نشر موقع "ميدل إيست آي" مقالا للكاتب جوناثان كوك، اتهم جهات غربية بدعم جرائم الاحتلال
الإسرائيلي في بلدة حوار بنابلس.
وحمّل كوك في مقاله، الجمعيات اليهودية في الغرب، وحكومة الولايات المتحدة، ودولا غربية، مسؤولية تمادي المستوطنين المتطرفين في جرائمهم.
وذكر كوك في المقال الذي ترجمته "عربي21" أن تصريحات وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بيتسلئيل سموتريش، حول إبادة
حوارة، قوبلت برفض "باهت" من قبل الغرب، والولايات المتحدة، والجمعيات اليهودية، وهو ما يدفع نحو تحميلهم جزءا من مسؤولية ما يجري بحق الفلسطينيين.
وتاليا نص المقال مترجما:
أدى الاعتداء الوحشي الذي شنه مئات المستوطنين اليهود على بلدة حوارة الفلسطينية الأسبوع الماضي – بالإضافة إلى رد فعل الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة الجديدة – إلى انقسام في الرأي العام اليهودي داخل إسرائيل وإلى حالة من الانزعاج العميق في أوساط اليهود في الخارج.
في الأسبوع الماضي، شعر مجلس المندوبين اليهود، والذي يزعم أنه يمثل المجتمع اليهودي في بريطانيا والذي لا يتوانى عن الدفاع عن إسرائيل في كل صغيرة وكبيرة، بأنه مضطر لإصدار بيان مقتضب يندد فيه بتصريحات الوزير في الحكومة الإسرائيلية بيتسلئيل
سموتريتش، بعد أن دعا إلى مسح حوارة من الوجود.
وفي نهاية الأسبوع، وصف المؤرخ البريطاني المرموق سايمون شاما ما وقع في حوارة بأنه "مرعب مطلقاً ونهائياً" وحض أبناء مجتمعه من اليهود على استنكاره علانية.
ثم انضمت إليه مارغريت هودج، عضو البرلمان عن حزب العمال، والتي كانت تتصدر الهجمات على زعيم الحزب السابق جريمي كوربين بسبب نشاطه المتضامن مع الفلسطينيين. وقالت إن إسرائيل تمر بلحظة خطيرة وأنه ينبغي على يهود بريطانيا ألا يقفوا مكتوفي الأيدي.
وحتى القائد العسكري الإسرائيلي يهودا فوخس، الذين سمح جنوده للمستوطنين بأن يعيثوا فساداً، وصف الهجوم بأنه "مقتلة"، وهي مفردة ذات مضامين خاصة بالنسبة لليهود. فهي ترتبط تاريخياً بالمذابح وبالتطهير العرقي الذي تعرضت له المجتمعات اليهودية في أوروبا الشرقية وكانت ممهدة لوقوع المذبحة النازية.
ولكن الفلسطينيين ليسوا بحاجة إلى هذا التعاطف المتأخر من قبل إسرائيل أو من قبل أنصارها، وخاصة من قبل الجيش الإسرائيلي، كما أنهم ليسوا بحاجة إلى تلك الدعوات الفارغة التي تنبعث من داخل العواصم الغربية لممارسة ضبط النفس والهدوء.
ما يحتاجونه بالفعل هو التضامن الحقيقي والحمايات الدولية، وبشكل خاص بينما تكتسح الفاشية الدينية السافرة كل أرجاء إسرائيل. بدلاً من ذلك، جل ما قيل بعد الهجوم، حتى لو حسنت النيات، فإنه يضلل أكثر مما يجلي.
عهد الرعب
في السادس والعشرين من شباط/ فبراير ، داهمت عصابة من عدة مئات من الأوباش بلدة حوارة.. قضوا فيها عدة ساعات في ممارسة الإرهاب ضد سكانها، يعيثون فيها فساداً، ينهبون ويحرقون البيوت والسيارات.
قتل رجل فلسطيني أثناء الهجوم وجرح ما يقرب من مائة من الفلسطينيين الآخرين. وتظهر مقاطع الفيديو كيف أن الجنود وعناصر الشرطة الإسرائيلية المدججين بالسلاح وقفوا يتفرجون أو حتى راحوا يساعدون المهاجمين.
