قال
تقرير لموقع "
ميدل إيست آي"، إن آلاف
المصريين في شمال سيناء يواجهون
خطر الترحيل والنزوح القسري بسبب مشروع الميناء الذي تعمل السلطات على تطويره في
العريش.
وجاء
في التقرير الذي عملت عليه شاهندا نجيب، أن المشروع الجديد جزء من خطط رئيس النظام
المصري عبد الفتاح
السيسي، لجذب الاستثمارات الأجنبية عبر خصخصة الشركات والأصول
التي تعود للدولة، والسماح لهم بالتحكم في ستة موانئ استراتيجية تطل على البحر الأبيض
المتوسط، والبحر الأحمر، بما فيها ميناء العريش.
ورفض
الجيش وسلطة الهندسة التابعة للقوات المسلحة، خططا وضعتها نقابة المهندسين، من
شأنها أن تجمع بين التطوير، ورغبات المجتمع المحلي، دون الحاجة إلى هدم البيوت.
وأشار الموقع إلى أن مصدرا أمنيا برر
ذلك بأن تطوير المنطقة يحمل بعدا أمنيا بالإضافة إلى البعد الاقتصادي، وأن أي مستثمر
أجنبي يأمل في إدارة الميناء، لا يفضل أن يكون بجواره مناطق سكنية، ربما يتسلل
منها مهاجمون، وانتحاريون.
وتاليا
التقرير كاملا كما ترجمته "عربي21":
يوجه آلاف الناس في شمال سيناء الذي
مزقته الحرب في مصر خطر النزوح القسري على يد الجيش بينما يتم تنفيذ خطط غايتها
إخلاء أجزاء من مدينة العريش من السكان تمهيداً لإنشاء ميناء جديد على قناة
السويس، كما تقول المصادر والسكان الذين تحدثوا مع موقع ميدل إيست آي.
لم يتم الإعلان عن رقم رسمي، إلا أن
السكان والنشطاء يقدرون أن ما يقرب من 21 ألف من السكان سوف يتضررون من الميناء
الذي يتم التخطيط لإقامته في العريش، أكبر مدينة في شبه الجزيرة، والتي تقع على
ساحل البحر المتوسط إلى الشرق من ثغر القناة.
يقدر نائب البرلمان عن مدينة العريش
رحمي بكر العدد بما يقرب من أربعة آلاف.
تأتي الخطوة كجزء من خطط حكومة الرئيس
عبد الفتاح السيسي خصخصة الشركات وغير ذلك من الأصول التي تعود ملكيتها إلى سلطة
قناة السويس، بما يسمح للمستثمرين الأجانب أو الكيانات الأجنبية التحكم بستة موانئ
استراتيجية تطل على البحر المتوسط وعلى البحر الأحمر، بما في ذلك ميناء العريش.
تأتي الخصخصة كجزء من العديد من
الاستملاكات داخل مصر من قبل شركات أجنبية، هي في الأغلب من بلدان الخليج، على أمل
أن يساهم ذلك في تعزيز اقتصاد البلاد الذي يواجه مصاعب جمة.
ولكن في حركة نادرة من التحدي في شبه
الجزيرة الذي يخضع لإجراءات أمنية مشددة، ينظم السكان احتجاجات يومية أمام مبنى
محافظة شمال سيناء في منطقة الريسة من المدينة، رجاء أن يفضي ذلك إما إلى إلغاء
مشروع التطوير أو تقديم تعويضات مناسبة إلى الذين يتم إخلاؤهم.
وفي تصريح لموقع ميدل إيست آي، يقول
خورشيد، وهو خباز منزله معرض لخطر الهدم: "عليهم أن يقتلونا إذا كانوا يريدون
طردنا، فبيوتنا هي شرفنا".
وفي وقت مبكر من شهر كانون الثاني/ يناير
صرح رئيس الوزراء مصطفى مدبولي للصحافة بأن العمل الذي يجري في مشروع التطوير داخل
ميناء العريش إنما هو جزء من "استراتيجية تطوير الموانئ المصرية ورفع قدراتها
التجارية... سعياً لإنجاز استراتيجية التنمية المستدامة للدولة المصرية".
وكانت الأرض فيما مضى ملكاً للدولة،
ولكن في عام 2019 اشتمل مرسوم رئاسي على "إعادة تخصيص منطقة من الأرض المملوكة
للدولة في محافظة شمال سيناء لصالح القوات المسلحة من أجل استخدامها في توسيع
وتطوير ميناء العريش".
تناط بسلطة الهندسة في القوات المسلحة
مسؤولية تطوير الميناء والمناطق المحيطة به.
