أنهت
الطاولة السداسية، خلافا عصف بها بعد التوافق على ترشح زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال
كليتشدار أوغلو، لمنافسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الرئاسة، والتوصل إلى صيغة توافقية بشأن تعيين رؤساء البلديات نوابا للرئيس.
وكانت زعيمة حزب الجيد ميرال
أكشنار، أعلنت انسحابها من الطاولة، معتبرة أنها أصبحت لا تمثل "إرادة الشعب"، وذلك بعد خلاف مع كليتشدار أوغلو بشأن ترشحه.
وشهد مساء الأحد، حراكا مكثفا في أنقرة من أجل إقناع أكشنار للعودة إلى الطاولة، وأجرى رئيسا بلدية أنقرة وإسطنبول منصور يافاش وأكرم إمام أوغلو زيارة إلى مقر حزب الجيد، وبعد اجتماع استغرق 10 دقائق فقد تم إعلان عودة ميرال أكشنار إلى الطاولة.
لكن رغم إنهاء الخلاف بشأن المرشح الرئاسي، فإن تساؤلات تثار بشأن السيناريوهات المحتملة بعد انتهاء هذه الأزمة، وإذا ما كانت الخلافات قد انتهت فعليا.
التوصل إلى حل
ووفقا لحزب الشعب الجمهوري، فإن مقترح جعل رؤساء البلديات نوابا للرئيس، جاء من مجموعة داخل الحزب، الأمر الذي يذكر عكسه حزب الجيد مشيرا إلى أن العرض جاء منه.
وذكرت الكاتبة هاندا فرات في
تقرير على صحيفة "حرييت"، أن الكواليس تشير إلى أن المقترح جاء فعليا من حزب الجيد، لكن "الشعب الجمهوري" أراد الإعلان عن العرض، حتى لا يكون هناك رد فعل "مشروط" على حزب الجيد.
وقدم حزب الشعب الجمهوري المعلومات للقادة الآخرين على الطاولة، والذين أبدوا انطباعا إيجابيا بشأن المفاوضات في الأمر.
ومنح كليتشدار أوغلو الضوء الأخضر من أجل بدء المفاوضات، وعقد لقاء بين مسؤولين في الحزبين، وفي النهاية تم التوصل إلى الاتفاق.
وينص الاتفاق على أن يكون القادة الآخرون نوابا للرئيس جنبا إلى جنب مع رؤساء البلديات، والصيغة تشير إلى أن القادة نواب الرئيس يمكهم تولي حقائب وزارية.
اتفاق من 12 بندا
وأعلنت الطاولة السداسية، عن اتفاق "عملية الانتقال إلى الحكم البرلماني" من 12 بندا، بعد اختيار كمال كليتشدار أوغلو أوغلو، مرشحا مشتركا لمنافسة رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في مايو/ أيار المقبل، ووصفت الاتفاق بأنه "عملية انتقال" إلى حكم برلماني.
وينص البند الأول، على أن "تركيا في عملية الانتقال ستحكم بالتشاور والتوافق في إطار الدستور والقانون وفصل السلطات والتوازن ومبادئ الرقابة، بما يتماشى مع النصوص المرجعية التي اتفقنا عليها مع مبادئ وأهداف النظام البرلماني المعزز".
أما البند الثاني، فينص على أنه سيتم "إكمال التعديلات الدستورية المتعلقة بالانتقال إلى النظام البرلماني المعزز وستدخل حيز التنفيذ في أقرب وقت ممكن".
وثالثا، فإنه خلال عملية الانتقال يكون زعماء أحزاب الطاولة نوابا للرئيس.
ورابعا، يتم تحديد توزيع الوزارات من خلال عدد النواب المنتخبين من قبل أحزاب التحالف في الانتخابات العامة للنواب. ويمثل كل حزب وزير واحد على الأقل في مجلس الوزراء.
وينص البند الخامس، على أنه "يتم تعيين وإقالة الوزراء من الرئيس بالاتفاق مع رئيس الحزب الذي ينتمون إليه".
وسادسا، سيستخدم الرئيس واجباته وسلطته التنفيذية، وفقا لمبادئ المشاركة والتشاور والإجماع.