اندلعت أعمال العنف والتخريب بعد مقتل مستوطنين على يد مسلح فلسطيني في وقت سابق من ذلك اليوم. منذ شهور عديدة وحالة الاهتياج في أوساط الفلسطينيين في تنام – سواء بسبب الإخفاق المستمر من قبل زعمائهم في توفير أي نوع من الإنجاز الدبلوماسي أو إزاء التصاعد المستمر في العنف الإسرائيلي من طرف الدولة ومن طرف المستوطنين. ولا أدل على ذلك من أن السنة الماضية كانت هي الأشد فتكاً بالفلسطينيين في الضفة الغربية منذ ما يقرب من عقدين من الزمن.
ما لبثت حوارة بالذات عرضة لذلك، فهي تقع على تقاطع رئيسي بمحاذاة مدينة نابلس الفلسطينية، وتمثل شرياناً مهماً بالنسبة للمستوطنين لأن معظم المرور، سواء اليهودي أو الفلسطيني، يحتاج لأن يمر بحوارة للانتقال ما بين الأجزاء الجنوبية والأجزاء الشمالية من الضفة الغربية المحتلة.
نفذت قبل ساعات فقط من الهجوم عملية قتل الشقيقين المستوطنين بالقرب من هذا التقاطع.
المستوطنون الذين يقطنون هذه المنطقة هم من بين الأكثر تطرفاً والأشد عنفاً داخل المناطق المحتلة، وهم من النوع الذي يصوت ككتلة صلبة لصالح الفاشيين الدينيين الذين باتوا الآن شركاء أساسيين في حكومة بنيامين نتنياهو. فقد برز فصيل الصهيونية الدينية، بقيادة كل من سموتريتش وإيتمار بن غفير، من الانتخابات العامة التي نظمت العام الماضي، كثالث أكبر كتلة داخل البرلمان.
بعد ثلاثين عاماً تقريباً من التوقيع على اتفاقيات أوسلو، واستمرار إسرائيل في رفض الالتزام بالعملية التي كان من المقرر أن تفضي إلى تفكيك المستوطنات ومنح الحكم الذاتي للفلسطينيين، تجد حوارة نفسها، وبصورة دائمة، أسيرة للهيمنة العسكرية الإسرائيلية.
من المفروض أن يوفر الجنود الإسرائيليون ضمانات للحفاظ على أمن سكان البلدة من الفلسطينيين. بدلاً من ذلك، وكما هو حال كثير من الفلسطينيين في الضفة الغربية، يعيش هؤلاء السكان في عهد الإرهاب الذي يمارسه "جيران" غير مرحب بهم من المستوطنين اليهود الذين يحظون بتدليل الجيش الإسرائيلي لهم، وبلا قيد ولا شرط.
في مقابلة مع البي بي سي نهاية الأسبوع، قالت مقرر الأمم المتحدة للمناطق المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز، إنه يجب على إسرائيل التحقيق في الجرائم التي ترتكب ضد الشعب الفلسطيني.
هجمات بلا هوادة
من طرفه، رد سموتريتش – وزير مالية إسرائيل الذي منحه نتنياهو صلاحيات غير مسبوقة لإدارة الاحتلال – على الاعتداء الذي تعرضت له بلدة حوارة من خلال الحض على مزيد من العنف، ودعا إلى مسح البلدة من الوجود.
ولكنه قيد تصريحه بالقول إن من الأهمية بمكان أن تنظم الدول الإسرائيلية أعمال العنف بدلاً من أن تترك تلك المهمة للحركة الاستيطانية التي يمثلها.
وقال سموتريتش: "لا ينبغي، لا سمح الله، أن يقوم بذلك أفراد بصفتهم الشخصية. أعتقد أن قرية حوارة ينبغي أن تمسح من الوجود، ولكني أعتقد أن دولة إسرائيل هي من يجب أن يقوم بذلك."
لم تأت تصريحاته من فراغ. فقبل ساعات من انقضاض المستوطنين على حوارة، دعا سموتريتش حكومته إلى التخلي عن المحادثات مع المسؤولين الفلسطينيين في الأردن من أجل التخفيف من التوترات، بل طالب بدلاً من ذلك بأن تقوم إسرائيل بمهاجمة المدن الفلسطينية "بلا هوادة باستخدام الدبابات والطائرات العمودية".
كرر مشرعون آخرون من داخل فصيله ما بدر منه، ومنهم زفيكا فوغيل، الجنرال المتقاعد الذي كان ذات يوم مسؤولاً عن غزة، والذي قال رداً على التخريب الذي مارسه المستوطنون: "حوارة مغلقة ومحروقة – ذلك ما أريد أن أراه." وكان قد قال في كانون الأول/ديسمبر الماضي في مقابلة أجرتها معه القناة التلفزيونية الرابعة في بريطانيا إن إسرائيل "رحيمة أكثر من اللازم" تجاه الفلسطينيين وأنه حان الوقت "لأن نتوقف عن التصرف بهذا الشكل".