ويقضي مشروع التطوير بإزالة الأحياء
السكنية المحيطة بالميناء والمباني الإدارية التابعة له، وخاصة في حي الريسة
الأوسع نطاقاً، والذي يقطنه حالياً ما يقرب من 21 ألف نسمة، بحسب ما صرحت به محافظة شمال سيناء.
وسوف يشمل البناء توسيع الأرصفة التي
تستخدم لتحميل وتنزيل البضائع والحاويات على السفن ومنها.
في تصريح لموقع ميدل إيست آي، قال محمد
عبد الفاضل شوشة، الذي يعمل داخل مكتب محافظة شمال سيناء، إن مائة عائلة تم
تعويضها حتى الآن، إلا أن السكان يقولون إن هذا الرقم هو نفسه منذ عام 2020.
وبحسب حجم المنزل، فإن التعويضات تتراوح ما
بين 100 ألف و 350 ألف جنيه مصري (ما يعادل 3275 إلى 11455 دولاراً).
ويقول مكتب شوشة: "المحافظة ليست
صاحبة القرار، وإنما هي مجرد قناة بين الناس والحكومة. لقد عقدنا اجتماعات في
الثاني عشر والثالث عشر من شباط/ فبراير في مقر المحافظة الرئيسي، وننوي تسليم رفض
السكان إلى الإدارة السياسية".
لقد حمل سكان شمال سيناء عبء حملة
استمرت ثمان سنين داخل المنطقة بين القوات المسلحة المصرية وولاية سيناء، الفرع
المحلي لتنظيم الدولة. بدأ المسلحون بشن هجمات في عام 2011 حينما كانوا
يرتبطون بالقاعدة، ثم ما لبثوا بعد ذلك أن بايعوا تنظيم الدولة وبدأوا
يعرفون باسم ولاية سيناء.
ولا توجد أرقام رسمية لأعداد من قضوا
نحبهم في الصراع، ولكن بحسب الإحصاءات التي جمعها باحثون مستقلون لا يفصحون عن
هويتهم حفاظاً على سلامتهم فإن ما يزيد عن 1500 من عناصر الجيش لقوا حتفهم ما بين
عام 2011 وشهر حزيران/ يونيو من عام 2018.
وفي هذه الأثناء، تعتقد منظمة "هيومن
رايتس ووتش" إن ما يزيد عن مائة ألف من سكان شمال سيناء الذين يبلغ تعدادهم
450 ألف نسمة أخرجوا قسراً أو نزحوا من المنطقة منذ عام 2013.
ولم تزل مدينة العريش مسرحاً للعديد من
الهجمات الكبيرة وعمليات الخطف، ولقد أفضت حملة القمع التي تشنها الأجهزة الأمنية
إلى مقتل المئات من المدنيين وعناصر الجيش.
وتخضع المدينة لهذه الحملة من القمع منذ
عام 2017، وذلك مع أن وتيرة وشدة الهجمات تراجعت إلى حد ما خلال العامين الماضيين،
بينما زادت حدة في منطقة الإسماعيلية على الضفة الغربية من القناة.
مشاعر معادية للحكومة
يبلغ سلمان، الذي يعمل حارس أمن في
إحدى شركات النفط، الخامسة والخمسين من عمره. وكان سلمان يمتلك شقة في منطقة
شاليهات السعد، والتي صنفت باعتبارها "مشروع تطوير في الجوار". ولكن في
شهر أيلول/ سبتمبر من عام 2022 تم إبلاغه من خلال كتاب خطي إن عليه إخلاء المكان.
ثم صحا ذات يوم ليجد كلمة "هدم" قد طليت على باب منزله باللون الأحمر.
خلال ثلاثة أيام كان المنزل قد هدم بوجود قوات مكافحة الشغب للحيلولة دونأي نوع من
التجمع أو المقاومة.
وقال سلمان متحدثاً لموقع ميدل إيست آي:
"لا يمكنني إقناع أبنائي الذين رأوا منزلهم يدمر على أيدي الجيش بأن يكونوا
وطنيين أو قوميين". وقال إن عائلته اضطرت للانتقال إلى الإسماعيلية المجاورة
حيث تقيم مع بعض الأقارب.
وقال إن المشاعر المعادية للحكومة
تتنامى داخل المدينة.
وتم نشر العديد من مقاطع الفيديو التي
يظهر فيها السكان وهم ينظمون تجمعات صغيرة للاحتجاج والتعبير عن مطالبهم بما في
ذلك مطالبة الحكومة بالتوقف عن هدم بيوتهم.
