اعتاد الفتى المقدسي أحمد الرشق (١٣ عاما) على الذهاب مع أصدقائه إلى المسجد
الأقصى المبارك ولعب كرة القدم في ساحاته بعد أداء
صلاة العصر، باعتباره مكانا يجمع
الفلسطينيين في المدينة ويحلو للأطفال التواجد
فيه يوميا.
ولكن قبل عدة أيام وخلال لعبهم الكرة؛ قام
عناصر شرطة الاحتلال بمقاطعتهم ومصادرة الكرة منهم واحتجازهم لبعض الوقت دون مبرر،
وحين استفسر الأطفال عن ذلك قال لهم أحد عناصر الاحتلال: "هذا المكان ليس
للعب"، ثم أمرهم بمغادرة ساحات المسجد فوراً وهددهم بعدم العودة إليه.
ومنذ ذلك اليوم يشعر أحمد أنه مقيد الحركة،
فالمسجد الأقصى بالنسبة له ولكل مقدسي -كما يقول- ليس مكانا للصلاة فقط، بل هو
واحة واسعة من اللقاءات والترويح وقضاء الوقت مع العائلة في رحاب أجوائه المميزة
خاصة في المناسبات الدينية وشهر رمضان المبارك.
وقال لـ"عربي21": "حين أعود من
المدرسة أكون متحمسا لإنهاء دروسي حتى ألتقي أصدقائي في المسجد الأقصى، وهو دائما
المكان الذي نبدأ منه أي لقاء بيننا، فنلعب فيه كرة القدم ونتمشى في ساحاته
الواسعة ونروّح عن أنفسنا بعد يوم دراسي طويل، ثم نصلي المغرب في المصلى القبلي
ونعود لمنازلنا متحمسين للقاء جديد في اليوم التالي، أما الآن وبعد القرارات
الإسرائيلية الأخيرة بمنعنا من اللعب فلا ندري أين سنلتقي ونلعب، فالمسجد هو جوهر
حياتنا في القدس وهو المكان الذي يحب كل مقدسي أن يتواجد فيه على مدار اليوم".
تهديد أم خطر داهم؟!
وقام عناصر الاحتلال، في مرات عديدة بمصادرة
الكرات من أطفال يلعبون في رحاب المسجد تحت حجج عدة، ليتبين في كل مرة أن ذلك يأتي
بعد شكوى من كبار
المستوطنين المتطرفين لمنع مظاهر اللعب والحياة العامة في المسجد.
ولكن تلك الشكاوى لم تعد مخفية؛ حيث أطلقت
منظمة "بيدينو" الاستيطانية المتطرفة قبل أيام حملة حثت فيها أتباعها
على "تصوير" أطفال فلسطينيين أثناء لعب كرة القدم داخل المسجد الأقصى،
داعية لاعتبار ذلك جريمة، وأقدمت في حملتها على وصف أطفال المسلمين داخل الأقصى
بالمجرمين.
وطالبت هذه المنظمة أتباعها بسلسلة إجراءات لمضايقة
ومحاولة ترهيب الأطفال أثناء لعبهم داخل الأقصى، تضمنت تصويرهم ومحاولة التحقيق
معهم لمعرفة أسمائهم، ومطالبة شرطة الاحتلال بمنعهم من لعب كرة القدم داخل الأقصى،
بل وحث المستوطنين على تهديد أطفال القدس بالسجن.
المراقبون يعتبرون أن جماعات الهيكل المزعوم المتطرفة
تحاول بذلك فرض رؤيتها الدينية اليهودية على المسجد الأقصى المبارك باعتباره مكانا
يهودياً مقدسا مخصصاً لأداء طقوس شعائرية دينية فقط، ومنع المسلمين من ممارسة
الرؤية الإسلامية للمسجد باعتباره فضاءً دينياً واجتماعياً شاملاً لمناحي الحياة
المختلفة.
وبحسب شخصيات مقدسية "ففي حال نجح هؤلاء
المتطرفون في منع الأطفال من اللعب في الأقصى، فإن المتوقع لاحقاً أن يطالبوا بمنع
الأكل والشرب داخل المسجد الأقصى المبارك ومنع اجتماع العائلات المسلمة في رحابه".
فرض المعايير اليهودية
الباحث في شؤون المسجد الأقصى عبد الله معروف،
قال إن خطورة الخطوة التي قامت بها جماعات المعبد المتطرفة، تتمثل في أنها تحاول
تغيير طبيعة المسجد الأقصى المبارك والتعامل معه باعتباره مقدسا يهوديا تنطبق عليه
معايير الأماكن المقدسة اليهودية.
ذلك يعني وفقا للرؤية الخاصة فيها "أنه لا
يجوز أن تتم فيها أي نشاطات باستتثناء الطقوس الشعائرية التعبدية الدينية الخالصة".
وأوضح في حديث لـ"عربي21"، أن هذا
الأمر يتعارض أساسا مع الرؤية الإسلامية للمكان المقدس التي يطبقها المسلمون منذ 1400سنة في المسجد الأقصى المبارك باعتباره فضاء اجتماعيا.
أما محاولة هذه الجماعات التهديد، والوصول
لدرجة أن تقوم بدور الشرطي داخل المسجد الأقصى، بحيث يقوم أفرادها بالبحث والتحقيق
والشكوى ضد الأطفال المسلمين في المسجد الأقصى "فيدل على مستوى عال من الوقاحة
في التعامل مع الوجود الإسلامي بل وتجاهله".
