في اليوم الثاني من وقوع
الزلزال المدمر في تركيا وشمال غرب
سوريا،
سأل الصحفي سعيد عريقات المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، لم لا تتصلون بنظام
الأسد وتعملون معه؟ إن فعلتم ذلك فستكون مبادرة لطيفة، وربما أيضا ارفعوا
العقوبات التي خنقتهم.
جاء رد برايس: "سأحاول أن أضبط نفسي وأمنعها عن التعليق على
نشاطك السياسي بدلا من التقيد بالعمل الصحفي"، وتابع: "دعني أقل لك إنه
سيكون من المضحك أن نتصل بذات الحكومة التي نكلت بالسوريين لأكثر من 12 عاما
وخنقتهم بالغاز، وذبحتهم، وكانت مسؤولة عن المعاناة التي قاسوها".
الصحفي سعيد عريقات، واحد من كثرة تطالب بإلغاء العقوبات على نظام
الأسد، كون هذه العقوبات هي السبب الرئيسي في معاناة السوريين، وهي الآن، أي
العقوبات، تفعل فعلها في ظل الكارثة الإنسانية بفعل الزلزال المدمر.
لا يتعلق الأمر بالحس الإنساني العالي لدى هذه النوعية من الناس تجاه
المعاناة السورية، فهم مؤيدون للأسد من قبل صدور قانون "قيصر"، يتعلق
الأمر بقناعة مفادها أن ما حدث في سوريا هو مؤامرة ضد "دولة المقاومة
والممانعة".
طبيعة العقوبات
من المهم التوضيح للقارئ أن العقوبات الغربية ليس لها تأثير على
الوضع الإنساني والاقتصادي في سوريا، ومن المفارقات أن الأسد ذاته، قال قبل نحو
سنة أن الأزمة الاقتصادية في سوريا وتهاوي العملة المحلية مرده في المقام الأول
إلى الأزمة المالية في لبنان ثم الفساد الداخلي.
لا يوجد حصار وعقوبات أممية صادرة من مجلس الأمن الدولي ضد سوريا
بموجب البند السابع كما جرى الأمر مع العراق، باستثناء قرارين هما: القرار 2199
الصادر عام 2015 بخصوص حظر الاتجار بالآثار، والقرار 2253 لعام 2915 الخاص بفرض
عقوبات على تنظيم "داعش".
هناك عقوبات فردية قامت بها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشكل
أحادي، تتميز في أنها ليست موجهة ضد الشعب السوري ـ وإن كانت تأثيراتها قد طالت
الشعب بشكل طفيف ـ.
تنحصر العقوبات الأمريكية والأوروبية بمجال معاقبة النظام السوري على
ارتكابه جرائم ضد شعبه، وهي محصورة بنقاط محددة.
وفق قانون "قيصر" تنحصر العقوبات ضد للأشخاص أو الجهات
التي:
ـ توفر الدعم للنظام السوري أو لأي من المرتزقة الذين يقاتلون في
سوريا.
ـ تقديم خدمات تكنولوجية تساعد النظام على صيانة وتوسيع الإنتاج
المحلي للغاز أو النفط أو المنتجات البترولية.
ـ تقديم قطع تبديل الطائرات التي تستخدم لأغراض عسكرية من قبل النظام
أو من أي من القوات العسكرية المتحالفة معه.
ـ توفير الخدمات والسلع اللازمة لتشغيل الطائرات التي تستخدم لأغراض
عسكرية من قبل النظام أو القوات المتحالفة معه.
وبالنسبة للاتحاد الأوروبي، تنحصر العقوبات فيما يلي:
ـ حظر استيراد الأسلحة والمواد ذات الصلة من سوريا.
ـ قيود على تصدير سلع ومعدات تكنولوجية يمكن استخدامها في القمع
الداخلي أو لتصنيع وصيانة تلك المعدات.
ـ حظر تصدير المعدات أو التكنولوجيا أو البرامج المخصصة أساسا
لمراقبة أو اعتراض الإنترنت أو الاتصالات الهاتفية.
ـ حظر قيام المؤسسات المالية السورية بفتح فروع أو شركات تابعة جديدة
في الاتحاد الأوروبي.
ـ حظر استيراد النفط الخام والمنتجات البترولية من سوريا، والاستثمار
في صناعة النفط السورية.
ـ حظر الاستثمار في الشركات العاملة في بناء محطات طاقة جديدة لإنتاج
الكهرباء في سوريا.
