تطرح الاتفاقية التي وقعها سلاح الجو
الأردني، مع الولايات المتحدة لشراء 12 مقاتلة من طراز أف 16، في المرحلة الأولى،
تساؤلات فيما إذا كانت صفقة روتينية باعتبارها عملية تجديد للقوة الموجود فعليا،
أم تعزيزا لها في ظل التحديات التي بدأت تتصاعد في السنوات الأخيرة، من تمدد لمجموعات
مدعومة إيرانيا، جنوب
سوريا وعودة نشاط تنظيم الدولة.
وقال بيان للقيادة العامة للقوات المسلحة
الأردنية، إن قيادة سلاح الجو، وقعت اتفاقية لشراء 12 مقاتلة أف 16، في إطار
تعزيز القدرات الدفاعية والردع العسكري للأردن، وزيادة الجاهزية القتالية
والعمليات المشتركة مع الجانب الأمريكي.
وأضاف: "ولدعم الجهود المشتركة في مكافحة
الإرهاب، وتعزيز الاستقرار في المنطقة".
ويعود الاتفاق على الشراء، إلى شباط/ فبراير
العام الماضي، حين وافقت وزارة الخارجية الأمريكية، على صفقة عسكرية محتملة لصالح
الأردن، تتضمن بيع 12 طائرة من
طراز F-16 C Block 70، و4 طائرات من طراز F-16 D Block 70.
تاريخ المقاتلات في الأردن
حصلت المملكة على
مقاتلات أف 16 الأمريكية للمرة الأولى، بعد وقت وجيز من توقيع عمان، اتفاقية وادي
عربة، مع الاحتلال الإسرائيلي عام 1997، ولعبت الاتفاقية دورا هاما في دفع إدارة
الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، للموافقة على تحديث أسطول طائرات سلاح الجو
الأردني المتقادمة.
ورغم الخلافات داخل الكونغرس على منح الأردن
الطائرات، على مدار السنوات التي سبقت التسليم، إلا أنه في النهاية حصل عليها، وفي
تموز/ يوليو، وقعت اتفاقية لنقل الطائرات إلى الأردن، وجرى تدريب طيارين أردنيين
على استخدامها في الولايات المتحدة، وفي تشرين أول أكتوبر عام 1997، جرى تحديث
مجموعة من المقاتلات من قاعدة هيل الجوية في ولاية يوتا، وإجراء تعديلات وتجديد
وإعادة طلاء وأقلعت إلى عمان.
ووفقا للاتفاق وصلت أول مقاتلتين، في 17
كانون أول/ ديسمبر 1997، وسلمت الطائرات الـ 12 المتبقية وفق الاتفاق، على مدى أشهر
في العام الذي يليه 1998.
ومن الجدير بالذكر، أن الطائرة الأردنية التي
سقطت فوق الرقة عام 2014، معقل تنظيم الدولة وكان يقودها الطيار معاذ الكساسبة،
والذي أعدمه التنظيم لاحقا، كانت من طراز أف 16، في حين استخدم سلاح الجو الأردني،
نفس الطائرات، في قصف أهداف للتنظيم، انتقاما من قيامهم بإعدام الكساسبة حرقا.
تحديث روتيني
وتعليقا على الاتفاقية قال اللواء الركن
المتقاعد من الجيش الأردني قاصد محمود، إن ما جرى استكمال لبرنامج قديم، مضى عليه
أكثر من 25 عاما، من أجل تحديث وتعزيز قوات سلاح الجو الأردني، والذي جاء ضمن
اتفاقية على مراحل طويلة.
وأوضح قاصد لـ"عربي21"، أن
المقاتلات الموجودة مضى عليها فترة زمنية ليست قليلة، وهي بحاجة لتحديثات، وبالتوازي
مع ذلك تعزيز القوة الموجودة بمزيد من المقاتلات، وبالنسبة لنا تاريخيا في سلاح
الجو، كان الاعتماد الأكبر على التسليح الأمريكي، فأغلبية المقاتلات من صناعة
أمريكية".
