نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا سلطت فيه الضوء على رد فعل الغرب والولايات المتحدة على مزاعم تمكن
إيران من تخصيب اليورانيوم إلى نسبة حرجة، خاصة بعد الزيارة التي أداها مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية وما تلاها من تصريحات.
وقالت الصحيفة، في
تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه منذ الوقف الكامل لمحاولات استئناف اتفاقية خطة العمل الشاملة المشتركة في أيلول/ سبتمبر 2022، التي تهدف إلى ضمان الطابع المدني للبرنامج
النووي الإيراني، فيبدو أن الثلاثة الكبار في الاتحاد الأوروبي - فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة - والولايات المتحدة في مأزق.
وأشارت الصحيفة إلى أن الاعتراف العلني بنهاية خطة العمل الشاملة المشتركة والمأزق
الدبلوماسي الناتج عنها يعني خطر التصعيد من حيث العقوبات الاقتصادية المضاعفة والعمليات العسكرية المحتملة. وخلال تعليق المباحثات الذي امتد لأشهر، تمادت إيران أكثر في انتهاك التزاماتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة.
أثناء زيارته لطهران في 3 آذار/ مارس، حاول مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي دعوة النظام الإيراني للتعاون مع الوكالة. والتقى يوم السبت بالرئيس إبراهيم رئيسي للمرة الأولى وهي علامة إيجابية في حد ذاتها.
وأشار مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية السبت، خلال مؤتمر صحفي في فيينا: "نحن نتخذ خطوات في الاتجاه الصحيح"، مؤكدا أن طهران كانت ستقبل استعادة الكاميرات التي تسجل الأنشطة النووية المنفصلة بإرادتها، وكذلك الوصول إلى المواقع الممنوعة عن الوكالة منذ شباط/ فبراير 2021، بالإضافة إلى مواقع إنتاج الماء الثقيل أو أجهزة الطرد المركزي. لكن هذا الخبر الذي صرح به غروسي لم يظهر كاملا في البيان الصحفي المشترك، إذ يبدو أن الغربيين اعتادوا على الفجوة بين الوعود وتنفيذها.
بحسب غروسي، هناك التزام آخر وجب توضيحه في اجتماع قادم بين الخبراء في طهران. وقد وافق الإيرانيون على "عمليات تفتيش إضافية بنسبة 50 بالمئة في موقع فوردو الاستراتيجي، الذي تم فيه اكتشاف آثار يورانيوم مخصب بنسبة 83.7 بالمئة - أي أقل بقليل من نسبة 90 بالمئة اللازمة لإنتاج قنبلة نووية. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، استأنفت إيران التخصيب هناك بنسبة 60 بالمئة، في حين أن خطة العمل المشتركة الشاملة لا تسمح بتجاوز عتبة الـ3.67 بالمئة.
وأضافت الصحيفة أن السلطات الإيرانية تدعي أن آثار تخصيب اليورانيوم التي وصلت إلى حدود 83.7 بالمئة نشأت من حلقة دقيقة وعرضية. ومن جهته، أكد غروسي عدم وجود تراكم لليورانيوم على هذا المستوى قائلا: "نحن لا نحكم على النوايا".
تعتقد الخبيرة الأمريكية كيلسي دافنبورت، مديرة سياسة حظر الانتشار في رابطة الحد من التسلح، أنه "من غير المرجح أن يكون هذا نتيجة حادث أو تغيير في تكوين أجهزة الطرد المركزي. ربما كان الإيرانيون يجرون تجربة أو يريدون تقييم ردنا النهائي على مثل هذا المستوى من التخصيب. في كلتا الحالتين، يجب أن تفهم طهران بوضوح أن هذا غير مقبول على الإطلاق".
تجاوزات محسوبة
أشارت الصحيفة إلى أن الاستقبال الإيجابي لغروسي يأتي قبل اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي يبدأ اليوم الاثنين. ونقلًا عن صحيفة "وول ستريت جورنال"، فإن الأوروبيين تخلوا عن مناقشة قرار يهدف إلى إدانة الموقف الإيراني. و أعرب الأمريكيون بالفعل عن معارضتهم لهذه الخطوة التي تم اتخاذها في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. ويمكن لثلاثي الدول الأوروبية (فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة) التي كانت تنتظر أيضا خلاصات رافائيل غروسي بعد زيارته لطهران، أن تكتفي ببيان صحفي مشترك.
وذكرت الصحيفة أن الإيرانيين يواصلون التجاوزات المحسوبة، وهم يدركون ثمن الفشل المعلن لجميع الفاعلين في هذا الملف. وتجاوز عتبة التخصيب البالغة 90 بالمئة سيشكل عمليا ورمزيا لحظة الحقيقة، لاسيما أن إيران تمتلك وفقًا لتقديرات خبراء الذرة أنفسهم ما يكفي من المواد الانشطارية لتجهيز خمسة صواريخ نووية وليس صاروخًا واحدا فقط، على أن تكون هذه المادة مخصبة بنسبة 90 بالمئة ويتم احترام الوقت اللازم لتجميع هذه الصواريخ ودمجها، أي ما بين سنة ونصف وسنتين ونصف.