ـ حظر تجارة البضائع والمواد التي تنتمي إلى التراث الثقافي السوري،
والتي تم نقلها بشكل غير قانوني من سوريا إلى الخارج.
ـ حظر تجارة المعادن النفيسة والذهب والألماس مع الهيئات الحكومية
السورية، والبنك المركزي.
ـ تجميد الأصول المالية وحظر السفر لمئات الشخصيات والكيانات
المسؤولين عن القمع العنيف للشعب السوري.
ـ تجميد أصول البنك المركزي السوري داخل الاتحاد الأوروبي مع حظر
إتاحة الأموال أو الموارد الاقتصادية.
الاستثناءات
استثنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حالات معينة من العقوبات،
خاصة تلك المتعلقة بالوضع الإنساني للشعب السوري.
وقد جاء في الفقرة الرابعة من القرار الدولي 2642 لعام 2022
"يرحب بجميع الجهود الجارية ويحث على تكثيف ما يتخذ من مبادرات إضافية من أجل
توسيع نطاق الأنشطة الإنسانية في سوريا، بما في ذلك مشاريع الإنعاش المبكر الهادفة
إلى توفير المياه وخدمات الصرف الصحي والرعاية الصحية والتعليم والمأوى والكهرباء".
يستغل النظام السوري الزلزال لتقديم سردية مفادها أن العقوبات الغربية تعوق إدخال المساعدات اللازمة لعمليات الإنقاذ والدعم للمصابين والناجين ممن فقدوا مأواهم، في وقت يقوم النظام بسرقة المساعدات التي وصلت إليه من الهند والإمارات ومصر والجزائر وإيران وروسيا.
وتدعم الأمم المتحدة وشركاؤها مشاريع الإنعاش المبكر ودعم سبل
المعيشة في خمسة مجالات متمايزة هي: إصلاح وترميم البنى التحتية المدنية الحيوية،
إزالة الأنقاض والنفايات الصلبة، الأنشطة المدرة للدخل وإجراءات التدخل المستندة
إلى السوق، التدريب المهني والتدريب على المهارات، التماسك الاجتماعي وإجراءات
التدخل المجتمعية.
ولا يستهدف برامج العقوبات الأمريكية المساعدة الإنسانية المشروعة،
بما في ذلك جهود الإغاثة في حالات الكوارث، فلدى الحكومة الأمريكية العديد من
التراخيص العامة المعمول بها، والتي تسمح بمعظم الأنشطة لدعم المساعدة الإنسانية،
بما في ذلك في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، والتي تقدمها الأمم
المتحدة أو حكومة الولايات المتحدة أو المنظمات غير الحكومية التي تشارك في
معاملات لدعم بعض الأنشطة غير الهادفة للربح.
وبموجب ذلك، أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية أمس الجمعة "الترخيص
السوري العام GL 23"، الذي يسمح بجميع المعاملات المتعلقة
بالإغاثة من الزلزال لمدة 180 يوما.
تسييس المساعدات
يستغل النظام السوري الزلزال لتقديم سردية مفادها أن العقوبات
الغربية تعوق إدخال المساعدات اللازمة لعمليات الإنقاذ والدعم للمصابين والناجين
ممن فقدوا مأواهم، في وقت يقوم النظام بسرقة المساعدات التي وصلت إليه من الهند
والإمارات ومصر والجزائر وإيران وروسيا.
يحاول النظام استغلال الصعوبات في نقل المساعدات من تركيا إلى الشمال
السوري، في وقت يخصص المساعدات التي وصلت إليه مباشرة لمناطق سيطرته فقط.
لا يتعلق الأمر برغبة النظام الاستحواذ على المساعدات في ذاتها،
وإنما غرضه تحقيق هدفين:
الأول، تخفيف العقوبات الغربية عليه بما يسمح له بتجاوز أو التخفيف
من حدة الأزمة الاقتصادية في مناطق سيطرته.
الثاني، التعامل معه بشكل مباشرة من قبل المجتمع الدولي، سواء
الحكومات أو المنظمات المدنية، فيما يتعلق بإيصال المساعدات، بما يمنحه شرعية
رسمية.
لكن هذه المحاولات باءت بالفشل مع إعادة الولايات المتحدة والاتحاد
الأوروبي تجديد موقفهما من التعامل مع النظام السوري.
*كاتب سوري