تصريحاتهما جميعاً تأتي انتصاراً للشعارات المألوفة ضد الفلسطينيين والتي ترددها عناصر اليمين الفاشي الإسرائيلي في المظاهرات التي ينظمونها، ومنها "عسى أن تحترق قريتكم".
في أي سياق آخر، لو طالب وزراء كبار في حكومة ما بأن تمارس الدولة عنفاً ضد المدنيين من جماعة عرقية أو وطنية أخرى لاعتبر ذلك بكل وضوح دعوة للإبادة الجماعية. ولكن، بالطبع، تنطبق على إسرائيل معايير أخرى، وهي الشريك الأساسي للولايات المتحدة وأوروبا في استعراض القوة الغربية في الشرق الأوسط الغني بالنفط.
بدلاً من ذلك لا يجري التعامل جدياً مع المغزى من تهديدات سموتريتش، والذي بات مع شريكه في الحكومة وزير الشرطة بن غفير، يتحكم بالأدوات التي يمكن من خلالها تنفيذ الأعمال التي لا يمكن أن توصف إلا بأنها حملة إبادة جماعية.
كل ما هنالك هو أن إدارة بايدن وصفت تصريحاته بأنها "غير مسؤولة" وبأنها "بغيضة".
بينما اكتفت صحيفة هآريتز الليبرالية بالتحذير من أن سموتريتش كان يحرض على "العقاب الجماعي" للفلسطينيين، في انتهاك للقانون الدولي. إلا أن العقاب الجماعي لم يزل منذ عقود المكون الأساسي للسياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.
مشروع للإبادة الجماعية
أرى أن ما يجري هو أسوأ بكثير. فحينما قال سموتريتش إنه لا ينبغي أن يُترك أمر مسح المجتمعات الفلسطينية من الوجود للأفراد، وأن تلك هي مهمة الدولة، إنما كان يوجه كلامه لأنصاره في أوساط المستوطنين المتعصبين. كان بذلك يوحي إليهم بأمرين.
فهو أولاً كان يذكر هؤلاء الفاشيين الدينيين، تلك الكتلة الانتخابية التي أوصلته إلى الحكومة، أنه هو وزميله بن غفير باتا هما الحكومة – بفضلهم. لم يكن يقصد إقناع المستوطنين بالعدول عن ارتكاب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، وإنما كان يريد طمأنتهم أنه إنما يوجد هناك لكي يساعدهم في تلك المهمة.
فهو وبن غفير باتا الآن هما فعلياً من يدير الاحتلال. أي أنه كان يقول للمستوطنين إنه بات لديهم حلفاء في أعلى مستويات الدولة في مشروعهم للإبادة الجماعية.
ولكن، برأيي، كان يقوم بما هو أكثر من ذلك. كان أيضاً يذكرهم بأنه ومعه بن غفير يقاتلان كل من زاويته ولكنهما لا يملكان كسب المعركة وحدهما. بل يحتاجان إلى أن يساعدهما المستوطنون في نضالهم ضد زملائهم الوزراء المتقاعسين، أو ضد أولئك الذي داخل الحكومة ممن قد يتخاذلون خوفاً من رد الفعل الدولي.
لم تكن الغاية من تصريحات سموتريتش الحد من تجاوزات المستوطنين، وإنما قصد أن يحثهم على بذل المزيد من الجهد وممارسة المزيد من الضغط على الحكومة حتى تشد ساعده.
وكلما كان أكثر فاعلية في إجبار الدولة على مسح البلدات مثل حوارة من الوجود – أو في مساعدة المستوطنين على القيام بذلك – نمت قاعدة أنصاره وتوسعت، وكلما زادت فرصه في أن يصبح شخصية مركزية في السياسة الإسرائيلية، زادت وتيرة تطبيع أجندته وأجندة المستوطنين.
ويعلم سموتريتش كذلك أن معارضة عنف المستوطنين وتوجههم نحو الإبادة الجماعية للفلسطينيين ليست معارضة شديدة في أوساط الجمهور اليهودي الإسرائيلي بشكل عام. فنزع الصفة البشرية عن الفلسطينيين والتحريض على العنف ضدهم هو العرف العام سواء في معسكر اليمين أو فيما يفترض أنه معسكر اليسار.
وما التركيز عليه هو شخصياً سوى محاولة للتظاهر بأن الوزراء الأكثر وقاراً في الحكومة، وربما حتى رؤساء الوزراء أنفسهم، لم يكونوا يتحدثون بهذا الأسلوب منذ عقود.