وأضاف: "وجودنا الإسلامي الثابت في الأقصى
بات مهددا، من قبل هذه الجماعات التي تعتبر أن المسجد بات مقدسا خاصا لها وحدها،
وهذا يدل دلالة قطعية على ما تبيته للأقصى، وهو باختصار أنها لا تريد مجرد
المشاركة في الوجود في المسجد وإدارته، وإنما تريد الاستفراد بالأقصى والتعامل معه
باعتبار أنه كنيس يهودي وفضاء يهودي تعبدي".
ولا يستبعد معروف أن الجماعات الاستيطانية تلك،
تسعى لتحويل واقع المسجد الأقصى إلى واقع مماثل للمسجد الإبراهيمي في الخليل، وليس
كما تدعي هي وبعض الأصوات المؤيدة لها من رغبتها فقط بالمشاركة أو الاعتراف بحقوق
جزئية لها في المسجد بشكل عام.
شماعة
في الثالث من أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2017 أصدرت محكمة الاحتلال العليا قراراً بمنع أطفال مدينة القدس من اللعب في
ساحات المسجد الأقصى بزعم انتهاك حرمته.
شرطة الاحتلال وقتها تلقت أوامر بمنع الأطفال
من اللعب بالكرة فى ساحات الأقصى في أعقاب التماس تقدمت به منظمات يهودية، اشتكت
فيه من لعب أطفال القدس المسلمين بالكرة فى باحات المسجد، حيث تضمن القرار جملة
"ألعاب الكرة ممنوعة، لأنهم ينتهكون حرمته، ونحن نشدد على فرض احترام قدسية
المكان وتجنب السلوكيات المستهجنة مثل لعب كرة القدم أو النزهات".
القرار في حينه استهدف المناطق المتاخمة
للمدارس فى باحات المسجد، بعد شكاوى تقدم بها مستوطنون ممن يقتحمون الأقصى والذين
زعموا أنهم لاحظوا ممارسات لألعاب كرة القدم في منطقة المدارس، كما أنهم طالبوا بأقصى
عقوبة وهي السجن لمدة سبع سنوات لكل طفل يلعب الكرة في ساحات المسجد.
منظمات إرهابية
هذا القرار لم يكن رادعاً لأطفال القدس؛ حيث
واصلوا اللعب في باحات الأقصى الواسعة رغم تعرضهم أحيانا للاعتقال والاحتجاز وحتى
الاعتداء بالضرب.
نائب مدير الأوقاف الإسلامية الشيخ ناجح بكيرات
قال لـ"عربي21" إن منظمة "بيدينو إرهابية، لا تملك أن تقرر في
المسجد من يكون ومن لا يكون ومن يلعب ومن لا يلعب، وعليها أن تذهب من حيث أتت، لأن
أصحاب المكان هم الذين يديرونه وليست هذه المنظمة".
على مدار التاريخ كان دور المسجد في الإسلام
ليس فقط دورا تعبديا بمعنى أداء الصلاة والعبادة فقط، وإنما دوره برز في الإعداد
والتجهيز واستيعاب كل فئات المجتمع، بحسب بكيرات الذي أوضح أن المسجد الأقصى له
خصوصية في العبادة وبرامجه المختلفة.
وأشار إلى أن هناك ثلاث مدارس تشكل وجودا يوميا
ولحظيا في المسجد في الوقت الذي تكون فيه الاقتحامات الاستيطانية، وهي مدارس
ثانوية المسجد الأقصى الشرعية للبنين التي تبدأ من الصف السابع حتى الثانوية
العامة ومدرسة الحرم الشريف للذكور وتبدأ من الصف الأول للسادس، وثانوية البنات.
وتكون حصص الرياضة لهذه المدارس في ساحة بعيدة
كل البعد عن التشويش على المصلين وفيها يستمتع الطلبة ويصلون الظهر ويقرأون
القرآن، فيراهم المستوطنون المقتحمون مصدر إزعاج لهم حين يشاهدونهم في الصفوف أو
في حصة الرياضة.
وكما يقول نائب مدير الأوقاف فإن المستوطنين
يستخدمون حجة اللعب شماعة لأنهم لا يريدون أن يروا الطلاب في المسجد في الوقت الذي
يقومون فيه باقتحامه، حيث يتعلم الطلبة ويدرسون ويلعبون لأنها مدرسة ويجب أن تتوفر
كل احتياجاتها.
هذه الأعمال يريد المستوطنون من خلالها تضييق
الخناق ليس فقط على المصلين والمعتكفين بل على أهل القدس والطلبة الذين ليس لهم
متنفس إلا التوجه للمسجد، وبالتالي فهم يريدون التضييق على الطلبة بحيث تصبح المدرسة
فارغة من أداء دورها، وهي في نهاية الأمر عملية تفريغ للأقصى ومحاولة لفرض سيادة
إدارية ناهيك عن السيادة الأمنية.
وأضاف بكيرات: "يتدخلون في إدارة المسجد
والمدرسة وكأنهم هم الذين يقدسون المكان ونحن من نلعب في المكان، إن لعب أطفالنا
بالأقصى لهو بشارة انتصار وهذا لن يتغير حتى يأتي التحرير لأننا نعتبره حاضنة
لأطفالنا وكبارنا وحاضنة لمن يتعلم ومن يجلس، حاضنة يديرها أهلها وليس غيرهم ولن
نلتفت إلى كل هذه الاعتبارات التي يتحدثون عنها، وسيبقى المسجد بأعمدته وترابه
وأروقته هو وقف يدار من قبل أهله ومديرية الأوقاف.. ليست فوضى كما يريدون
تصويرها".