تسيطر أربعة سيناريوهات جميعها صعبة بحق ملايين
المصريين، على قرار حكومتهم المحتمل
برفع فاتورة
الكهرباء للمرة التاسعة في عهد رئيس النظام عبدالفتاح
السيسي، على استهلاك المواطنين والمحال التجارية والمصانع، وذلك رغم ركود تضخمي يضرب الأسواق المحلية.
زيادة
أسعار الكهرباء المحتملة، تأتي على خلفية الانخفاض الثالث بقيمة العملة
المحلية مقابل العملات الأجنبية خلال أقل من عام، إذ هبط الانخفاض الأخير
بالجنيه من نحو 18 إلى 27 جنيها رسميا أمام
الدولار، منذ 4 كانون الثاني/
يناير الجاري.
ووفق
ما نقله موقع "البورصة" الاقتصادي المحلي، فإن وزارة الكهرباء تدرس حساب
تعرفة أسعار الاستهلاك بإعداد الحسابات الخاصة بتكلفة إنتاج وبيع الكيلووات
للمستهلكين، وسيناريوهات الأسعار المقرر تطبيقها تموز/ يوليو المقبل.
"السيناريوهات
الأربعة"
السيناريو
الأول المحتمل، يتضمن زيادة جميع شرائح الاستهلاك المنزلي بنسب متغيرة لا تقل
عن 19 بالمئة وتصل إلى 37 بالمئة وفقا للاستهلاك، وزيادة تعرفة المحلات
التجارية بنسب تتراوح بين 16 و39 بالمئة طبقا للاستهلاك.
ويشير
السيناريو الثاني إلى، فرض زيادة على الشرائح بنسب مختلفة لمدة ثلاثة أشهر،
على أن يتم إجراء تسعير ربع سنوي لتكلفة إنتاج وبيع الكيلووات كل ثلاثة أشهر،
على غرار لجنة تسعير المواد البترولية التي تحدد أسعار البنزين والسولار.
تطبيق
الزيادة التي كانت مقررة العام المالي الجاري، والتي أُرجئت وفقا لتوجيهات
رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، مع تعديل النسب والالتزام ببرنامج
رفع الدعم نهائيا عن أسعار الكهرباء عام 2025، يأتي كسيناريو ثالث.
أما
السيناريو الرابع، فيتضمن تطبيق زيادة إضافية على مستهلكي (650 كيلووات)
وأكثر شهريا، وتحميل كثيفي الاستهلاك تكلفة أعلى.
"الأكثر
إيلاما"
وحول
أقرب السيناريوهات الأربعة للتطبيق، قال الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالنبي
عبدالمطلب: "وقعت مصر اتفاقا على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي
في 27 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وتم اعتماد مجلس المديرين التنفيذيين
للاتفاق في 17كانون الأول/ ديسمبر الماضي".
في حديثه
لـ"عربي21"، أوضح أن "الاتفاق يقضي بحصول القاهرة على قرض مالي بقيمة ثلاثة مليارات دولار من الصندوق، إضافة إلى حزمة أخرى تشمل مليار دولار من صندوق
الاستدامة والمرونة التابع للصندوق، وخمسة مليارات دولار من الدول الشريكة
للتنمية".
وأكد
أن "تنفيذ هذا الاتفاق يقتضي استكمال تعهدات مصر في مجال تحرير أسعار
الطاقة... ولذلك ففي اعتقادى أنه سيتم رفع أسعار الكهرباء لجميع
الشرائح بنسبة تقترب من 20 بالمئة؛ أي تطبيق السيناريو الأول".
وعن
أي السيناريوهات أكثر إجحافا بالمصريين، يعتقد الخبير المصري أن "السيناريو
الأول سيكون أكثر إيلاما للجميع؛ لكنه سيكون أكثر إيلاما للطبقات
الفقيرة".