وأكد أحد المتظاهرين ممن تواجدوا في تلك
التجمعات صحة مقاطع الفيديو وكرر ما كان يردده المتظاهرون من تظلم. وفي تصريح
لموقع ميدل إيست آي، قالت أم محمد، التي تبلغ الخامسة والثلاثين من عمرها:
"لقد عانينا من الإرهابيين وتهديداتهم، وها نحن الآن نواجه إرهاب المحافظة
التي تعزم هدم منزلنا وطردنا".
وأضافت: "معظم المنازل التي في
منطقة الريسة شيدها عمال كدحوا لسنوات من أجل تأمين سكن لعائلاتهم. لقد عمل شقيقي
ووالدي في مشاريع البناء في مختلف أرجاء شبه الجزيرة من أجل أن يدفعوا ثمن كل
لبنة. والآن يريدون منا أن نرحل".
وتخشى أم محمد، ويشاركها في ذلك آخرون،
من أن التعويض المقترح لن يكفي لشراء أراض أو منازل في شمال سيناء، فالأسعار لم
تلبث ترتفع بشكل حاد منذ 2019 مع فقدان الجنيه المصري لقيمته واستملاك الجيش لمعظم
المساحات الخالية من أجل إنشاء مجمعات سياحية أو سكنية.
وكثير من السكان هم من أهل البلاد
الأصليين في سيناء، عاش أسلافهم في المدينة منذ أيام الاحتلال البريطاني. وعن ذلك
تقول أم محمد: "شاركت عائلتنا في المقاومة ضد البريطانيين ثم ضد الصهاينة في
عام 1948. لقد قاتل والدي في حروب مختلفة، بما في ذلك في حرب العبور عام 1973، وبقينا
نعيش في العريش على الرغم من أن الإرهابيين كانوا يجولون ويصولون في
شوارعنا".
ويندر أن تنظم احتجاجات في شمال سيناء،
حيث تقوم الأجهزة العسكرية والأمنية بإخفاء المدنيين قسرياً.
ويحتج السكان عبر الإنترنت من خلال نشر
مقاطع الفيديو والتدوينات التي يعترضون من خلالها على هدم منازلهم.
وفي مقطع فيديو نشرته مؤسسة سيناء لحقوق
الإنسان، يظهر رجل ضمن مجموعة من الناس احتشدوا داخل منطقة الميناء، وهو يتحدث
للكاميرا متسائلاً: "لماذا يلقون بنا في الشوارع؟ يأتون على ظهر الدبابات
ليهدموا منازلنا. لماذا؟ ألسنا بشراً؟".
ويمضي قائلاً: "لماذا يحدث هذا؟
لمصلحة قطر، الإمارات العربية المتحدة، إسرائيل، المملكة العربية السعودية، أم من؟
لقد تم بيع البلد".
لقد أخفقت المحاولات التي قام بها
المجتمع المدني في 2021 ثم في 2022 للخروج بحل بديل يحقق للجيش احتياجاته
الإنشائية وفي نفس الوقت يحافظ على البيوت ويحول دون هدمها.
وقال رئيس نقابة المهندسين في شمال
سيناء، أمين جودة، إن النقابة وضعت خططاً من شأنها أن تحافظ على "هدف التطوير
والاستجابة لرغبة المجتمع المحلي" من خلال توسيع الطرق الموجودة حالياً بدلاً
من هدم البيوت لإنشاء طرق جديدة. ولكن جودة قال في تصريح لموقع ميدل إيست آي إن
الجيش وسلطة الهندسة رفضا المقترح.
وفي حديثه مع موقع ميدل إيست آي، قال
بكر، نائب البرلمان عن العريش، إنه رغم إقراره بالأهمية الاقتصادية للمشروع، فإنه
يطالب بإعادة النظر في عملية التطوير لتفادي طرد السكان، ولكنه لم يتلق حتى الآن
أي رد من الحكومة.
إلا أن بكر رفض التعليق على تجمعات
السكان الاحتجاجية، ودعا كبراء شمال سيناء وزعماء القبائل فيها إلى التدخل حتى لا
يتم السماح "للعناصر المحرضة ببث الكراهية بين الجيش والشعب".
وفي تصريح لموقع ميدل إيست آي قال مصدر
أمني إن الغاية من مشاريع التطوير هي ذات بعد أمني بالإضافة إلى البعد الاقتصادي.
فأي مستثمر أجنبي يأمل في إدارة الميناء، كما قال، يفضل ألا يكون بجواره مناطق
سكنية، لأنه سيخشى من تسلل المهاجمين أو الانتحاريين.