بل إن ديدن قيادات الجيش وكبار السياسيين والخامات تشبيه الفلسطينيين، بشكل منتظم، بالصراصير والثعابين والسرطان. بل إنه طالما دعا حاخامات المستوطنين إلى أن يقوم اليهود بقتل الرضع من أبناء الفلسطينيين.
في عام 2008، دعا ماتان فيلناي، الجنرال في الجيش الإسرائيلي والذي كان حينذاك نائباً لوزير الدفاع، إلى "شواه" – وهي الكلمة العبرية للمحرقة – ضد الفلسطينيين في غزة.
أما إيهود باراك، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق من حزب العمل، فقارن في تصريح شهير إسرائيل بالفيلا التي توجد في القلب من الغابة، في إيحاء إلى أن المخلوقات الخطيرة في الخارج تحتاج إلى إبادة.
ونتنياهو نفسه اقترح في الانتخابات العامة سنة 2019 بأن الأحزاب التي تمثل الأقلية الفلسطينية الكبيرة والمضطهدة "تريد إبادتنا جميعاً نساء وأطفالاً ورجالاً." لا يخفى ما يقصده على أحد، فهو يريد القول بأن من حق إسرائيل استباق تلك الإبادة.
يعلم سموتريتش أن معظم اليهود الإسرائيليين يفهمون، على الأقل في عقلهم الباطن، أن دولتهم التي تعرف نفسها ذاتياً بأنها دولة يهودية إنما تأسست على الإبادة – فعلياً من خلال التفجير والهدم – حينما مسحت من الوجود عدة مئات من المجتمعات مثل حوارة عام 1948. فلم لا تستمر العملية في أرجاء الضفة الغربية؟ ما المانع في أن يتم التصريح في المناطق المحتلة منذ عام 1967 بما كان إجراءً روتينياً في المناطق التي تم الاستيلاء عليها في عام 1948؟
صفر تسامح
بينما يتركز النقد على شخص سموتريتش، يتم تجاهل أنماط أشمل. فالمستوطنون والجيش – ومن ورائهم جميعاً الدولة الإسرائيلية – يعملون بتعاون وتواطؤ وتنسيق منذ ما يزيد على النصف قرن لإخراج الفلسطينيين من مساحات شاسعة من أراضي الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلة.
وحتى وزارة الخارجية الأمريكية لاحظت في عام 2021 أن قوات الأمن الإسرائيلية كثيراً ما تخفق في منع المستوطنين من شن هجمات على الفلسطينيين، وأن المستوطنين الذين يمارسون العنف لا يكاد أحد منهم على الإطلاق يساءل أو يحاسب على أفعاله.
إن الجيش والشرطة هما من سمح للمستوطنين بأن يعيثوا فساداً كما يريدون في حوارة، ولم تقدم نفس هذه القوات الأمنية على إلقاء القبض على أي من المئات الذين شاركوا في تنفيذ تلك المقتلة، وسارعت مباشرة إلى إطلاق سراح بضعة أفراد ممن تم إيقافهم.
وليس ذلك بسبب أن الدولة الإسرائيلية لا تملك القدرة على التعامل مع اليهود الإسرائيليين – ناهيك عن الفلسطينيين الذين يدافعون عن حقوقهم – عندما ترغب في ذلك.
نفس الجيش ونفس الشرطة الذين وقفوا متفرجين، أو كانوا يمدون يد العون، أثناء اعتداء المستوطنين على حوارة، أثبتوا قدرتهم يوم الجمعة من الأسبوع الماضي على إغلاق البلدة وحصارها بشكل تام لمنع موكب من نشطاء حقوق الإنسان الإسرائيليين من الوصول إليها للتعبير عن تضامنهم مع سكانها. بل قامت القوات بذلك بينما استمر تدفق مرور المستوطنين عبر البلدة.
وعلى النقيض من مقاربتهم التي كفوا فيها أيديهم عن المستوطنين، كانت قوات الجيش على استعداد تام لممارسة الضرب وإلقاء القنابل الصوتية لردع النشطاء المتضامنين وإجبارهم على العودة.
كما لجأت قوات الأمن إلى القبضة الحديدية نهاية الأسبوع في التعامل مع الإسرائيليين الذين تظاهروا احتجاجاً ضد استيلاء المستوطنين على بيوت الفلسطينيين في حي الشيخ جراح في القدس، وكذلك في التعامل مع من تظاهروا سلمياً في تل أبيب للاحتجاج على الحكومة، والذين لم تتردد الشرطة في الهجوم عليهم بخيالتها وبمدافع الماء تستخدمه ضدهم.