رغم خطورة الموقف والانقطاع الطويل في مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية للأنشطة الإيرانية، وفي ظل غياب أي اتصال دبلوماسي منذ أيلول/ سبتمبر 2022، لا يبدو أن هناك إحساسا بالإلحاح يحرك إدارة بايدن. وبحسب هيذر ويليامز، الخبيرة في مؤسسة راند الفكرية القريبة من الجيش الأمريكي، والعضو السابق في مجلس الاستخبارات الوطني المسؤول عن إيران "تبدو
الولايات المتحدة في طريق مسدود. ولا تبدو المفاوضات قابلة للاستمرار في هذه المرحلة. إلى جانب ذلك، لقد تضاءل اهتمامهم بمرور الوقت مع تقدم البرنامج الإيراني. إذن، أعتقد أن إيران ليست شريكا جادا ملتزما بحسن نية. أخيرا، لا يمكن ببساطة إهمال قمع المتظاهرين في إيران لأشهر. هذا يجعل من الصعب للغاية الجلوس مع النظام الإيراني".
في الثاني من آذار/ مارس الجاري، صرح المتحدث الأمني بالبيت الأبيض جون كيربي بأن المفاوضات مع إيران "ليست موضوعة على جدول الأعمال". وفي مقابلة مع شبكة سي بي إس، أصرّ مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز على مسألة الوقت والخبرة اللازمين لتحويل المواد الانشطارية المتراكمة إلى قنبلة وتجهيز رأس حربي صاروخي. وأضاف: "على حد علمنا، لا نعتقد أن المرشد الأعلى في إيران قد اتخذ قرارا حتى الآن باستئناف برنامج الأسلحة الذي نعتبر أنه تم تعليقه أو إيقافه في نهاية سنة 2003".
روسيا والصين من بين الموقعين على الاتفاق النووي
على هامش اجتماع سياسي في كاليفورنيا السنة الماضية، قال جو بايدن حول خطة العمل الشاملة المشتركة: "الاتفاق النووي مات ولكن لن نعلن عن وفاته، إنها قصة طويلة". ويبقى هاجس الولايات المتحدة منع المزيد من التصعيد لأن الإدارة تركز على الحرب في أوكرانيا والمنافسة المنهجية مع الصين. ويلعب هذان العاملان الجوهريان دورا في الملف الإيراني، فروسيا والصين من بين الموقعين على خطة العمل الشاملة المشتركة.
وأوردت الصحيفة أن المحادثات مع إسرائيل مكثفة ومستمرة حول هذا الملف، حيث سيكون وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر ومستشار الأمن القومي تساحي هنغبي في واشنطن خلال الأيام المقبلة لمناقشة الخيارات المطروحة.
وقد أجرى الطرفان في كانون الثاني/ يناير الماضي أكبر مناورة عسكرية مشتركة في تاريخهما، أُطلق عليها اسم "جونيبر أوك". وقد تجاوز السفير الأمريكي في إسرائيل توم نايدس الخطاب الرسمي عندما أوضح يوم 17 من شباط/ فبراير الماضي أن إسرائيل "تستطيع ويجب أن تفعل كل ما هو ضروري ضد إيران وأن بلاده تقف وراءها لدعمها". وأعطى الدبلوماسي انطباعا بأن إسرائيل مُنحت كل الصلاحيات للتعامل عسكريا مع المسألة الإيرانية وهو ما لا يتوافق مع العقلية السائدة في واشنطن.
أشارت الصحيفة إلى أنه لا يوجد خيار عسكري مفضل وخيار دبلوماسي يلوح في الأفق، ولم يطرح بعد احتمال مضاعفة العقوبات، خاصة أن تحالف المصالح بين موسكو وبكين وطهران، الذي تعززه معاداة واشنطن، يوفر طُرقًا للالتفاف على العقوبات الحالية. لذلك تظل الولايات المتحدة في موقف رد الفعل وقصر النظر، بينما أصبح الملف الإيراني هامشيا في النقاش العام في وسائل الإعلام والكونغرس على حد سواء.
الملاحظات التحذيرية واللغة الخشبية
يتأرجح المسؤولون في إدارة بايدن بين النتائج المثيرة للقلق واللغة الخشبية. وفي حديثه في 28 شباط/ فبراير أمام لجنة في مجلس النواب، وضع وكيل وزارة الدفاع كولن كال بهدوء شروط حالة الطوارئ قائلا إن "التقدم النووي الإيراني منذ خروجنا من خطة العمل المشتركة الشاملة كان ملحوظا. عندما قررت الإدارة السابقة الانسحاب في سنة 2018، كانت إيران بحاجة إلى اثني عشر شهرا لإنتاج المواد الانشطارية لصنع قنبلة. والآن سيستغرق ذلك حوالي اثني عشر يوما" - وذلك في إشارة إلى تداعيات قرار دونالد ترامب بالانسحاب أحادي الجانب من الاتفاقية في سنة 2018.
وبحسب هذا المسؤول الأمريكي الكبير، أصبحت روسيا "تعتمد بشكل متزايد على إيران" من خلال طلب تزويدها بـ"المزيد من الطائرات المسيرة والصواريخ وغيرها من المعدات". وهذا يعني أن الكرملين سيتوقف عن ممارسة الضغط على طهران لإقناع النظام بالعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة.
ومن المستحيل تصور مفاوضات أمريكية جادة وحاسمة حول هذا الموضوع طالما تواصل طهران تسليم المساعدات العسكرية لروسيا بغض النظر عن السياسات الداخلية ومعارضة الكونغرس الحازمة لهذا الأمر.