وسابعا، "يتم تحديد توزيع الصلاحيات والواجبات على مجلس الوزراء الرئاسي (نائب الرئيس والوزراء) بموجب مرسوم رئاسي يصدر في إطار الدستور والقوانين".
وتشمل صلاحيات الرئيس وفقا للبند الثامن، "تجديد الانتخابات، وإعلان حالة الطوارئ، وسياسات الأمن القومي، و"سيتم اتخاذ القرارات الرئاسية والمراسيم والإجراءات التنظيمية العامة والتعيينات رفيعة المستوى بالتوافق مع قادة الأحزاب في التحالف".
وتاسعا، "سيتم إنشاء آليات لتنسيق التنفيذ التعاوني للأنشطة التشريعية خلال العملية الانتقالية".
وعاشرا، فإنه "مع الانتهاء من الانتقال إلى نظام برلماني معزز قائم، تنتهي عضوية الرئيس في الحزب السياسي، إن وجدت".
وينص البند الحادي عشر، على أنه "بعد الانتقال إلى النظام البرلماني المعزز، لن تكون هناك حاجة لإجراء انتخابات جديدة. ويكمل الرئيس والبرلمان فترة ولايتهما".
والبند الأخير يشير إلى تعيين رئيسي بلديتي إسطنبول وأنقرة نائبين للرئيس في الوقت الذي يراه الرئيس مناسبا وبواجبات محددة.
هل انتهت الخلافات على الطاولة السداسية؟.. سيناريوهات محتملة
رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية للشرق الأوسط "أورسام"، أحمد أويصال، ذكر أن هناك تناقضات حقيقية بين الأحزاب الستة، ناهيك عن وجود حزبين كبيرين مسيطرين على الطاولة وهما "الشعب الجمهوري" و"الجيد".
وأضاف أن كليتشدار أوغلو نجح في فرض نفسه أن يكون مرشحا مشتركا، وأكشنار أجبرت على العودة إلى الطاولة لكن بشرط فرضته بشأن رؤساء البلديات.
وأشار أويصال في
فيديو أرسله لـ"
عربي21"، إلى أن الطاولة تحدثت عن العودة إلى النظام البرلماني، وهنا تساؤل شائك بشأن كيفية ذلك، لأنها إن فازت فلن تفوز بالأغلبية المطلقة.
وذكر أويصال أن البند الـ12 يشكل نقطة شائكة بين حزبي "الجيد" و"الشعب الجمهوري"، لأن ميرال أكشنار لم تحقق ما تريد ولم تكن مرتاحة، وملامح وتعبيرات وجهها أثناء المؤتمر الصحفي الذي ألقاه كليتشدار أوغلو تدلل على ذلك، مشيرا إلى أن الاتفاق فرض عليها فرضا وخشيت من أن تقلب الطاولة مرة أخرى، وهي وافقت دون رضا.
ونوه إلى أن البند الـ12، لا يوجد فيه ضمانات بإمكانية تعيين رؤساء البلديات نوابا للرئيس، وحتى إن فعل ذلك فسيمنحهم صلاحيات منقوصة.
وأكد أن كليتشدار أوغلو ليست لديه رغبة الشراكة مع الآخرين في السلطة، خاصة مع رؤساء البلديات الذين يعتبرون حلفاء لأكشنار.
ونوه إلى أن قادة الأحزاب الأخرى اعترضوا على مقترح أكشنار بشأن رؤساء البلديات، لأنهم يرغبون في أن يكونوا هم نواب الرئيس وعليه فسيكون لدينا 5 نواب رئيس+ رئيسا بلدية إسطنبول وأنقرة، والتساؤل: "كيف سيحكم كل هؤلاء، البلاد؟".
وبالنسبة للبند الرابع، والمتعلق بشأن تحديد توزيع الوزارات وفقا لعدد المقاعد التي يحصل عليها الحزب في الطاولة، فقد أشار أويصال إلى أنه سيتسبب في مشكلة بين الأحزاب، وسيقوي البعض على الآخر.
ونوه إلى أن البند الثالت والمتعلق بصلاحيات الرئيس، يعني وصاية الأحزاب الخمسة على الرئيس المنتخب، سيكون مقيدا، وسيتسبب في مشاكل في المستقبل.
