اختتمت
تونس الأحد جولة الإعادة من الانتخابات
البرلمانية المبكرة التي دعا لها رئيس البلاد قيس سعيّد، على أن يتم الإعلان عن النتائج الأولية الثلاثاء، والنهائية في آذار/ مارس المقبل، قبل تشكيل البرلمان الجديد، ما يطرح تساؤلات بشأن مصير
الحكومة الحالية برئاسة
نجلاء بودن.
وفي 29 أيلول/ سبتمبر 2021، أعلنت الرئاسة التونسية أن الرئيس سعيّد كلف نجلاء بودن، بتشكيل الحكومة، لتصبح أول امرأة في تاريخ البلاد تتولى المنصب.
جاء ذلك بعد أكثر من شهرين على إصدار الرئيس "إجراءات استثنائية"، في 25 تموز/ يوليو 2021، والتي تضمنت إقالة رئيس الحكومة آنذاك هشام المشيشي، وتجميد أعمال البرلمان، قبل أن يحله سعيّد نهائيا العام الماضي.
وقالت الرئاسة التونسية في بيان، إن "رئيس الجمهورية كلّف اليوم نجلاء بودن بتشكيل حكومة، على أن يتم ذلك في أقرب الآجال، عملا بأحكام الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 المؤرخ في 22 أيلول/ سبتمبر 2021 المتعلّق بتدابير استثنائية وخاصة على الفصل 16 منه".
وبدأت حكومة بودن عملها في 11 تشرين الأول/ أكتوبر من العام ذاته، بتشكيلة مصغرة ضمت 24 وزيرا وكاتبة دولة وحيدة، فيما كان الشأن الاقتصادي والاتفاق مع صندوق النقد الدولي أبرز التحديات المطروحة عليها.
وعرفت حكومة بودن أول إقالة في 7 كانون الثاني/ يناير الجاري، حيث أعفى رئيس البلاد وزيرة التجارة وتنمية الصادرات فضيلة الرابحي، فيما قال مصدر لـ"
عربي21" آنذاك أن ملف فساد كان وراء قرار الإقالة.
والاثنين، أجرى الرئيس التونسي، تعديلا محدودا على الحكومة عَيَّنَ بمقتضاه محمد علي البوغديري وزيرا للتربية (التعليم) خلفا لفتحي السلاوتي، وعبد المنعم بلعاتي وزيرا للفلاحة والموارد المائية والصيد البحري (الزراعة) خلفا لمحمود إلياس حمزة، دون ذكر الأسباب.
وزيادة عن المعارضة التي تطالب سعيّد وحكومة بودن بالرحيل، دعت عديد الأحزاب الداعمة للرئيس، ومن ضمنهم "حركة الشعب"، إلى تغيير الحكومة عقب الانتخابات النيابية وتشكيل حكومة أخرى تستجيب لمطالب التونسيين.
وفي السياق، قال المحلل السياسي المنذر ثابت إنه من المنطقي تغيير الحكومة بعد عقد الانتخابات التشريعية مهما كانت النتائج، معتبرا أن حكومة بودن كانت بما يعادل حكومة تصريف أعمال، وليست حكومة برنامج.
وفي تصريح لـ"
عربي21"، قال إنه "في ظل وجود معطى البرلمان الجديد رغم خصوصية البرلمان الجديد الذي تكاد تغيب عنه الأحزاب، فإنه توجد ضرورة تغيير وزاري".
واستدرك بالقول إن "التحوير الوزاري لا يتطلب بالضرورة رحيل بودن التي يبدو أنها الشخصية التي يبحذها الرئيس سعيّد، لكن تونس بحاجة لتغيير وزاري بالنظر إلى استحقاقات الحكم لحكومة قادرة على التفاوض اقتصاديا وماليا مع الجهات المقرضة، على المستوى الدولي والأوروبي على الأقل".
وعن مدى تأثير رحيل حكومة بودن على مفاوضات صندوق النقد الدولي، شدد المحلل السياسي على أنه "ما هو أهم هو وضوح الرؤية والتصور، وقدرة الحكومة على ضمان انخراط المنظمات الوطنية، وفي مقدمتهم اتحاد الشغل واتحاد التجارة، في الإصلاحات الاقتصادية، ودون ذلك الأمر لن يكون مواتيا".
