قضايا وآراء

السيسي على شفا جرف هار..!

يكرر السيسي تحميل ثورة 25 يناير مسؤولية كل الأزمات- عربي21
بات من بداهة الرؤية وثاقب النظر، أن نهاية السيسي قادمة لا محالة، وذلك مما يمكن إدراكه بالعقل والمنطق؛ فحين تتفاقم المشكلات وتتراكم يوما بعد يوم، ويزداد عدد المتضررين، وعدد الذين يصرخون، وبالتالي عدد الذين يتخلون عن حالة الحذر، ويبدؤون بالتحدي جراء الجوع والحرمان والتسلط الأمني؛ فهذا مؤشر على تغيرات دراماتيكية قد تحدث في أي وقت.

حين ينكسر حاجز الخوف لدى الشعب، ويبدأ الكثير من الناس -بشكل مضطرد- بالظهور في فيديوهات مثقلة بالشكوى والتبرم موجهين حديثهم للرئيس مباشرة بكلام قادح، وأحيانا بطريقة فيها تحدّ بل شتم وتوبيخ وتبكيت لإجراءاته القائمة على الكذب والغش واللعب على عقول البسطاء الذين فقدوا الثقة به تماما؛ فهذا يعني أن ثورة الجوع والهوان قادمة لا محالة، لا سيما أن كل يوم يمر يكون أسوأ من سابقه. فالحلول تبدو بالحسابات المجردة مستحيلة في ظل الكارثة الاقتصادية التي لا يمكن الخروج منها إلا بعشرات المليارات؛ بشرط استثمارها في مشاريع اقتصادية، لا في بناء الجسور والطرق وإتمام المشاريع الهلامية التي لم يستفد منها الشعب، ولم تعد بالخير على البلاد، فهي مشاريع فاشلة، دمرت الاقتصاد الذي قاده الجيش بجشع وأنانية وغباء منقطع النظير.

ثورة الجوع والهوان قادمة لا محالة، لا سيما أن كل يوم يمر يكون أسوأ من سابقه. فالحلول تبدو بالحسابات المجردة مستحيلة في ظل الكارثة الاقتصادية التي لا يمكن الخروج منها إلا بعشرات المليارات؛ بشرط استثمارها في مشاريع اقتصادية، لا في بناء الجسور والطرق وإتمام المشاريع الهلامية التي لم يستفد منها الشعب، ولم تعد بالخير على البلاد

وهذه المليارات المطلوبة لن يحصل عليها هذا المتسول مهما طأطأ رأسه وانحنى لمحفظة الخليج المنتفخة؛ فالمانحون والمقرضون لا يحترمون المتوسل الهش الوقح، ويتوقفون عن عطائه، بينما قد يعطون المستحق الذي يحاول الخروج من أزمته المالية ضمن خطط وبرامج ودراسات جدوى، ويعمل بجد وإخلاص واضعا نصب عينيه أن يعيد المال لأصحابه، ولو بعد حين.

وحتى لو حصل السيسي على الأموال التي يطلبها؛ فإنه لن يوظفها في المكان الصحيح، وستستمر الأزمات في التراكم والتفاقم؛ فقد صرح الجنرال المأزوم قبل أقل من أسبوع أنه "لن يتوقف عن البناء وإقامة الجسور والطرق"، ذلك على الرغم مما تمر به مصر من أزمات اقتصادية واجتماعية مؤلمة حد الفجيعة.

لم يتوقف الغضب الشعبي عند فئات بعينها، بل بلغ الغضب فئات المجتمع كافة، من العمال والموظفين والتجار والصناع والمزارعين ووصل إلى نقابات المحامين والأطباء والصيادلة، خصوصا بعد إصدار الفاتورة الإلكترونية الإشكالية التي أربكت الفئات المعنية بها؛ فكل فئات المجتمع تعيش حالة رفض وغليان لم يسبق لهما مثيل من قبل عبر تاريخ مصر الحديث، بعد أن أدرك الشعب بأن كل وعود السيسي لا تعدو كونها كذبا وخداعا، وأنه يأخذهم إلى جهنم جميعا..!

يقف السيسي اليوم وحيدا في مواجهة المعضلات الاقتصادية المستعصية على الحل، ويعرف يقينا أن الأمور تسير نحو الهاوية، وأنه غارق لا محالة في ظل تخلي الصناديق الغربية والخليجية عن تمويله، بعد أن عجز عن تسديد ديون دولية وإقليمية كتلك التي اقترضها من الصين وكوريا الجنوبية واليابان وبعض دول الخليج. ومؤخرا تعالت الأصوات في العربية السعودية والكويت على الصعيد الرسمي تعلن التوقف عن إمداد السيسي بالمال، كما فعل وزير المالية السعودي محمد الجدعان الذي قال: "إن المملكة تعمل على تغيير طريقة تقديم المساعدات إلى حلفائها"، وهو ما يعني أنها ستتوقف عن تقديم المنح والودائع بدون شروط، وقال مراقبون بأن المقصود بهذه الخطوة مصر والأردن، بعد أن طال القرار لبنان منذ أكثر من عام. كذلك ما حذّر منه أمين سر مجلس الأمة الكويتي حكومة بلاده من الاستجابة لمطالب صندوق النقد الدولي بضخ أموال في مصر على شكل منح وقروض، مطالباً باسترداد الودائع من مصر، كما طالب بعدم الاستهانة بموضوع العمالة المصرية التي تغرق سوق العمل في الكويت، ناهيك عن مواقف المواطنين الخليجيين الذين أغرقوا وسائل التواصل الاجتماعي مطالبين بوقف إمداد مصر بالمنح والقروض؛ ما وضع مصر في موقف ذل وهوان، وجلب لها العار.