عبدالمطلب،
أشار إلى تأثير الزيادات المتوقعة بأسعار الكهرباء على قطاعات الإنتاج،
مبينا أن "ارتفاع أسعار الطاقة الموجهة للقطاعات الإنتاجية، سواء
المصانع أو المزارع أو المنشآت السياحية سيؤدى لارتفاع التكاليف الإجمالية،
وبالتالي ارتفاع أسعار منتجاتها".
وبشأن
علاقة الكهرباء بارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه إذا كانت محطات الإنتاج
تعتمد على الغاز المنتج محليا، قال إن "انخفاض سعر الجنيه يؤثر مباشرة
على كافة قطاعات الاقتصاد المصري، سواء كانت تدخل في إنتاجها مستلزمات
إنتاج مستوردة أم لا".
وعما
يثار حول رغبة الحكومة المصرية في تعويض الفارق بين الاستهلاك المحلي
وتصدير الكهرباء والغاز لصالحها، قال إن "هناك قناعة لدى الدولة أنها
تستطيع تصدير كل إنتاجها من الكهرباء المولدة؛ ولذلك فإنها تحتسب الاستهلاك
المحلي ضمن تكاليف الفرص الضائعة".
"قدرات
هائلة.. ولكن"
وتظل
تساؤلات المواطنين بلا إجابات على إصرار الحكومة على رفع تعرفة استهلاك
الكهرباء، وإنهاء دعمها بشكل نهائي، في مقابل تصريحاتهم الدائمة عن قدرات
مصر الهائلة من طاقة الكهرباء والرياح والشمس وغيرها.
وخاصة
التصريحات المتتابعة حول عقود لإنتاج الهيدروجين الأخضر تفوق 100 مليار
دولار بمؤتمر المناخ (كوب 27) الذي عقد بمدينة شرم الشيخ المصرية في تشرين
الثاني/ نوفمبر الماضي.
مصر
تمتلك أكبر قدرات كهربائية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويمكنها إنتاج
30 جيجاوات من طاقة الرياح، و60 غيغاوات من الطاقة الشمسية، وزيادة نسبة
الطاقات المتجددة لتصل 10 آلاف ميغاوات، العام الجاري.
تلك
الأرقام تأتي وفقا لتصريحات الرئيس التنفيذى لهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة
محمد الخياط في 2 كانون الثاني/ يناير الجاري.
وفي
29 حزيران/ يونيو 2022، قال محمد شاكر وزير الكهرباء، إن إجمالي القدرات
المضافة لقطاع الكهرباء بلغت حوالى 31 ألف ميجاوات من الطاقة التقليدية
والطاقات المتجددة من 2014 حتى 2022 إنتاجا ونقلا وتوزيعا.
المثير
أيضا أن استهلاك المصريين من الكهرباء أقل بكثير عما أعلنه وزير الكهرباء،
حيث أنه ووفق رصد جهاز مرفق الكهرباء وحماية المستهلك في 27 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بلغ الحد الأقصى للاستهلاك اليومي 26 ألف ميغاوات،
والحد الأدنى 16 ألفاً و924 ميغاوات.
ووفقا
لإحصاءات رسمية في 2021، وصلت قدرات شبكة الكهرباء إلى 60 ألف ميغاواط، بينما
وصلت أقصى أحمال للكهرباء بالصيف 34 ألفا و400 ميغاواط، ما يعني وجود
فائض كبير من الكهرباء.
"سيضغط
مجددا"
من جانبه
تحدث الأكاديمي المصري، والباحث في الهندسة النووية بالكلية الملكية
في كندا، الدكتور محمد صلاح، عن أجواء الحالة المصرية المصاحبة لهذا
التوجه، مشيرا في حديثه لـ"عربي21"، إلى "تدهور قيمة العملة المحلية بمواجهة
العملات الأجنبية".
ولفت
أيضا إلى "اعتماد مصر على الغاز الطبيعي في إنتاج الكهرباء، وتقلص الاعتماد
على الطاقة الشمسية والسد العالي، الذي ينتج نحو 2 بالمئة فقط من احتياجات
مصر من الكهرباء".