أمر بن غفير الشرطة بإظهار "صفر تسامح" في تل أبيب، بينما غض الطرف عما فعله المستوطنون في حوارة. والوزير الذي أخفقت شرطته في استشراف المقتلة التي ارتكبها المستوطنون في وحوارة وكانت متوقعة بكل تأكيد، حذر يوم الاثنين من أن اليسار الإسرائيلي كان "يخطط لارتكاب جريمة القتل التالية"، بمعنى أنهم يخططون لقتل نتنياهو وزوجته سارة.
لم يخف مثل هذا الاختلاف في المعاملة على المتظاهرين في تل أبيب، الذين صاحوا في وجه قوات الأمن التي كانت تواجههم قائلين: "أين كنتم في يوم حوارة."
دثار الراحة
في الواقع كانت تصريحات سموتريتش متهورة وجلفة وغير دبلوماسية. إلا أن السخط على تصريحاته وتصريحات بن غفير إنما هو مجرد غطاء مريح يتدثر به من ناصروا إسرائيل باستمرار كدولة تتبنى عقيدة التفوق اليهودي.
والمفارقة هي أن مخالفة سموتريتش الكبرى ليست دعوته إلى إبادة حوارة، أو حتى التحريض على الجرائم التي يرتكبها حلفاؤه من المستوطنين الفاشيين، وإنما تسليطه الضوء بشكل أكثر وضوحاً على ما لم يزل يحدث منذ أكثر من خمسة عقود داخل المناطق المحتلة – بل وحتى قبل ذلك داخل إسرائيل.
جريمته هي أنه يقدم الحقيقة عارية كما هي بلا رتوش. وخطيئته تكمن في أنه يسعى إلى تكثيف وتسريع سياسة الدولة في العنف والتطهير العرقي، والتي لم تزل حتى الآن تمارس بشكل أكثر حذراً وبزيادة تدريجية – سياسة "الزحف الاستيطاني" التي تعود إلى عهد السياسيين من حزب العمل والجنرالات من مثل موشيه دايان وإيغال آلون.
قبل أن يُصدر مجلس المندوبين اليهود إدانته لتصريحات سموتريتش، كان قد أصدر بياناً أكثر نمطية، وذلك حينما كان المستوطنون يعيثون فساداً في حوارة. لم يكتف هذا البيان الأول بربط التخريب الذي مورس ضد المجتمع الفلسطيني، بمساندة من قوات الأمن الإسرائيلية، بما وقع قبل ذلك من قتل الشقيقين المستوطنين، بل أوحى بأن الهجوم كان شكلاً من أشكال الانتقام – أو في اصطلاح المستوطنين "بطاقة ثمن".
ولو أن أحد منتقدي إسرائيل فعل ذلك، ولكن بشكل معكوس، لما أضاع المجلس وقتاً في التحذير من أن مثل هذا الربط إنما يقصد منه التقليل من وطأة العنف الفلسطيني أو حتى تبريره.
ولكن ألم تكن تلك هي استراتيجية من يدافعون عن إسرائيل ويبررون ما تفعله منذ البداية. وذلك أن أي جريمة، أي فظاعة، ترتكبها إسرائيل يمكن تبريرها لأن الفلسطينيين هم المبادرون، أو لأنهم لا يستمعون إلى صوت العقل، أو لأنهم يريدون إلقاء اليهود في البحر.
والمبررات لا نهاية لها.
والآن، وبوجود الفاشية الدينية في القلب من حكومة نتنياهو، مازالت المبررات تتدفق. وغدا سموتريتش وبن غفير هما العذر، وهما المشكلة، وهما سبب ويلات إسرائيل.
إنها حالة من الوهم، وتضليل الذات، بل والانحراف.
تأسست دولة إسرائيل على فكرة التفوق اليهودي، ومازالت مستمرة على نفس النهج، تزداد اعتداداً بذاتها يوماً بعد يوم، وتغدو أقل استعداداً للتنازل عاماً بعد عام.
تدل كل المؤشرات على أن المدافعين عن إسرائيل في الغرب سوف يستمرون في الوقوف متفرجين بينما يعاني الفلسطينيون، وبينما يُنكر حقهم في دولتهم، وبينما تُنزع عنهم كرامتهم. أما الصخب فلسوف يتزايد، ولكن فقط من أجل أن يتوقف سموتريتش وبن غفير عن تعكير صفو أنصار إسرائيل وعن تنبيههم من غفوتهم بينما يحترق الجمر.
للاطلاع على النص الأصلي (
هنا)