هذا الوضع لا يمكن أن يستمر؛ فحين يجوع الناس يكفرون بالدولة ورئيسها ووزاراتها، وتستوي لديهم معادلة الموت والحياة، وقد تعالت أصوات الشعب المطالبة بالتغيير والخروج من أزمة اسمها "عبد الفتاح السيسي"، فلم يعد ثمة من يثق به وبوعوده الكاذبة

لكم أن تتخيلوا ما معنى أن تقترض لسداد فوائد الديون، لا الديون نفسها؛ فقد صرح وزير المالية المصري محمد معيط في أيلول/ سبتمبر 2018، أي قبل أكثر من 4 سنوات، بأن "مصر تقترض لتسدد أعباء الديون الشديدة". ولكم أن تتخيلوا بأن الديون التي تراكمت على مصر من 2014 حتى 2018 توازي ديون مصر طيلة خمسين عاما. وفي نهايـة العام 2021 قفزت الديون من 88.2 مليـار دولار -حسب البنك المركزي المصري- إلى 145  مليار دولار، وبلغت قيمة القروض مع بداية 2023 أكثر من 165 مليار دولار، علما بأن تكلفة الدين الخارجي مع بداية 2023 بلغت 44 مليار دولار، هذا بدون حساب تكلفة الدين الداخلي الأكبر.

هذا الانغلاق الشديد للاقتصاد، الذي أدى إلى ارتفاع الأسعار غير المسبوق، والتضخم الجنوني، والانخفاض المميت لقيمة الجنيه أمام الدولار الذي يرتفع بشكل هستيري يوما بعد يوم؛ ألجأ المعدَمين من الشعب إلى البحث عن طعامهم في حاويات القمامة، وألجأ آخرين ممن كانوا في حالة يسر إلى مدّ اليد للموسرين من أقاربهم وأصدقائهم في سابقة لم تعرفها مصر من قبل.

هذا الوضع لا يمكن أن يستمر؛ فحين يجوع الناس يكفرون بالدولة ورئيسها ووزاراتها، وتستوي لديهم معادلة الموت والحياة، وقد تعالت أصوات الشعب المطالبة بالتغيير والخروج من أزمة اسمها "عبد الفتاح السيسي"، فلم يعد ثمة من يثق به وبوعوده الكاذبة. وقد أدرك العالم كله حقيقة الأزمة القائمة، وما سيترتب عليها من فوضى اجتماعية، ستؤدي إلى ثورة غالبا ما ستواجَه بالقمع والرصاص الحي.

محور الدول المتآمرة على مصر لا يريد لها أن تخرج من حالة الوهن التي تعيشها، وأن تتغير المعادلات القائمة بما يفسد الخطط التي وضعها لإبقاء مصر في هذه الحالة المزرية؛ فليس من السهل أن يسمح المتآمرون بأن يحكم مصر حاكم قوي يؤمن بالديمقراطية وإطلاق الحريات العامة؛ فتعود لمصر قوتها الإقليمية والدولية، وما قد ينشأ عن ذلك من تهديد للكيان الصهيوني، وإضعاف لدور بعض دول الخليج

لكن في المقابل فإن محور الدول المتآمرة على مصر لا يريد لها أن تخرج من حالة الوهن التي تعيشها، وأن تتغير المعادلات القائمة بما يفسد الخطط التي وضعها لإبقاء مصر في هذه الحالة المزرية؛ فليس من السهل أن يسمح المتآمرون بأن يحكم مصر حاكم قوي يؤمن بالديمقراطية وإطلاق الحريات العامة؛ فتعود لمصر قوتها الإقليمية والدولية، وما قد ينشأ عن ذلك من تهديد للكيان الصهيوني، وإضعاف لدور بعض دول الخليج التي أخضعت مصر وأخذت دورها كاملا، بل وأذلتها وأهانت شعبها.

لكن الثورات لا يمكن السيطرة عليها، ولا يمكن لأحد أن يتوقع عواقبها، ولا بد أن تسبق الثورةُ محورَ التآمر الذي قد يلجأ لتغيير السيسي بوجه جديد من ذات فصيلة الأغبياء التي ينتمي إليها الأخير؛ لتظل مصر في حالة موت سريري إلى ما شاء الله.

ولعل الترقيات التي قام بها السيسي مؤخرا لعدد من الضباط، والتغييرات المرتقبة في المواقع القيادية للقيادات العليا دليل واضح على إحساسه بأن دوره قد انتهى، وأن البحث جار عن بديل.

سنة 2023 حبلى بالمفاجآت؛ ونحن قبيل يوم واحد من ذكرى ثورة 25 يناير؛ هل ننتظر مجاعة مستنصرية جديدة؟ أم ثورة شعبية مجيدة؟ أم لعبة إقليمية/ دولية قذرة؟!

twitter.com/mhmwdal14838046