يعتبر جامع
جنين الكبير أو "
مسجد فاطمة خاتون"، من أهم
المعالم
التاريخية والأثرية في مدينة جنين شمال الضفة الغربية، ومن أبرز المعالم
التاريخية في الحضارة الإسلامية في
فلسطين، ومن أقدم التحف المعمارية العثمانية.
ولهذا المسجد الذي يتوسط مدينة جنين قصة جميلة مع "فاطمة
خاتون" ابنة محمد بك بن السلطان الملك الأشرف قانسوة الغوري؛ والتي بنته
نهاية الحقبة العثمانية قبل قرابة الـ500 عام، وظل المسجد حتى يومنا هذا يحمل اسمه إلى
جانب مسجد جنين الكبير، وقد كان شاهدا على هزيمة نابليون الذي قصفه بالمنجنيق إبان
حملته الشهيرة.
وأكد صلاح جودة، مدير عام مديرية أوقاف محافظة جنين، أن مسجد جنين
الكبير هو من أبرز المعالم الأثرية في محافظة جنين.
وقال جودة لـ
"عربي21": "جامع جنين الكبير، هو مسجد
أثري يعود للحقبة العثمانية في فلسطين، ويقع وسط مدينة جنين شمال الضفة الغربية".
صلاح جودة.. مدير عام أوقاف جنين
وأضاف: "يعتبر المسجد أهم المعالم التاريخية في المدينة، والذي
أقامته فاطمة خاتون ابنة محمد بك بن السلطان الملك الاشرف قانسوة الغوري بل هو من
أبرز المعالم التاريخية في الحضارة الإسلامية في جنين".
وأشار إلى أن هذا المسجد يعد من أقدم التحف المعمارية العثمانية في
فلسطين، وهو مشابه في تصميمه لجامع الجزار في عكا والجامع الكبير في الرملة.
وقال جودة: "تم بناء مسجد جنين الكبير في أواخر عهد السلطان
العثماني سليمان القانوني في حوالي سنة 974هـ الموافق 1566 ميلادية، أي قبل حوالي
خمسمائة عام تقريباً".
وأضاف: "يعتبر مسجد جنين الكبير (فاطمة خاتون) معلما دينيا
وأثريا ومنارة علمية يقصده طلبة الجامعات لعمل أبحاث في تخصصاتهم العلمية من خلال
مكتبته الضخمة والتي تحوي أكثر من تسعة آلاف كتاب".
وشدد جودة على أن مسجد جنين الكبير تحول إلى مزار للكثير من الزوار
والسائحين الأجانب والمحليين.
وأوضح أن وزارة الأوقاف عملت على توسعة المسجد عام ١٩٩٨م بحيث أصبح
يتسع لثلاثة آلاف مصل، وقامت بحفر بئرين للمياه ليغذيا المسجد والمساجد القريبة
منه، وعمل مصلى خاص للنساء.
وقال: "في فترة الإعمار الأخير للمسجد تمت تغطية الساحة وسط
المسجد بالقرميد، وعمل بعض الإضافات الحديثة، ما أفقده بعض القيمة التاريخية".
وأضاف: "إلا أننا في عام ٢٠١٩م قمنا بعمل دراسة شاملة عن المسجد
وتم رفع تقرير للوزارة تم الطلب فيه إعادة المسجد إلى صورته التاريخية العثمانية،
وقمنا بعمل دراسة تقديرية للتكاليف بالتواصل مع إحدى المؤسسات الخيرية التركية وهي
جمعية تيكا التركية التي استجابت لطلبنا بالموافقة على تمويل إعادة المسجد إلى وضعه
التاريخي التركي وإزالة كل الإضافات الحديثة".
وتابع: "حضر إلى فلسطين وفد من "تيكا" وقمت بمرافقتهم للاطلاع على
المسجد وقاموا بمعاينة المسجد من كل النواحي وصوروا كل معالم المسجد ومرافقه، وأبلغوني
بعد الزيارة بالموافقة على إعادة ترميم المسجد وإزالة كل الإضافات الحديثة
وترميمه، وإعادته إلى الصبغة الأثرية القديمة ضمن مخططات تم وضعها بالتنسيق بيننا".
وأشار إلى أن "تيكا" بصدد إعادة رصد لمبلغ تكلفة إعادة الترميم لما
يقارب المليون دولار، مؤكدا أنهم بانتظار مؤسسة تيكا لتنفيذ المشروع.
وشدد على أنهم حريصون جدا على التاريخ الإسلامي، مستعرضا اهتمام
وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بالأماكن التاريخية والدينية.
