في
زيارته الأخيرة لمحافظة المنيا في صعيد
مصر يوم الخميس الماضي، أجاب المشير عبد
الفتاح
السيسي عن سؤال.. هل أنت خائف؟ وفسّر السؤال بأن المقصود هو
الخوف على
المستقبل، وكانت إجابته بالنفي بطبيعة الحال، مستخدما منطقا دينيا جاهزا يعاقب هو
شخصيا من يستخدمه غيره، وهو أنه ليس خائفا لأن الله معه، وكثيرا ما ردد هذا القول
من قبل بطريقه تضعه في مصاف الأنبياء والأولياء الذين يدعون دوما فيستجاب لهم،
وحتى بدون دعاء فإن الله لا يتخلى عنهم.
لماذا
اختار السيسي هذا السؤال تحديدا من بين عشرات الأسئلة تلقاها في تلك الجولة ليجيب
عليه علنا ويخصص له وقتا طويلا في كلمته؟ الحقيقة أنه يرى هذا الخوف في عيون الناس
قبل أن تنطق به ألسنتهم، والحقيقة أنه هو شخصيا يعيش حالة الخوف، وإن حاول تصدير
صورة مختلفة، وكلمته في المنيا لم تكن المرة الأولى التي يحاول فيها تبديد الخوف
الذي يخيم على المصريين تجاه حاضرهم ومستقبلهم، وفي كل مرة يكرر إجاباته التقليدية
أن الله لن يتخلى عنه ولا عن مصر، ويدّعي أن الله يخصه ببركات وكرامات هي التي
حفظت مصر من الخطر الكبير الذي وقعت فيه عام 2011 و2013. ويقصد بالأولى ثورة 25
يناير 2011 وبالثانية رد الفعل الشعبي المقاوم لانقلابه المشئوم في 3 تموز/ يوليو
2013، والذي كاد يحبطه لولا استخدامه للقوة المفرطة للجيش والشرطة في قمع
المظاهرات السلمية.
الشعور بالخوف لا يقتصر على فريق دون آخر من المصريين، فبقايا أنصار النظام يعيشون خوفا متزايدا على النظام الذي انتسبوا إليه، ودافعوا عنه، وحققوا مصالحهم ومنافعهم من خلاله، وهذا هو الخوف الذي يتدخل السيسي بين الحين والآخر محاولا تبديده.
ومعارضو النظام بل وعموم الشعب في خوف أيضا من البطش الشديد للسلطة ضدهم
الشعور
بالخوف لا يقتصر على فريق دون آخر من المصريين، فبقايا أنصار النظام يعيشون خوفا
متزايدا على النظام الذي انتسبوا إليه، ودافعوا عنه، وحققوا مصالحهم ومنافعهم من
خلاله، وهذا هو الخوف الذي يتدخل السيسي بين الحين والآخر محاولا تبديده.
ومعارضو
النظام بل وعموم الشعب في خوف أيضا من البطش الشديد للسلطة ضدهم، والذي لا يتورع
عن استخدام الرصاص الحي، واستخدام القوة الغاشمة لقمع أي حراك جماهيري سلمي ضد
الغلاء أو الديون أو التفريط في السيادة والأرض والثروات.. إلخ، وهذا الخوف يحرص
السيسي على تكريسه لا تبديده، لأنه هو وسيلته للاستمرار في الحكم.
"انتم
خايفين ليه؟".. "انتم قلقانين ليه".. "متخافوش".. من أكثر
العبارات التي ترددت على لسان السيسي في مناسبات متعددة؛ لعل أشهرها خلال دعوات
الفنان والمقاول محمد علي لمظاهرات 20 أيلول/ سبتمبر 2019، ولن تكون آخرها كلمته
في محافظة المنيا قبل أيام.
يدرك
السيسي أن أنصاره يعيشون حالة خوف متعددة الأسباب، فهناك خوف أمني من استمرار
العمليات الإرهابية في سيناء رغم إعلان السيسي نفسه قبل أيام قليلة عن انتهاء
الإرهاب، وهو الإعلان الذي كذبته عملية إرهابية جديدة في جنوب سيناء قتلت وأصابت 4
عسكريين، كما يشعرون بالخوف نتيجة تدهور الوضع المعيشي وارتفاع منسوب الغضب الشعبي
إلى حد يهدد بالانفجار، وهو ما يعتقدون أنهم سيكونون ضحاياه أيضا، كما يشعرون
بالخوف من تراكم الديون وأقساطها وفوائدها، وتعثر السلطة غي سدادها في مواعيدها،
واضطرارها لإعادة الجدولة، أو الحصول على ديون جديدة لسداد تلك الأقساط والفوائد، أي
الدخول في حلقة جهنمية لا فكاك منها.
