تعرض عدد من
التونسيين، صباح الجمعة، لتضييقات من قبل الجمارك
الجزائرية على مستوى المعابر الحدودية البرية بين البلدين بحسب ما أفادت به تقارير صحفية محلية، بعد أيام من سماح تونس للناشطة الفرنسية من أصل جزائري أميرة بوراوي بالسفر إلى
فرنسا وعدم تسليمها لبلدها الأصلي، حيث تواجه عقوبة بالسجن.
وأفادت إذاعة "موزاييك إف إم" المحلية أنه تم منع عدد من العائلات التونسية من إدخال المواد الغذائية من الجزائر، كما تعوّدت، إضافة إلى تعرض حافلات الرحلات السياحية المنظمة إلى تضييقات.
والجمعة، أوقفت تونس الناشطة الحقوقية الفرنسية من أصل جزائري أميرة بوراوي، حيث كانت السلطات تستعد لترحيلها إلى الجزائر، قبل أن تتدخل سفارة فرنسا في تونس مساء الإثنين من أجل منع ذلك.
ورغم نفي الناشطة لتدخل سفارة باريس بحسب تصريحاتها في وسائل الإعلام الفرنسية، إلا أن محاميها الفرنسي فرانسوا زيميراي، أشاد بـ"تحرك السلطات الفرنسية" من أجل موكّلته، قائلا إن "أميرة تعرضت لمحاولة خطف واحتجاز من جانب بعض سلطات إنفاذ القانون في تونس بناء على طلب السلطات الجزائرية".
وتأتي هذه التطورات في الوقت الذي يعتبر فيه الرئيس الجزائري عبد المجيد
تبون من أبرز داعمي نظيره التونسي قيس سعيّد منذ إعلانه التدابير الاستثنائية في 25 تموز/ يوليو 2021.
تفاصيل القضية
وبحسب المعطيات التي تحصلت عليها "
عربي21"، اعتقلت الطبيبة البالغة من العمر 46 عاما، الجمعة، بعد ساعات فقط من دخولها إلى تونس بطريقة غير شرعية، عندما كانت تحاول السفر إلى فرنسا بجواز سفرها الفرنسي.
ووضعت الطبيبة البالغة 46 عامًا قيد الحبس الاحتياطي، ومثلت الاثنين أمام القاضي الذي أطلق سراحها بتأجيل قضيتها إلى 23 شباط / فبراير.
وعلى الرغم من قرار الإفراج، تم نقلها إلى مركز شرطة حدودي، وكان سيتم ترحيلها إلى الجزائر العاصمة في رحلة على الساعة السابعة مساء الاثنين بالتوقيت المحلي (18:00 ت.غ.)، قبل أن تتدخل السفارة الفرنسية.
كما كشفت صحيفة "
لوموند" أن الصحفية والمعارضة الجزائرية أميرة بوراوي أفلتت من تسليمها إلى الجزائر من تونس، بعد أن غادرت باتجاه مدينة ليون، بعد ساعات من المفاوضات المكثفة بين السلطات الفرنسية والتونسية، بمشاركة دبلوماسي فرنسي، بحسب الصحيفة، يُعتقد أن يكون السفير الفرنسي في تونس أندري باران.
وأضافت الصحيفة أن بوراوي تمتعت بالحماية الدبلوماسية لباريس باعتبارها مواطنة فرنسية، حيث تم استقبالها لبضع ساعات في السفارة الفرنسية في تونس، قبل أن تحصل على إذن بالسفر إلى فرنسا من الرئيس التونسي قيس سعيّد شخصيا.
خوفا على سلامتها، فرت أميرة بوراوي من الجزائر قبل أيام قليلة باتجاه تونس المجاورة، بعد منعها من قبل السلطات الجزائرية من مغادرة البلاد، فيما دخلت تونس عبر الحدود بشكل غير قانوني بجواز سفرها الفرنسي.
"مساس بالسيادة الوطنية"
وفي تعليق، اعتبر الباحث التونسي في العلاقات الدولية بشير الجويني أن "السماح بسفر الناشطة الجزائرية التي دخلت تونس على خلاف القانون إلى فرنسا مساس بالسيادة الوطنية وجريمة تتطلب التعجيل بفتح بحث جدي، فيما يتعلق على الأقل بدخولها للتراب التونسي، بقطع النظر عن الموقف من علاقتها بالجزائر".
