نجح تيار المعارضة في
نقابة الصحفيين المصريين في قلب الطاولة على مرشح
السلطة، واقتناص منصب النقيب وأربعة مقاعد من أصل ستة مقاعد في انتخابات التجديد
النصفي، حيث تنافس 11 مرشحا على مقعد النقيب، و40 مرشحا على نصف مقاعد المجلس.
أعلنت اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات، مساء الجمعة، فوز
الكاتب الصحفي خالد البلشي بمنصب نقيب الصحفيين، بحصوله على 2450 صوتا، فيما حصل
منافسه رئيس تحرير صحيفة الأخبار اليومية المملوكة للدولة، خالد ميري، على 2211
صوتا.
البلشي، المحسوب على تيار 25 يناير داخل نقابة الصحفيين، رئيس تحرير
موقع (درب) المحجوب من قبل السلطة، تابع لحزب التحالف الشعبي الاشتراكي
المعارض، وسبق له أن تبوأ منصب رئيس التحرير في 3 مواقع أخرى، هي (البداية) و(البديل)
و(الكاتب)، وقامت السلطات المصرية بحجبها جميعا، ليصبح أول رئيس لنقابة الصحفيين
من مواقع "محجوبة".
إلى جانب فوز البلشي، فاز أربعة من تيار الاستقلال الداعمين للبلشي في
معركته وبرنامجه الانتخابي، وهم هشام يونس وحصد 2094 صوتا، وجمال عبد الرحيم وحصل
على 2074 صوتا، ومحمود كامل وفاز بمجموع 2299 صوتا، ومحمد الجارحي ونجح بـ2015
صوتا.
تيار يناير الصحفي
وقاد تيار الاستقلال داخل نقابة الصحفيين معركته الانتخابية للدفاع
عن "الكارنية" ضد "الجنيه"، في إشارة إلى حرية وكرامة الصحفيين بعيدا عن مساومات الدولة، فيما دأب الفريق الآخر المحسوب على الدولة إلى الترويج
إلى زيادة البدل الصحفي (أجر صحفي شهري يحصل عليه كل صحفي نقابي).
ومن أجل دعمه في معركته الانتخابية، وافقت الحكومة للمنافس خالد ميري
على زيادة البدل 600 جنيه، وقال في تصريحات صحفية قبل أسبوعين إنه حصل أعلى زيادة
في تاريخ البدل الصحفي، بعد موافقة وزارة المالية على أعلى زيادة في تاريخ البدل
الصحفي، (الدولار يساوي 31 جنيها).
جائزة نيلسون مانديلا
ويعمل البلشي على برنامج طموح يتعلق بالحقوق والحريات، وهو الذي أطلق
حملة "الصحافة ليست جريمة" عندما كان رئيسا للجنة الحريات في النقابة في
2016، ولاقت تفاعلا واسعا منقطع النظير بين منظمات المجتمع المدني والعمل الصحفي.
وتوجت جهود البلشي بفوزه بجائزة "نيلسون مانديلا" الدولية
للمدافعين عن حقوق الإنسان لعام 2017، والتي تقدمها شبكة "سيفيكوس"
العالمية التي تضم 200 منظمة مجتمع مدني ومئات النشطاء الحقوقيين في جميع أنحاء
العالم، باسم الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا وزوجته غراسا ميشيل، وتم
اختياره من بين 300 مرشح حول العالم.
ووصف البلشي الجائزة حينها بأنها "ستظل (الجائزة) رسالة تقدير
ليس لي وحدي، ولكن لكل المدافعين عن حرية الصحافة في مصر".
وفي آذار / مارس 2017، قضت محكمة مصرية بحبس نقيب الصحفيين الأسبق يحيى
قلاش والعضوين خالد البلشي وجمال عبد الرحيم لمدة عام مع إيقاف التنفيذ؛ لاتهامهم بإيواء
مطلوبين أمنيا، وهما صحفيان (عمرو بدر، محمود السقا) كانت تلاحقهم قوات الأمن.
كيف قلب تيار الاستقلال الطاولة
طرحت هزيمة تيار السلطة وفوز تيار المعارضة تساؤلات: كيف
تحولت الانتخابات من نتائج محسومة إلى قلب الطاولة ونجاح مرشح المعارضة؟ وما الذي
غير ولاءات الصحفيين من اختيار البدل (زيادة الأجر) إلى اختيار مرشح مستقل بأجندة
تتعلق بالحقوق والحريات؟
في تقديره، يقول الأمين العام المساعد للمجلس الأعلى للصحافة سابقا،
قطب العربي، إن "انتخابات نقابة الصحفيين جرت في أجواء قمع عامة شملت حرية
الصحافة بشكل خاص، وفي ظل اعتقال عدد كبير من الصحفيين وحجب مئات المواقع وتأميم
الإعلام، ومع ذلك فإن نتائجها مثلت مفاجأة لأكثر المتفائلين، بل مثلت ما يشبه
الانقلاب الديمقراطي، حيث جرى انتخاب نقيب معارض بالتصنيف السياسي، وغالبية من
المستقلين في التجديد النصفي لمجلس النقابة ليكون المشهد النهائي نقيب داعم
للحريات ومعه نصف المجلس على الأقل في الخط ذاته، على خلاف الوضع في المجلس السابق
الذي كان يضم نقيب وأغلبية كبيرة داعمة للسلطة".