صنع لنفسه عدوا ملموسا، هو الإخوان المسلمين، ناعتا إياهم بكل نقيصة رغم أنه كان يكيل لهم المديح من قبل، ورغم أنه كان حريصا على إشراكهم معه في انقلابه على الشرعية
لولا
ثورة يناير ما كان للسيسي أن يصبح وزيرا للدفاع وقائدا عاما للجيش، وهو ما مكنه
لاحقا من الانقلاب على الرئيس المنتخب، ومع ذلك فإن السيسي يظهر عداء متناميا لتلك
الثورة، ويحملها أوزار عقود سابقة، لم تكن الثورة طرفا فيها، بل كان أسلافه
الجنرالات هم من يحكمون.
وحتى
لا يحارب السيسي طواحين هواء فإنه صنع لنفسه عدوا ملموسا، هو
الإخوان المسلمين،
ناعتا إياهم بكل نقيصة رغم أنه كان يكيل لهم المديح من قبل، ورغم أنه كان حريصا
على إشراكهم معه في انقلابه على الشرعية، وخصص مقعدا لأحد قادتهم (رئيس حزب الحرية
والعدالة ورئيس البرلمان الدكتور محمد سعد الكتاتني) يوم 3 تموز/ يوليو 2013،
وتأخر إعلان البيان في ذلك اليوم انتظارا لوصول القائد الإخواني. ولو كانت جماعة
الإخوان إرهابية منذ نشأتها كما يدعي السيسي الآن؛ إذن كيف برر لنفسه العمل معها
وتحت قيادة أحد قادتها لمدة عام؟ ثم كيف كان مستعدا لإشراكهم معه في السلطة الجديدة
بعد انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013؟!
الحاكم
المستبد حين يعجز عن تحقيق تنمية حقيقية يشعر بها الناس، وتحقق رضاهم عن السلطة،
بما يمنحها شرعية حقيقية، فإنه يعمد لصناعة حرب وهمية يحشد لها كل الطاقات ليستعيد
الشعار القديم "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، وليبرر كل عثراته وفشله
بهذه المعركة، والزعم بأنها تستنزف طاقات الوطن، وتعطل مسيرة التنمية.
في جمهورية الخوف يمكن للبطش أن يصنع استقرارا وهميا مؤقتا، لكنه مثل الرماد الذي يخفي تحته النار، والتي تشتعل بمجرد هبوب بعض الرياح، ولكن الاستقرار الحقيقي يتحقق من خلال حكم ديمقراطي يتمتع برضا شعبي، فهذا الرضا الشعبي هو خير معين للحاكم المنتخب ديمقراطيا في الأزمات
يكرر
السيسي في كل لقاءاته تقريبا التحذير من احتمالات تكرار الثورة، وعودة الإخوان،
ورغم أنه ادعى مرارا أنه نجح في القضاء عليهم خلال السنوات التسع الماضية، إلا أنه
يعود دوما لاستحضارهم، وكان أحدث مشهد لذلك في لقائه الأخير بمحافظة المنيا. وهو
لا يستخدم اسم الإخوان مباشرة لكنه يستخدم ضمير الغائب "هم"، فـ"هم
عايزين يفقدوكم الثقة في أنفسكم أولا وفينا ثانيا"، و"هم في حرب معنا
دوما، ويستخدمون كل الوسائل ضدنا". ولا يكتفي السيسي بهذه الاتهامات الهلامية
بل يحمل الإخوان مسئولية الإرهاب في سيناء، وفي الصحراء الغربية، ويحملهم
المسئولية عن زيادة الأسعار، والأزمات المرورية إلى الحد الذي جعل هذه الاتهامات
مثار سخرية المصرية وتندرهم، فحين تقع أي مشكلة تجد قفشاتهم جاهزة "الإخوان
هم السبب".
في
جمهورية الخوف يمكن للبطش أن يصنع استقرارا وهميا مؤقتا، لكنه مثل الرماد الذي
يخفي تحته النار، والتي تشتعل بمجرد هبوب بعض الرياح، ولكن الاستقرار الحقيقي
يتحقق من خلال حكم ديمقراطي يتمتع برضا شعبي، فهذا الرضا الشعبي هو خير معين
للحاكم المنتخب ديمقراطيا في
الأزمات التي يمر بها الوطن.
twitter.com/kotbelaraby