أمضى الاحتلال عقدا من
الزمن على شروعه بتنفيذ استراتيجية "المعركة بين الحروب" ضد الساحة
السورية لاستهداف القوات
الإيرانية وقوافل أسلحة
حزب الله، بحيث لا تمر بضعة أيام
أو أسابيع إلا وتنقل وسائل الإعلام عن هجوم غامض في الأراضي السورية.
وأعلن الاحتلال عقب بعض الهجمات دون تردد مسؤوليته عنها، مما طرح تساؤلات
إسرائيلية، حول مدى صوابية
استمرار هذه الاستراتيجية، بعد مرور عشر سنوات على البدء فيها.
ورغم أن هذه
الاستراتيجية المعروفة اختصارا باسم "مابام"، تعتبر أهم حملة نفذها جيش
الاحتلال في السنوات الأخيرة في
سوريا، حيث تم تخصيص موارد مالية كثيرة لها من أجل
ضمان استمرارها، وتأييد المنظومتين الأمنية والسياسية، لكن ذلك لا يمنع إعادة
فحصها بحسب باحثين إسرائيليين، وتحليل آثارها وعواقبها بانتظام، لأن الوقت يتغير،
ويشهد اختلافا في الوقائع، في حين ما زال الاحتلال يتمسك باستراتيجية قد تكون غير
فعالة بما يكفي للتعامل مع الاتجاهات الجديدة والتهديدات الشاملة وطويلة المدى.
عيدان كدوري الباحثة
في
معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، أشارت إلى أن "استمرار هذه
الاستراتيجية سيبقي على القيود التي يفرضها النظام السوري على القوات الإيرانية في
أراضيه، لكنه قد يترتب عليها ثمن يفوق المنفعة الإسرائيلية، لأن هذه الاستراتيجية
تواجه الآن في شكلها الحالي تحدياً يتمثل بمعادلة رد الفعل الإيراني ضد القوات
الأمريكية في المنطقة؛ وعدم القدرة على تعطيل أو تأخير جهود تعزيز إيران على
الأراضي السورية؛ بل أسفرت عن توطيد العلاقات بين روسيا وإيران، وتعزيز هذا
المحور، وتعميق التواجد الإيراني في سوريا، مما يتطلب فحصًا وصياغة استراتيجية
مناسبة".
وأضافت في دراسة
ترجمتها "عربي21" أن "المطلوب الآن بعد مرور عقد كامل على اتباع
هذه الاستراتيجية هو إعادة التفكير في أهداف جيش الاحتلال في إطار صياغة
استراتيجية واسعة ومحدثة تجاه الساحة السورية، وبلغة الأرقام فقد شهدت سنوات
2018-2019 وقوع 18- 22 هجومًا سنويًا، مقارنة بـ 36-32 هجومًا سنويًا حدث بين
2020-2022، وتعكس هذه الزيادة تحول منظومة الدفاع الجوي إلى عنصر مركزي في
الاستراتيجية الإسرائيلية ضد الساحة الشمالية، بمعدل 3 غارات جوية شهرياً، وفي
المجموع شهدت أعوام 2018-2022 تنفيذ 145 غارة جوية".
وأشارت إلى أن
"الاستراتيجية الإسرائيلية بينما نجحت في إقناع الأسد بالطلب من إيران
وممثليها عدم تنفيذ هجمات ضد إسرائيل انطلاقاً من الأراضي السورية، لكن الهجمات
الإيرانية على القواعد الأمريكية في المنطقة ردا على الغارات الإسرائيلية توضح
الثمن الذي تدفعه الولايات المتحدة، وقد يؤدي لتقليص مشاركتها لدرجة الانسحاب من
سوريا خلافًا للمصالح الإسرائيلية، ولعل استمرار الهجمات يثير التساؤلات حول
استمرار الدعم الأمريكي للحملة الإسرائيلية الهادفة لتقليص نطاق الجيش الإيراني في
سوريا".
وأوضحت أن
"التقارير الإسرائيلية المتوفرة تشير إلى أن جهود الضغط على النظام السوري
ليست فعالة لمنع استمرار مشروع التسليح الإيراني، بدليل إنشاء منشآت إنتاج أسلحة
تحت الأرض من أجل خلق حصانة طويلة الأمد ضد الضربات الجوية، مما جعل من التركيز
الإسرائيلي على المطارات السورية في دمشق وحلب سببا لزيادة التوترات بين تل أبيب
وموسكو، ومع اندلاع حرب أوكرانيا أعرب الإسرائيليون عن قلقهم من تقييد حرية
العمليات الجوية في سوريا، والإضرار بمصالحهم فيها، رغم أن التنسيق العملياتي بين
إسرائيل وروسيا لا يزال سليماً، لكن عددا من التطورات قد تشير لإمكانية تراجعه، في
ضوء تقارب إيران وروسيا".
وتكشف الاستنتاجات
الإسرائيلية أن استراتيجية المعركة بين الحروب تظهر بأنها غير فعالة بما يكفي
للتعامل مع الاتجاهات الجديدة والاستراتيجية الإيرانية الشاملة وطويلة الأمد، مما
يتطلب من الاحتلال إعادة صياغة استراتيجية مناسبة، وإعادة التفكير بأهداف القوة
الجوية وحدودها، وفحص أهداف الهجوم في سوريا، وفي نفس الوقت تقليص الهجمات على
الأهداف المدنية كالمطارات والبنى التحتية، مقابل إمكانية تعزيز العمل السري فيها،
بزعم أنها تنطوي على إمكانات كبيرة لتحقيق مصالح الاحتلال.
وأكثر من ذلك، تتحدث
المحافل العسكرية الإسرائيلية عن معالم سياسة جديدة، ليست بديلة عن "المعركة
بين الحروب"، ولكن معززة لها، ومن ذلك تكثيف الحرب السيبرانية
والاقتصادية، والجهود الدبلوماسية والاقتصادية، سواء بالتعاون مع دول المنطقة، أو
التجمعات السكانية داخل سوريا كالدروز والأكراد.