شغلت
قناة السويس الرأي العام
المصري خلال الفترة الماضية باعتبارها أحد الحلول المقترحة للأزمة الاقتصادية الكبيرة التي تمر بها مصر وبلغت ذروتها مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في شباط/ فبراير الماضي، مع تزايد القلق بشأن
التفريط في حق إدارتها وتشغيلها.
وينظر إلى قناة السويس باعتبارها أهم ممر ملاحي في العالم، وتعد شرياناً وممراً ملاحياً رئيسياً لحركة التجارة العالمية، نظراً لموقعها الجغرافي المتميز، وأحد أهم المصادر لتوفير العملة الصعبة من خلال تحصيل رسوم مرور السفن بين القارات.
ونفت هيئة قناة السويس، الجمعة، ما جاء على الصفحات الشخصية التي وصفتها بالمجهولة المصدر على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن تعاقد هيئة قناة السويس مع إحدى الشركات (إسرائيلية) لإدارة خدماتها من خلال عقد امتياز مدته 99 سنة.
وأوضح رئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع أنه لا صحة لتلك الشائعات جملة وتفصيلا، مؤكدا على السيادة المصرية المطلقة بشقيها السياسي والاقتصادي في إدارة وتشغيل وصيانة المرفق الملاحي لقناة السويس.
وأضاف الفريق ربيع أن هيئة قناة السويس تلتزم بمسؤولياتها الاجتماعية بالإعلان عن كافة تعاقداتها بمختلف أشكالها من عقود أو مذكرات تفاهم وغيرها، مع الإفصاح عن بنود التعاقدات وأهميتها، مشيرا إلى أنه لا يمكن المساس بأى حال من الأحوال بالسيادة المصرية على القناة وكافة مرافقها المُصانة دستورياً بموجب الدستور المصري وما نصت عليه المادة 43.
وتنص المادة على أنه "تلتزم الدولة بحماية قناة السويس وتنميتها والحفاظ عليها بصفتها ممرا مائيا دوليا مملوكا لها كما تلتزم بتنمية قطاع القناة باعتباره مركزا اقتصاديا مميزا".
ردود فعل واسعة على الوثيقة
وأثارت الوثيقة المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي ردود فعل واسعة في الشارع المصري، وأشعل الصحفي الإسرائيلي ايدي كوهين هذا الجدل بتغريدة على حسابه الشخصي قال فيها "كما قلت لكم سابقا، عقد امتياز قناة السويس ٩٩ سنة لشركة إسرائيلية، فيما يلي تفاصيل"، مرفقا صورا مما أسماها بنود عقد الاتفاق الذي تم توقيعه مع شركة إسرائيلية.
وقال الكاتب والصحفي جمال سلطان على حسابه الشخصي بموقع فيسبوك: "لا أميل إلى تصديق ما يتم تداوله حاليا عن عقد
بيع امتياز قناة السويس لشركة إسرائيلية لمدة 99 عاما، لكن اللافت أن قطاعا واسعا من المصريين يصدقه أو يتوقعه، المصري أصبح مقتنعا بأن هذا النظام يمكنه أن يفعل أي شيء يضر بالوطن، وأي خيانة، وأن يبيع أي شيء، وأن يرهن أي شيء، هذا مفزع جدا".
لكن البعض وصف الأمر بأنه "مفاجأة من العيار الثقيل وردا على مانشرته عن عقد امتياز قناة السويس موقع من الحكومة المصرية ومختوم بخاتم سرى حدا لشركة إسرائيلية لمدة 99 سنة ، إيدي كوهين الخبير الإعلامي الإسرائيلي يؤكد صحة العقد وينشر مقتطفات من العقد وشرح ملخص له".
وذهب البعض إلى أن العقد المتداول لبيع قناة السويس ليس حقيقيا ولكن اعتبره بالونة اختبار، ربما أو تمهيد لعملية بيع تمت بالفعل لوسيط عربي، ويريدون أن تكون وقعها على الناس أخف، وبعد أن ينتهي دور الوسيط ويظهر المشتري الحقيقي .."تكون الهوجة خلصت ونسيوا"..
فيما اعتبرها البعض "وثيقة مفبركة والقانون والدستور المصري لا يسمحان بذلك .. يمكن إعطاء حق انتفاع مناطق صناعية لشركات مثل المنطقة الصناعية الروسية أو إدارة أرصفة ملاحية وموانئ مثل إدارة موانئ دبي لجزء من ميناء العين السخنة، ولكن لا يمكن إعطاء امتياز يخص المجرى الملاحي للقناة".
مطلع العام الجاري، اقترح الخبير الاقتصادي ، الدكتور هاني توفيق، توريق قناة السويس عبر إصدار سندات لها وطرحها في البورصات العالمية لتوفير 60 مليار دولار كأحد الحلول الممكنة لانتشال البلاد من أزمتها الاقتصادية.
ونفى في حوار متلفز مع الإعلامي المثير للجدل إبراهيم عيسى، خلال لقائه ببرنامج "حديث القاهرة" عبر قناة "القاهرة والناس" يشبه ما فعله الخديوي إسماعيل من رهن القناة، مؤكدا لن "نفرط في ملكيتها أو امتلاكنا لقناة السويس، وإنما يمكن إصدار سندات وطرحها في البورصات العالمية بفائدة 8% على مدة 50 سنة بضمان إيرادات القناة".
