أثار الرئيس
التونسي، قيس سعيّد، موجة انتقادات، بعد أن دعا خلال مجلس الأمن القومي إلى ضرورة وضع حد لظاهرة تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين غير النظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء إلى بلاده، مرجعا الأمر إلى "ترتيب إجرامي يهدف لتغيير تركيبة تونس الديمغرافية".
وقال سعيد إن "هذا الوضع غير طبيعي، وهناك ترتيب إجرامي تمّ إعداده منذ مطلع هذا القرن لتغيير التركيبة الديمغرافية لتونس، وهناك جهات تلقت أموالا طائلة بعد سنة 2011، لتوطين المهاجرين غير النظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء في تونس".
وأشار سعيّد إلى أن "الهدف غير المعلن لهذه الموجات المتعاقبة من
الهجرة غير النظامية، اعتبار تونس دولة أفريقية فقط، ولا انتماء لها للأمتين العربية والإسلامية".
وفي الوقت ذاته، أكد سعيّد أن "تونس تعتزّ بانتمائها الأفريقي، فهي من الدول المؤسسة لمنظمة الوحدة الأفريقية، وساندت عديد الشعوب في نضالها من أجل التحرر والاستقلال".
ودعا سعيّد إلى "ضرورة وضع حد لهذه الظاهرة، والعمل على كل الأصعدة الدبلوماسية والأمنية والعسكرية، والتطبيق الصارم للقانون المتعلق بوضعية الأجانب في تونس ولاجتياز الحدود خلسة".
دعوة سعيّد أثارت إعجاب المتطرف الفرنسي
إيريك زمور، الذي قال إن "البلدان المغاربية نفسها بدأت في دق ناقوس الخطر في مواجهة تصاعد الهجرة. تونس تريد اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية شعبها. ما الذي ننتظره لمحاربة الاستبدال العظيم؟".
و"الاستبدال العظيم" هي نظرية يمينية متطرفة، صاغها الكاتب الفرنسي رينو كامو عام 2010، وتقوم على فكرة وجود "مؤامرة" أن يستبدل بالسكان الأوروبيين المسيحيين البيض سكانا مسلمين وعربا من الشرق الأوسط وأفريقيا.
وتسببت هذه النظرية بحوادث عدة تعرض لها المسلمون في العالم، أبرزها الجريمة التي ارتكبها الأسترالي المتطرف برينتون تارنت ضد مسجدين في نيوزيلندا عام 2019، وأسفرت عن مقتل 50 شخصا وجرح العشرات، خلال أدائهم صلاة الجمعة، حيث ردد الجاني شعارات مؤيدة لنظرية "الاستبدال" قبل تنفيذ الجريمة.
في المقابل، انتقد الرئيس التونسي الأسبق، منصف المرزوقي، خطاب الرئيس قيس سعيّد الأخير الذي تحدث فيه عن وجود "ترتيب إجرامي" لتوطين المهاجرين الأفارقة في بلاده، معتبرا أنه يساهم في تدمير سمعة تونس في القارة الأفريقية.
وكتب المرزوقي على صفحته في موقع فيسبوك: "بعد الخراب الذي أحدثه في الوحدة الوطنية وفي مؤسسات الدولة واقتصاد البلاد، ها هو (سعيّد) يدمر سمعة بلادنا في أفريقيا بخطابه الذي لاقى ترحيبا عند كل العنصريين، ومنهم كبيرهم في فرنسا المدعو إريك زمور"، محذرا من خطورة الخطاب الشعبوي والمتطرف على مستقبل البلاد.
وأضاف: "على فكرة: أفريقيا اسم القارة مشتق من كلمة فريڨية، وكانت تطلق على الشمال الغربي لتونس قبل ألفي سنة، ما يعني أننا نحن التوانسة -كما كنت أردد بفخر لرؤساء الدول الأفريقية في القمم التي لا يذهب لها المنقلب- أول وأقدم الأفريقيين. ويحدثونك اليوم عن الأفريقيين كما لو كانوا يسكنون قارة أخرى!".
كما طالب حزب العمال التونسي الرئيس
قيس سعيد بالاعتذار عن تصريحات بشأن المهاجرين غير النظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء وصفها بـ"العنصرية".
وذكر الحزب في بيان: "نطالب (الرئيس) قيس سعيد بالاعتذار للشعب التونسي وللإخوة الجنوب صحراويين الموجودين في بلادنا، وبالتراجع عن كل الإجراءات القمعية التي اتخذها بشأنهم" دون تفصيل.
ووصف الحزب خطاب سعيد بـ"العنصري"، وبأنه "لا يخدم إلا قوى اليمين العنصري المتطرف ضد أبناء وبنات جلدتنا الذين يعيشون في الخارج".
ودعا بيان الحزب إلى "وقف حملة الاعتقالات العشوائية التي تستهدفهم (المهاجرين) وكل الحملات الإعلامية ضدهم، وتجريم كل من يقوم بها مهما كانت الوسيلة المستعملة".
كما طالب بـ"تسوية وضعية المهاجرين الموجودين في تونس، والتكفل بحمايتهم، وضمان حقوقهم حتى نضع حدا نهائيا للاستغلال الذي يتعرضون له".
بدوره، اعتبر المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (خاص يتابع أوضاع المهاجرين) رمضان بن عمر، الأربعاء، أنه يوجد "تضخيم" لعدد المهاجرين غير النظاميين من دول أفريقيا جنوب الصحراء في بلاده؛ "لمحاولة خلق تهديد غير موجود".
ونافيا صحة تقدير قدمته وسائل إعلام تونسية قبل أشهر، قال بن عمر، لوكالة الأناضول، إن "الحديث عن 700 ألف مهاجر من أفريقيا جنوب الصحراء هو رقم غير صحيح".
كما أن هذا الرقم، بحسب بن عمر، "يتجاهل أرقام المعهد الوطني للإحصاء (حكومي) عام 2021، وهو مؤسسة رسمية تابعة للدولة، وتحدث عن 21 ألف مهاجر من أفريقيا جنوب الصحراء فقط في تونس، بمن فيهم اللاجئون وطالبو اللجوء والطلبة".
وشدد على أن "هناك من يحاول تضخيم المعطيات العددية (بالنسبة للمهاجرين) لمحاولة خلق تهديد غير موجود أصلا".
ومنتقدا خطاب سعيد الثلاثاء، قال بن عمر: "نشعر بخيبة الأمل من هذا الخطاب، ولنا سخط كبير مما تضمنه من عبارات تمييزية، وفيها وصم وحتى تمييز عنصري تجاه المهاجرين من جنوب الصحراء".
وقال بن عمر: "كنا ننتظر أن تكون للرئيس استجابة أكثر إنسانية تجاه وضعية المهاجرين من جنوب الصحراء في تونس، وأن يتصدى لحملات العنصرية والكراهية المنتشرة ضدهم اليوم".
واستدرك: "لكن للأسف، رئيس الجمهورية ركب الحملة وتزعمها، وبيَّن أنها سياسة دولة وليست سياسة مجموعات منفلتة لا تحترم القانون.. مع البيان (الخطاب) الرئاسي البارحة أصبحت سياسة دولة".