وأكد
أنه "في ظل كل هذا نرى أن استهلاك المصريين من الطاقة يقوم بشكل أساس
على الاستيراد من الخارج سواء البترول، أو الغاز الطبيعي (من إسرائيل)،
مضيفا: "وإن كان هناك قدر من الغاز الطبيعي فهو يصدره على حساب حاجة
الشعب".
وألمح
الأكاديمي المصري، إلى أنه حتى ما اعتبره النظام المصري إنجازا في مجال
الكهرباء مثل "بناء شركة سيمنز الألمانية ثلاث محطات كهرباء بنحو ثمانية مليار
دولار؛ يثار الحديث عن بيعها كحق انتفاع لمستثمر عربي".
وقال
إنه "في ظل ذلك كله فإن ما يستهلكه المصريون من طاقة الكهرباء هو بالعملة
الصعبة، ما يؤدي في النهاية إلى تقليص الدعم على الكهرباء بالموازنة
العامة للدولة، وهذا يؤدي قطعا لارتفاع أسعار الكهرباء".
صلاح،
يرى أن "السيناريوهات الأكثر وطأة على المصريين قطعا هو رفع السعر على
كل الشرائح، وليس فقط على الشريحة عالية الاستهلاك"، مشيرا إلى "التأثير
المؤكد على الصناعات والاستثمارات الصغيرة مثل مزارع الدواجن وما يشابه،
وبالتالي على الإنتاج المحلي".
رئيس
المكتب الإعلامي للمجلس الثوري المصري، قال إن "هذا الأمر له آثاره الكبيرة،
ولكن الشعب لا يتحرك"، معتقدا أن "النظام سيحاول الضغط على الشعب
بقطع الكهرباء بصورة متكررة، ويعلن أن الشبكات تحتاج للصيانة ورفع الدعم
لتعويض التكلفة".
وأكد
أن "المسؤولية على الشعب، وعليه أن يتحرك مثلما تحرك سلفا في 25 يناير
2011"، لافتا إلى أن "افتعال أزمات الكهرباء في عهد الرئيس محمد مرسي،
رغم وجود فائض حينها؛ زاد من غضب الشارع".
وفي
نهاية حديثه، يعتقد صلاح، أن "ما يحدث حاليا أضعاف هذا الغضب، لكنه غضب
مكتوم، لكن السؤال الذي يفرض نفسه يوميا متى ينفجر الغضب في وجه النظام".
"مشروعات
وديون"
ويوجه
مصريون انتقادات للحكومة كونها نفذت العديد من المشروعات بقطاع الكهرباء،
عبر شركات وتمويل أجنبي بقروض يدفعها المصريون، وفي المقابل تواصل
رفع أسعار الاستهلاك على أكثر من 100 مليون مصري.
ونفذت
شركة "سيمنز" الألمانية ثلاث محطات بالعاصمة الإدارية الجديدة، وبني سويف
بالصعيد، والبرلس (شمال)، باستثمارات ستة مليارات يورو، لتوفير 14.4 ألف
ميجاوات.
كما
تم تنفيذ مجمع "بنبان" للطاقة الشمسية بنحو ملياري دولار، لإنتاج 1465
ميجاوات، بجانب بناء ثلاث محطات لإنتاج الكهرباء بجبل الزيت بالبحر الأحمر،
بـ580 مليون يورو، بقدرة 580 ميجاوات.
"الصندوق..
ومقصلة السيسي"
لكن
مراقبون يرون أن أمر رفع أسعار الكهرباء لا يتعلق بحجم الإنتاج منها أو بمعدلات
الاستهلاك ولا حتى التكلفة، مؤكدين أنه مطلب دائم من صندوق النقد
الدولي منذ أول قرض حصلت عليه مصر منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2016.
ومع
بداية حكم السيسي، منتصف 2014، اتخذ 8 قرارات برفع أسعار الكهرباء حتى
منتصف العام 2021، فيما من المقرر رفع الدعم عن المواطنين في ملف استهلاك
الكهرباء بشكل نهائي بالعام المالي (2024/2025).