وفي تقييمه لأداء الحكومة الحالية، قال المنذر الثابت إن "هذه الحكومة متفاوتة على مستوى أداء أعضائها، حيث يعتبر وزير الداخلية ووزير الشؤون الاجتماعية من أبرز المتواجدين فيها، كذلك كان أداء وزير السياحة جيدا".
وأضاف: "كما قام وزير التربية بجهد كبير في الإصلاح، ونفس الشيء بالنسبة لوزيري الاقتصاد والمالية، لكن يبقى الإشكال في والبرنامج العام وصلاحيات هذه الحكومة التي وجدت نفسها في تناقض مع الرئيس سعيّد في علاقة بالمؤسسات العمومية".
ولم يستبعد الكاتب والمحلل السياسي أمين السنوسي فرضية استبدال حكومة نجلاء بودن، قائلا إن الانتخابات قدمت لسعيّد واسطتين، البرلمان والحكومة، بحيث يمكنه التخلص من بودن بضغط.
وقال لـ"
عربي21" إنه بالنظر إلى ديناميكيات السلطة الجديدة لدستور 2022 ، ليست هناك حاجة لتقديم مشاريع قوانين إلى البرلمان، ما يعني أنه يمكن للحكومة أن تستمر في الحكم بمرسوم بدعم من الرئيس.
واعتبر أن الحكومة كانت ناتجة عن مرحلة انتقال استبدادي وهي مسؤولة فقط أمام الرئيس، قائلا: "لا يسعني إلا إدانة هذا النمط من الحكم".
وأضاف: "لن تقبل أي شخصية سياسية كبيرة هذه المعاملة، لذلك كان على الرئيس أن يشكل فريقا حكوميا بدون خبرة، وبدون مشروع وبدون قاعدة من القيم السياسية، أي لعبة بيد الرئيس، وأنجزت هذه الحكومة مهمتها على أكمل وجه".
وتابع: "من الناحية الاقتصادية، لم تعد هذه الحكومة قادرة على الدفع لدائنيها وهي تقترض الأموال من جهات خاصة. وفي مجال حقوق الإنسان، هذه الحكومة تحاكم معارضيها وصحفيين أمام القضاء العسكري. هذه الحكومة استبدادية مثل رئيسها".
وعن تأثير رحيل حكومة بودن على مفاوضات صندوق النقد الدولي، قال المحلل السياسي إن "صندوق النقد لا يمنح أموالاً لدولة يقودها رجل ليس لديه برنامج اقتصادي ولا يرى الاقتصاد حالة طارئة أو له أولوية".
وعن علاقة الحكومة بالبرلمان المقبل، قال السنوسي إن مجلس النواب الذي كان يوجه اللوم ويغير قادة الحكومة اعتمادًا على الديناميكيات السياسية لم يعد موجودا، معتبرا أن هذا البرلمان "هو مجلس شيوخ يتطلب مجلسًا أدنى (البرلمانات المحلية) وهاتين المؤسستين تتمتعان بسلطة قليلة أو معدومة. لذلك لن يقلق هذا البرلمان كثيرا الحكومة".
وعن فرضية بقاء بودن وإمكانية تسبب ذلك في خلاف بين سعيّد وداعميه الداعين لتغيير الحكومة، استبعد السنوسي ذلك قائلا إن "حزب الشعب هو حزب قومي عربي فشل في انتخابات عام 2019، وعودته إلى المشهد تعتمد فقط على دعمه غير المشروط للرئيس".
وتابع: "في الانتخابات التشريعية الأخيرة، حققوا انفراجة فقط من خلال الاستفادة من شعبية صافي سعيد، المرشح الرئاسي الذي حصل على دعمهم، دون الانضمام للحزب"، مضيفا: "لا أرى أن حركة الشعب تخاطر بالخروج عن الرئيس، لأنهم بحاجة إليه ليحافظوا على مصداقيتهم".