وفي تصريح لـ"
عربي21"، دعا الجويني السلطات التونسية إلى "مصارحة الرأي العام والكف عن سياسات التعتيم ودفن الرأس في الرمال"، معتبرا أن "الإساءة للعلاقات الأخوية بين تونس والجزائر الشقيقة إساءة للتونسيين والجزائريين ولعلاقات جوار تاريخية المساس بها هو مساس بركن مهم من أركان الدولة وتهديد جدي للاستقرار في المنطقة".
وأضاف أن "الرد الجزائري لم يتأخر، إذ نقلته مصادر إعلامية تونسية في عدد من المعابر الحدودية تجلى في معاملة غير ودية لعدد من المواطنين التونسيين".
وقال الجويني: "طالما تشدق
سعيد بعدم الانحياز إلى محور دون آخر، لكن ذلك كلام فقط، بينما كل أفعاله انحياز واضح ونكوص عن مبادئ الدبلوماسية التونسية".
وختم الباحث في العلاقات الدولية حديثه بالقول إنه "من السيء لتونس أن تكون ساحة لتصفية حسابات شريكين مهمين لها، والأسوأ أن يجر قيس سعيد تونس لمربع الاصطفاف والتفريط في السيادة الوطنية لأي طرف".
سوابق بين تونس والجزائر
وسبق لتونس أن سلمت الناشط سليمان بوحفص للجزائر في نهاية آب/ أغسطس 2021، بعد شهر من إعلان الرئيس قيس سعيّد تعليق عمل البرلمان وحل الحكومة.
في 25 آب/أغسطس 2021، شجبت منظمة العفو الدولية وحوالي 40 منظمة غير حكومية تونسية اختفاء بوحفص من منزله في تونس، ونقله إلى جهة غير معلومة في سيارة.
وقالت المنظمات غير الحكومية، نقلا عن وسائل إعلام جزائرية؛ إن السلطات التونسية سلمته إلى الجزائر لمحاكمته. وبحسب منظمة العفو، فقد ظهر مرة أخرى في الجزائر العاصمة "في 28 أو 29 آب/ أغسطس"، وذلك "بعد عدة أيام من اختفائه القسري".
وأكدت المنظمات أن سليمان بوحفص حصل على وضع اللاجئ السياسي من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في أيلول/ سبتمبر 2020.
وأعربت المنظمات الحقوقية عن "استيائها من السابقة الخطيرة التي أقدمت عليها الدولة التونسية، بتسليمها لاجئا يتمتع بالحماية الدولية إلى سلطات بلاده التي تلاحقه على مواقفه السياسية".
ومن جهتها، اعتقلت الجزائر العام الماضي رئيس المخابرات التونسية الأسبق لزهر لونغو وسلمته إلى تونس بعد وصوله إلى البلد المجاور.
وأقال سعيّد لونغو، الذي شغل أيضًا منصب الملحق الأمني التونسي في باريس، ووضع قيد الإقامة الجبرية، بعد أن استولى الرئيس التونسي على السلطة المطلقة وأغلق البرلمان.
لكن، وفي سابقة، امتنعت الجزائر، في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، عن تسليم رجل الأعمال نبيل القروي، إلى السلطات التونسية، قبل أن يسافر إلى إحدى العواصم الأوروبية.
وفي آب/ أغسطس 2021، غادر القروي وشقيقه النائب في البرلمان المنحل، الحدود التونسية تجاه الجزائر التي اعتقلتهما في تبسة (شرق)، بعد أقل من شهر من إعلان سعيّد للإجراءات الاستثنائية.
وامتثل القروي وشقيقه أمام القضاء الجزائري بتهمة الدخول إلى التراب الجزائري بطريقة غير شرعية، ليتقرر سجنهما قبل أن يقع إطلاق سراحهما في وقت لاحق، والسماح لهما بالسفر خارج البلاد، دون تسليمهما لتونس.
ونبيل القروي رجل أعمال، كان منافسا للرئيس قيس سعيّد في الدور الثاني لانتخابات الرئاسة التونسية عام 2019، إلى جانب رئاسته حزب "قلب تونس"، صاحب ثاني أكبر كتلة برلمانية في مجلس النواب المنحل.