ورأى أويصال أن ما جرى مؤخرا أضعف حزب الجيد، لأن زعيمته أكشنار غامرت ولكنها لم تحقق إنجازا.
ولفت إلى أن الأكراد نصفهم يصوتون لصالح أردوغان، والنصف الآخر لحزب الشعوب الديمقراطي، كما أن ترشح كليتشدار أوغلو سيزعج القوميين الأتاتوركيين، كما أن الحزب الكردي إذا أعلن دعمه لترشح زعيم حزب الشعب الجمهوري فإنه سيزعج القوميين والمحافظين الأتراك حتى أولئك داخل حزب كليتشدار أوغلو.
وأضاف أن رئيسي بلديتي أنقرة وإسطنبول فقدا جزءا من شعبيتهما، وترشحهما أيضا في إسطنبول وأنقرة يعد سؤالا معلقا.
ولفت إلى أن ما جرى مؤخرا من قلب الطاولة وما تلاه، أثار مخاوف الرأي العام في تركيا، وستثار تساؤلات حول إدارة البلاد من تحالف مرتبك حتى قبل وصوله إلى السلطة، كما أن هناك معضلة أن هناك من يرى أن كليتشدار أوغلو لا يمكنه الفوز أمام أردوغان، ولذلك فقد يواجه التحالف عزوفا من جمهوره عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع.
وأكد أن ترشح كليتشدار أوغلو لصالح أردوغان، ولكنه لن يكون سهلا بسبب الزلزال والجيل الجديد وعوامل أخرى.
الكاتب في صحيفة "صباح" التركية، أوكان مودرس أوغلو، أكد أن التوصل إلى صيغة رئيس مع 7 نواب، تشبه وضع أطراف صناعية على سيقان مبتورة على الطاولة لإبقائها على قيد الحياة.
وذكر في
تقرير أن اللوحة المرسومة حاليا تذكرنا بـ"تركيا القديمة"، مشيرا إلى أن انعدام الثقة الذي وصل إلى ذروته بين الطاولة السداسية، يؤكد أنها لن تستطيع حكم البلاد إذا وصلت إلى السلطة.
وشدد على أن البنود الـ12 الموضحة تشكل خطورة على استقرار تركيا، وأنها تعد ضرورية لمكونات الطاولة. واصفا إياها بالهياكل المجزأة، مع آليات تتسبب في مشاكل إدارية، ناهيك عن شراكات في سلطة الرئيس، وعليه فإن الخيار الآن للشعب "إما الاستقرار أو الأزمات".
أكشنار لم تحقق ما أرادته
الكاتبة كوبرا بار في
تقرير على صحيفة "خبر ترك"، ذكرت أنه عندما اعتلى القادة الستة المنصة، وألقى كليتشدار أوغلو خطابه، أدركنا أن الوضع لم يكن جيدا بالنسبة لأكشنار.
وتابعت بأنه على عكس التوقعات، لم يذكر كليتشدار أوغلو أسماء يافاش وإمام أوغلو في خطابه أمام مقر حزب السعادة، كما ذكر القادة الآخرين بشأن نواب الرئيس.
وأشارت إلى أن القادة الخمسة على الطاولة، أفرغوا المقترح الذي قدمته أكشنار كشرط للعودة إلى الطاولة، من مضمونه مع ترك القرار النهائي لكليتشدار أوغلو بشأن رؤساء البلديات، ولم تتطابق المادة 12 مع رغبة حزب الجيد.
وذكرت أن أحزاب المعارضة، تناست انتقاداتها للرئيس أردوغان بشأن رئاسته لحزبه، عندما يتعلق الأمر بها، ووفقا للمادة 10، فسيظل كليتشدار أوغلو رئيسا لحزبه حتى الانتقال إلى النظام البرلماني، وإذا لم يتمكن من تغيير التظام فسيبقى في منصبه كرئيس للحزب.
ولفتت إلى أنه في النظام البرلماني لا يوجد نائب رئيس، وعليه فإن القادة الخمسة ستنتهي مهامهم، وسيتم حل الحكومة التي سيشكلونها وهم ليسوا نوابا، وحزب الجيد انتبه إلى هذه النقطة بعد إعلانه الليلة أن أكشنار لن تكون نائبة للرئيس بل مرشحة برلمانية.
