وحلفائه فضلاً عن حلفائها الذين يطبعون معه فتح الطريق واسعاً أمام
الآخرين للإنضمام.
أياً يكن الأمر، فمن الواضح أنّ الشعب السوري لا يزال الخاسر
الأكبر فضلاً عن حقيقة أنّ عدم معالجة جذور الأزمة يهدد بعودتها عاجلاً أم آجلاً.