في النصف الثاني من كانون الأول/ ديسمبر الماضي شهد البرلمان المصري سجالا بشأن مجموع مواد مشروع قانون مقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام القانون رقم 30 لسنة 1975 بنظام هيئة قناة السويس لتأسيس صندوق خاص بالهيئة، والذي وافق عليه النواب لاحقا.
ويهدف مشروع القانون، إلى إنشاء صندوق مملوك لهيئة قناة السويس بدعوى زيادة قدرتها على المساهمة في التنمية الاقتصادية المستدامة لمرفق الهيئة وتطويره، وتمكين الصندوق من شراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال الأصول الثابتة والمنقولة والانتفاع بها.
وأعلنت أحزاب وشخصيات سياسية وأكاديمية وثقافية وعلمية رفضها لمشروع القانون، ودشنوا الحملة الشعبية للدفاع عن قناة السويس (إلا قناة السويس)، وأكدوا في بيان "انطلاقا من إدراك الحركة المدنية الديمقراطية أن المهمة الأولى التي ينبغي أن تنشغل بها كل القوى الوطنية هي مواجهة المخاطر التي ينطوي عليها مشروع قانون صندوق قناة السويس سواء من زاوية حماية الموارد الاقتصادية والسيادة الوطنية والأمن القومي وتأكيد دور المجتمع والبرلمان فى الرقابة على كل الموارد، عملا بمبدأ وحدة الموازنة وسيادة الشعب".
انطلاقا مما سبق، فقد دعت الحركة إلى سحب مشروع صندوق قناة السويس الذى تقدمت به الحكومة لمجلس النواب ولن يصدر نهائيا إلا بعد الموافقة عليه مادة .. مادة ثم التصديق عليه ونشره فى الجريدة الرسمية، مشيرة إلى أن الحملة بطبيعتها مؤقتة بتحقيق هدفها وتلتزم بالمسارات السلمية والدستورية.
بيع الأصول لسداد الديون
في تقديره، يقول خبير الاقتصاد السياسي، مصطفى يوسف، إن "النظام المصري دأب على بيع أصوله للأجانب لضمان سداد ديونه تنفيذا لشروط صندوق النقد الدولي، وفرط في مقدرات البلاد سواء من الغاز الطبيعي في البحر المتوسط أو مياه النيل؛ وبالتالي أي حديث عن تفريط في قناة السويس تحت أي مسمى ليس مستبعدا من نظام استبدادي مفلس فاشل".
وأضاف لـ"عربي21": "هذا النظام على شفا الإفلاس وليس أمامه طرق للتمويل والصرف على المؤسسات الأمنية والقضائية والإعلام الموالي إلا عن طريق القروض الخارجية والمحلية و فرض رسوم وضرائب بشكل مبالغ فيه و أقرب للجباية في العصور الوسطى وبيع الأصول".
وأوضح يوسف "بيع الأصول المربحة التي تدر عوائد ضخمة يحرم الأجيال الحالية والمقبلة من مقدراتها التي تصب في الموازنة العامة للدولة تشغل عمالة مصرية و يتم استثمار هذه الأرباح داخل مصر و بدلا من ذلك تقوم الحكومة المصرية الفاشلة ببيع هذه الأصول".
ممر مائي وليس محورا استراتيجيا
في غضون ذلك، دأب النظام المصري على تسليط الضوء على ارتفاع إيرادات قناة السويس، وفي هذا الصدد قال الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي، إن "الحديث حول قناة السويس يكتسب أهميته من أن النظام يحاول أن يهرب من الأزمة المالية التي يمر بها ويحاول أن يصدر حالة نجاح ليصرف الناس عن مشكلات الغلاء ونقص السلع في الأسواق وتراجع بعض المؤشرات المهمة للنقد الأجنبي مثل تراجع تحويلات المصريين بالخارج".
وأوضح لـ"عربي21": أن النجاح المتحقق في زيادة إيرادات قناة السويس ليس بسبب عوامل ذاتية وإنما ناتج عن زيادة معدلات حركة التجارة العالمية وهي هنا (أي قناة السويس) متغير تابع وليس متغير مستقل ولا تعوض الزيادة في الإيرادات النقص في تحويلات المصريين بالخارج".
بخصوص الاستغلال الأمثل لقناة السويس لزيادة الإيرادات من أجل تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية، أوضح الصاوي: "نحن أمام أمرين، الأمر الأول باعتبار أن إيرادات قناة السويس تمثل موردا هاما للدولة، والقانون يحتم عليها تحويل المال الفائض منها للموازنة العامة للدولة، الأمر الثاني وهو لم يتحقق منذ فترة طويلة ويحتاج إلى سنوات من العمل الجاد هو تحويل قناة السويس إلى محور استراتيجي بدلا من ممر مائي، لكن معظم ما تم في هذا الأمر لم يتجاوز الحديث إلى حيز الفعل".
سجلت إيرادات قناة السويس خلال شهر كانون الثاني/ يناير أرقاماً قياسية جديدة وغير مسبوقة على مدار تاريخ القناة، محققة أعلى إيراد شهري في تاريخ القناة بلغ 802 مليون دولار.
وتوقع رئيس الهيئة الفريق أسامة ربيع، أن تصل إيرادات قناة السويس إلى 8 مليارات دولار في السنة المالية الحالية، وحققت قناة السويس إيرادات خلال العام المالي 2021-2022 نحو 7 مليارات دولار.