وقال جودة: "نحن في أوقاف جنين حريصون جدا على تاريخ مسجد فاطمة
خاتون الأثري ومعنيون بإبراز صبغته التاريخية الأثرية، والدليل على ذلك أن المسجد
يقع في وسط جنين وهو المركز التجاري للمدينة وأن المسجد ومرفقاته على مساحة أكثر
من دونمين".
وأضاف: "الوزارة رفضت إنشاء مشروع تجاري كبير مكان المسجد يدر
على الأوقاف ملايين الدولارات، وأصرت على إبقائه كما هو والمحافظة عليه كمعلم
تاريخي ديني عثماني في جنين، ولن نقبل أن نزيل الآثار والتاريخ مقابل المال مهما
كثر، فنحن نقع تحت الاحتلال، وأحد أهم أسلحتنا في فلسطين هو إظهار حقنا التاريخي
فيها وأن الاحتلال ليس له تاريخ أو حضارة على هذه الأرض".
وتطرق جودة لاعتداء الاحتلال على الأماكن التاريخية في فلسطين، مؤكدا
أن الاحتلال يحاول سرقة التاريخ كما سرق الأرض.
وقال: "اعتداءات الاحتلال المتكررة على المسجد الاقصى ومحاولته
السيطرة عليه باتت واضحة للعيان، وما محاولات هدم المسجد الأقصى لإقامة هيكلهم
المزعوم مكانه، إلا ضمن سلسلة من محاولات طمس
الهوية
الإسلامية لفلسطين واستكمال لما بدأوه في الحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة
الخليل من تقسيم الحرم الإبراهيمي في الخليل والسماح بقوة السلاح والغطرسة لقطعان
المستوطنين بالصلاة فيه في أوقات معينة ومنع المسلمين حتى من رفع الأذان فيه في
كثير من الأوقات".
وأضاف: "وزارة الأوقاف أخذت دورها في حماية المسجد الأقصى من
خلال متابعة الحرم وتقديم كل ما يلزم للحفاظ عليه وإقامة الصلوات وحشد المصلين
ومراكز تحفيظ القرآن وعقد الاجتماعات الجماعية للموظفين فيه".
وأكد أن قوات الاحتلال تمنعهم من ممارسة الشعائر الدينية في أحد
المساجد في جنين، والذي يقع ضمن أراضي منطقة جبع بحجة وقوعه ضمن معسكر لجيش
الاحتلال.
وأشار إلى أن الاحتلال كان قد سيطر على هذا المسجد بعد احتلال عام
١٩٦٧م، مؤكدا أنه رغم انسحاب قوات الاحتلال منه بعد اتفاق أوسلو عام 1993م إلا أنهم
يمنعون المواطنين بالقوة من الصلاة فيه أو حتى إعادة إعماره.
وقال: "منذ عامين قمنا في أوقاف جنين بدعوة لإقامة صلاة الجمعة
فيه إلا أن الاحتلال منعنا بالقوة وأرسل قوات جيش الاحتلال لمنعنا".
وقال جودة: "تعمل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ممثلة
بمديرياتها وموظفيها على الوقوف على احتياجات المساجد الأملاك الوقفية والمقامات
والأماكن الأثرية التابعة للأوقاف، حيث تسعى أن تكون حريصة كل الحرص و ضمن أعلى
سلم أولوياتها أن تكون المساجد والأماكن الأثرية بغاية الجهوزية وأن تبقى دائما
طاهرة ونظيفة، وذلك من خلال المتابعة المستمرة لعمليات الترميم والتنظيف
والرعاية وتخصيص طاقم عمل يرعى هذه الأماكن والمساجد الأثرية.
ومن جهته قال الباحث في التاريخ والآثار نضال الخطيب: "السيدة
فاطمة خاتون زوجة والي دمشق المملوكي محمود بيك ابن السلطان أشرف قانسوة الغوري هي
التي أمرت ببناء مسجد جنين الكبير في مركز المدينة عام ١٥٦٦م- ٩٧٤هـ، وذلك على
أنقاض مسجد صغير بني في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، حينما جاء فاتحا
لفلسطين ليتسلم مفاتيح القدس".
نضال الخطيب.. باحث فلسطيني في التاريخ والآثار
وأوضح ألحقت خاتون لهذا المبنى مجموعة من المباني الأخرى التابعة له
منها حمام عام وخان وسبيل ماء وسوق وأوقفت له العديد من الأراضي والبساتين التي
توجد في محافظة جنين حاليا.