ونزعت
الحكومة المصرية بند الدعم عن الكهرباء في موازناتها رويدا رويدا، فمن
16 مليار جنيه بموازنة العام (2018/ 2019)، ليصبح صفرا بالموازنات الأربعة
الأخيرة، وحتى موازنة العام المالي (2021/2022)، اعتماد الأسعار الحرة
للشرائح جميعها.
وفيما
كانت تعرفة الشريحة الأولى لاستهلاك المصريين من الكهرباء (من صفر لـ50
كيلوواط شهريا)، منتصف 2014، قبل حكم السيسي تبلغ نحو 5 قروش، أصبحت في
2021، نحو 48 قرشا، بنسبة زيادة وصلت 860 بالمئة.
وبينما
كانت الشريحة الثانية (من 51 لـ100 كيلوواط)، بنحو 11.5 قرشا، أصبحت
58 قرشا، بنسبة زيادة بلغت 404 بالمئة.
وفي
الشريحة الثالثة (من صفر لـ200 كيلوواط)، ارتفعت تعرفة الكهرباء من بـ17.5
قرشا إلى 77 قرشا، بنسبة زيادة 340 بالمئة.
وطالت
الشريحة الرابعة (من 201 لـ350 كيلوواط)، زيادات من 29 قرشا إلى 106
قروش، بزيادة نحو 265 بالمئة.
وفي
الشريحة الخامسة (من 351 لـ650 كيلوواط)، ارتفعت التعرفة في عهد السيسي
من 53 قرشا إلى 128 قرشا، بزيادة بلغت 141 بالمئة.
كما
طال الشريحة السادسة (من 651 لألف كيلوواط)، والسابعة (أكثر من ألف كيلوواط)،
زيادات من 67 قرشا إلى 140 قرشا، بنسبة زيادة 108 بالمئة، ومن 58 قرشا
إلى 145 قرشا بنسبة زيادة 150 بالمئة.
"لهذا
يغضب المصريون"
وما
يثير غضب المصريين من أي رفع محتمل لأسعار الكهرباء، هو ما يواجهونه من ارتفاع
بأسعار جميع السلع والخدمات ووصول التضخم السنوي (19.2 بالمئة) لشهر
تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
وذلك،
وفق إعلان الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في 8 كانون الأول/ ديسمبر الماضي،
والذي سجلت خلاله مجموعة الكهرباء والغاز ومواد الوقود الأخرى ارتفاعا
بنسبة (3.7 بالمئة).
كما
أن قرارات رفع تعرفة الكهرباء تأتي في ظل سياسة حكومية أعلنتها القاهرة
في آب/ أغسطس الماضي بترشيد استهلاك الكهرباء واستخدام المازوت في إنتاجها
لتوفير الغاز الطبيعي لتصديره للخارج وزيادة عائدات البلاد التي
تعاني اقتصاديا من النقد الأجنبي.
ويعتقد
المراقبون، أن الرغبة الحكومية المصرية في تصدير الغاز تتفوق على رغبتها
في توفير الطاقة ودعمها للمصريين، خاصة مع نجاحها في تصدير 8 ملايين
طن غاز العام الماضي، بقيمة بلغت 8.4 مليارات دولار، وتسعى لزيادة صادراتها
خاصة في ظل الطلب الأوروبي المرتفع وزيادة الأسعار العالمية.
وفي
ظل هذا التوجه تسعى القاهرة منذ آب/ أغسطس الماضي، لترشيد استهلاك الكهرباء،
بإيقاف الإنارة الخارجية لمختلف المباني الحكومية والميادين العامة،
وفق تصريح لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي.
نشطاء
ومواطنون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، انتقدوا إصرار النظام على رفع
أسعار الكهرباء لتعويض خسائره، ووصفوه بالغباء.
وأكدوا
أن المنطق هو تخفض الأسعار عندما يكون لديك فائض كهرباء مهدر لتشجيع
الاستهلاك، وزيادة الاستثمارات في مجال الأجهزة الكهربائية ما ينعش
في النهاية حركة الصناعة والتجارة.