وأوضح لـ"عربي21": "من الواضح أن حالة الغضب الشعبي
العام ضد النظام كان لها نصيب كبير داخل الوسط الصحفي، الذي يعاني بدوره من
المشاكل الاقتصادية، والتي دفعت الكثيرين للعمل في مهن لا تليق بالصحفيين مثل سائقي
الأجرة وخدمات توصيل الطلبات، وهذه الروح الغاضبة وجدت فرصتها للتعبير عن نفسها والثأر
لكرامتها في هذه الانتخابات بالتصويت لمن رفعوا شعارات الكرامة والحرية والتصويت
العقابي ضد مرشحي السلطة في رسالة لا تخطئها عين".
واستدرك العربي قائلا: "ولم يشفع لمرشح السلطة ما قدمه من وعود
بزيادة البدل النقدي وبعض الخدمات الأخرى؛ لأنها في المحصلة لا تساوي شيئا في
مواجهة الوضع البائس الذي يعيشه
الصحفيون ومهنتهم، لا شك أن قسما من الصحفيين صوت
لصالح الخدمات المالية أي للمرشح الحكومي، لكن الأغلبية اختارت طريق الحرية والكرامة
والمهنة، وهي ما افتقدوه خلال الفترة الماضية".
ترحيب واسع
ورحب قطاع واسع من الصحفيين والسياسيين المعارضين بالفوز، الذي وصفوه
بنقطة البداية والمستحق لتيار الاستقلال على حساب تيار الحكومة، في انتخابات شهدت إقبالا من جموع الصحفيين للإدلاء بأصواتهم واختيار مرشحيهم بكل حرية.
هزيمة السلطة وفقدان المصداقية
من جهته، اعتبر الكاتب الصحفي سليم عزوز أن فوز فريق البلشي كان
مفاجئا، وقال إن "فوزه لا تقف خلفه حكومة ولا مؤسسات إعلامية، وكان نجاحه
مفاجئة لخروج انتخابات نقابة الصحفيين عن يد السلطات المصرية التي تهمين على كافة
جوانب الحياة السياسية والاقتصادية".
وأكد لـ"عربي21" "أن الحكومة جاءت بأسماء وخيارات
ضعيفة لإدارة المشهد الصحفي بتعيين صحفيين تابعين على مقاعد أكبر صحف قومية في مصر، مثل الأهرام والأخبار والجمهورية وروز اليوسف، وليست لديهم أي خبرة لا في العمل
النقابي ولا الصحفي ولا الإعلامي، وبالتالي فقدوا مصداقيتهم لدى جمع الصحفيين في
البلاد".
ورأى أن حشد النظام لنجاح ممثله "فشل فشلا ذريعا رغم ما وقرته
الحكومة من دعم مطلق ووعود بزيادة البدل الصحفي، ودلالة ما جرى رسالة للنظام أن
سياسته في إدارة المشهد القائمة على الولاء وليس الكفاءة لن تستمر للأبد، وما حرى
هو هزيمة لموقف السلطة المحتكر لكل شيء، والانتخابات الحرة هي الوحيدة التي
بمقدورها قياس إرادة الناخبين".
برنامج المجلس الجديد
ينصب برنامج تيار الاستقلال الذي يتزعمه البلشي على عدد من الملفات، في مقدمتها إطلاق سراح قائمة تضم أسماء 26 صحفيا محبوسا (نقابيين وغير نقابيين)، والتي قام بتقديمها قبل أيام للجنة العفو الرئاسي.
- إعادة النظر في مشروعات القوانين الخاصة بالصحافة والإعلام، خاصة
ما يتعلق ببنود دمج وتصفية الصحف والمؤسسات القومية، وتشكيل مجالس إدارتها
وجمعياتها العمومية، وحجب المواقع، والغرامات المبالغ فيها، والتعدي على دور
النقابة.
إعادة تضمين نص منع حبس الصحفيين احتياطيا في القانون، وأن يضمن
القانون حرية الرأي والتعبير باعتبارها حقا لا يجوز التخلي عنه، وإلزام مجلس
النقابة بالعمل على إصدار قانون منع الحبس في قضايا النشر.