وأضاف الخطيب لـ
"عربي21": "يعتبر المسجد من أبرز
المعالم التاريخية والأثرية في جنين، وسبب بناءه أن السيدة خاتون أقامت بضع أيام
في مدينة جنين أثناء سفرها لأداء مناسك الحج وقررت بناء المسجد والمرافق المرافقة
له بهدف توفير المأوى والمأكل للمسافرين".
وأوضح أن للمسجد سبعة قباب وهي القبة المركزية التي تقع فوق الصحن
المركزي للمسجد، وست قباب صغيرة تقع فوق الرواق الشمالي الذي يقع أمام الصحن
المركزي للمسجد.
وأشار إلى أن المسجد مبني على الطراز المعماري العثماني، وسمي
بالمسجد "الكبير" لأنه وخلال فترات لاحقة تم بناء مسجد إلى الجهة
الجنوبية يبعد حوالي ٥٠٠ متر عرف بالمسجد الصغير فأصبح أهل جنين وتمييزا للمسجد
الكبير عن الصغير يلقبونه بالكبير إلا أنه في العام ١٩٧٠ تم هدم المسجد الصغير
وبناء مسجد آخر مكانه وظل مسجد فاطمة خاتون على حاله.
وتبلغ مساحة المسجد مع الأرض التي يقع عليها حوالي ٣ دونمات و٧٠٠ متر
بحسب الخطيب.
وقال: "تعود قصة بناء المسجد إلى زيارة السيدة فاطمة خاتون إلى
جنين في رحلتها التاريخية من لبنان وسوريا مروراً بفلسطين، ولما وصلت جنين أعجبها
موقعها، حيث البساتين العامرة، والمياه المتدفقة ومن حولها مرج ابن عامر الشهير
بتاريخه وخصوبة أراضيه، وقررت حينما وصلت إلى موقع المسجد الحالي أن تنشئ مسجداً
بعدما رأت المكان خاليًا من المساجد.
وأضاف: "تبدو الآثار شاهدة على ما تعرضت له جنين في عام 1799م
من غزو الفرنسيين على يد نابليون بونابرت، الذي قصف المدينة بالمنجنيق، وتصدى له
الأهالي في معركة تُعرف بمعركة المرج، وأصاب نابليون أحد الأعمدة الشرقية للمسجد
الكبير، وألحق به دمارًا".
وأوضح الخطيب أن المسجد كان يحوي عند بنائه تكية إطعام الفقراء
والمساكين وعابري السبيل ومخبزا أقيم لأجل ذلك، ضمن الوقفية، ليكون معلما متكاملا
للعلم والإيمان، ومأوىً لابن السبيل، ويجد فيه الفقير والمسكين طعامه وبغيته.
وأكد على أن المسجد يضم حاليا مكتبة ضخمة، وكان هناك حمام تركي ضخم
ذو قبة تشبه قبة المسجد، لكنه تصدع نتيجة زلزال ضرب فلسطين عام 1927م، وتأذت مرافق
المسجد منه أيضا.
وأشار إلى أن بلدية جنين هدمت الحمام التركي بدلاً من ترميمه في
خمسينيات القرن الماضي، وحولته إلى ساحة عامة أصبحت سوقا للخضار بعد ذلك، فيما بقي
قبر السيد علي جاويش، المشرف على بناء المسجد في عهد فاطمة خاتون، داخل ساحة
المسجد شاهدا على عصر مضى.
ومن جهته أكد الكاتب والمحلل السياسي لؤي الغول على أن مسجد جنين
الكبير شاهد على الكثير من الأحداث التي وقعت في هذه المحافظة المقاومة منذ قرابة
500 عام.
لؤي الغول.. كاتب وصحفي فلسطيني
وأشار الغول في حديثه لـ
"عربي21" إلى أن هذا المسجد يعتبر
أحد المعالم التاريخية لمدينة جنين، وأحد أهم هذه المعالم التي حافظت على الهوية
الفلسطينية لهذه المدينة في ظل مطامع الاحتلال فيها.
وقال: "يكفي فخرا لهذا المسجد الأثري أنه شاهد على هزيمة
نابليون والذي من شدة جنونه قصف المدينة بالمنجنيق وتضررت أعمدة المسجد".
وأضاف: "نابليون هزم في جنين، ومن بعده الإنجليز الذين احتلوها
لسنوات، وها هم أبناء جنين يقاومون الاحتلال الإسرائيلي وإن إخراجهم بات مسألة وقت.. فسيخرجون من جنين كما خرجوا من غزة تحت ضربات المقاومة".
وأشاد الغول بدور وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في الحفاظ على هذا
المسجد الأثري في موقعه وسط المدينة ورفض كل المغريات لإقامة مركز تجاري كبير مكانه.