وفي غضون ذلك، فإنه حتى لو خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات، إذا أصبح الحزب الأول في البرلمان التركي، فسيتعين على كليتشدار أوغلو تسليم مهمة تشكيل الحكومة إلى أردوغان عندما ينتقلون إلى النظام البرلماني، ولذلك فإن المادة 10 ستكون على جدول الأعمال في الأيام المقبلة.
وتابعت بأن فكرة رئيس مع 5 نواب لديهم سلطة متساوية في التوقيع واتخاذ القرار، تواجه انتقادا كبيرا لدى الناخب التركي، كما أن حزب الجيد لديه اعتراض عليها سابقا.
وأكدت أن المادة 8 قد تتسبب في أزمة حادة داحل التحالف في المستقبل، لأنه عندما يعترض أحد القادة الستة على مسألة حرجة، فلن يتمكن الرئيس من اتخاذ القرار، والتساؤل: "كيف سيتم التعامل مع تفاهمات بشأن السياسة الخارجية والأمن القومي تعد خلافية بين أعضاء الطاولة؟".
وأضافت: "إذا وفى كليتشدار أوغلو بوعده بشأن رؤساء البلديات، فكيف سيتعامل الناس مع فكرة الحكم مع 7 نواب للرئيس؟".
ورغم إعادة توحد الطاولة من جديد، فإن الناخب الذي يقف على الحياد، رأى احتمالية تنامي الخلافات بين الطاولة وانفراطها، ولا يوجد ضمانات لديه في عدم خوض معارك مماثلة بعد الفوز في الانتخابات، ويضع في الاعتبار مخاطر عدم الاستقرار.
ولفتت إلى أن الطاولة السداسية ليس من السهل عليها إخبار الناس في 11 ولاية دمرت بيوتها، بأنها توقفت عن تضميد الجراح واصطدمت ببعضها خلال عملية الزلزال جنوب البلاد.
هل سيتم نسيان التراشق بين الحزبين؟
وحتى إذا اجتمعت الطاولة السداسية مجددا، فإن الأزمة الممتدة من الجمعة حتى الاثنين، ستترك أثرا عميقا على الطاولة، بسبب التراشقات الحادة بين كوادر حزبي "الجيد" و"الشعب الجمهوري"، وأكشنار شخصية لا تنسى من يهينها ولا تخفي غضبها.
ورأت الصحفية بار، أن القطيعة ستتواصل بين الطرفين في الأيام المقبلة، بسبب التصريحات المهينة المتبادلة بينهما.
وتابعت بأن تصريحات أكشنار القاسية بحق الطاولة والقادة الآخرين فيها، تركت ضررا كبيرا في التحالف، وليس من السهل نسيان ذلك أو إصلاحه.
ماذا يفعل "تحالف الجمهور"؟
ورأت الكاتبة أن الحلف الذي يقوده حزب العدالة والتنمية الذي كان يراقب التطورات لدى المعارضة، أكثر استعدادا.
وأضافت أن حزب العدالة والتنمية قام بمراجعة سريعة بشأن حملاته بعد الزلزال، ويعد بإحياء المدن المتضررة في غضون عام واحد، ويتم رسم المشاريع وإجراء المسوحات اللازمة، وقد بدأ المقاولون بالفعل العمل في المنطقة.
وتابعت بأنهم ركزوا بشكل كبير على التحول الحضري في إسطنبول، كما أعلن الرئيس أردوغان أنه لن ينخرط في جدالات سياسية حتى تلتئم جراح الزلزال.
وأوضحت أن أردوغان إذا استمر على هذا النهج فإنه سيقود حملة عملية، متهما المعارضة بالتقصير.
يشار إلى أن مسألة مهمة لم تتفق عليها الطاولة السداسية، وتتعلق بشأن التحالف البرلماني، وسط رغبة من الأحزاب الصغيرة على الطاولة في تمثيل برلماني أكبر من خلال قوائم الأحزاب الكبيرة "الجيد" و"الشعب الجمهوري"، ما يفتح المجال لإحداث أزمة جديدة بين أحزاب التحالف.