واستبعد قاصد، أن تؤشر الاتفاقية إلى الحصول
على طائرات، لمواجهة تحد إقليمي معين، أو ما يجري استراتيجيا حول المملكة، مشددا
على أن عمان، "حريصة على اقتناء سلاح جو فعال وحقيقي، للجوء إليه وقت
الضرورة، وهذه المقاتلات بالتأكيد سلاح أمثل لمن يريد تعزيز قوته الجوية".
وردا على الحديث عن تعزيز قدرات سلاح الجو،
لمواجهة التهديدات المتوقعة من الحدود الشمالية وخاصة تمدد قوات مدعومة إيرانيا جنوب
سوريا، قال اللواء الركن، "هذه المقاتلات سلاح عمليات استراتيجي، وليس لها
دور كبير في تأمين الحدود، لأن هذه المهمة منوطة بأسلحة أخرى، مثل الطائرات العمودية،
وأنظمة المراقبة والتتبع، والآليات البرية مثل المجنزرات والعربات الخفيفة".
وأضاف: "طبعا، لا يمنع هذا من استخدام
المقاتلات لحماية الحدود، لكن نطاق وجود هدف يستحق ذلك، لكن نحن هنا نتحدث عن سلاح
مهمته ما بعد أمن الحدود وما بعد الحدود برمتها، في حال جرى تحديد مصدر خطر، أو
حديث عن قاعدة عسكرية بعيدة، أو تمركزات فهنا يدخل سلاح المقاتلات لتنفيذ
العمليات".
مواجهة "درعاستان"
من جانبه قال أستاذ العلوم السياسية الدكتور
نبيل العتوم، إن حصول الأردن على المقاتلات يعزز قدراته لمواجهة النشاطات الجارية
لإيران في جبهة جنوب سوريا، عبر محاولاته إنشاء ما يسمى بـ"درعاستان".
وأوضح العتوم لـ"عربي21" أن جبهة
جنوب سوريا، تنتشر فيها مليشيات تتبع الحرس الثوري، ومليشيات مدعومة من
إيران
متعددة الجنسيات، فضلا عن نشاط لحزب الله اللبناني، وهذا يدفعه لتعزيز قدراته
الدفاعية لمواجهة هذه التحركات، عبر تغطية عسكرية واستخبارية مكثفة".
وأضاف: "الجميع يشاهد نشاط محموم لتهريب
المخدرات من سوريا، بواسطة مليشيات مرتبطة بإيران، وعمليات التهريب هذه لا تستهدف
الأردن فقط، بل تمتد إلى دول الخليج، وآخر الإحصائيات تتحدث عن إحباط عملية تهريب
واحدة كل 10 أيام، وهذا التحدي لم يكن في السابق".
وتابع المختص بالسياسة الإيرانية: "هذا
إضافة إلى لجوء إيران والمليشيات المرتبطة بها، إلى استراتيجية جديدة، للتسلل نحو
الأراضي الأردنية، عبر حفر أنفاق، واستخدام طائرات مسيرة، لتنفيذ هجمات، محاولة
تهريب كميات كبيرة من الذخائر".
ولفت العتوم إلى أن الأردن يشترك بحدود جغرافية
كبيرة مع الجانب السوري، بنحو 370 كيلومترا، وهذه مسافة كبيرة بحاجة إلى تعزيز
قدرات الأردن، والتعامل مع التحديات القادمة من هناك، وحماية هذه الجبهة مكلفة
بالنظر للظرف الاقتصادي الصعب للبلاد.
وشدد على أن: "تعزيز القدرات الدفاعية
الضاربة للأردن، رسالة مهمة لكل التحركات التي تجري من المليشيات الإيرانية، أو
حتى عودة نشاطات تنظيم الدولة بصورة مقلقة في العراق وسوريا، ومحاولات نقل الصراع
إلى الداخل الأردن، باعتباره بيئة مهمة لهذه الجماعات".
وختم العتوم بالقول: "تسليح الأردن، من
الناحية العسكرية والأمنية، وحتى الاقتصادية، مهم بصورة أكثر إلحاحا في هذه
الفترة، لمواجهة تفوذ إيران والمليشيات المدعومة من قبلها جنوب سوريا، وضد أي
محاولة لاختراق الساحة الأردنية، لأن هناك بوادر كثيرة، أنه في حال تصاعد الضغط
على إيران، فإن الأوراق بالمنطقة تتحرك لتخفيف ذلك الضغط".