نشر موقع
"ميدل إيست آي" البريطاني مقالا لوزير الاستثمار
المصري الأسبق يحيى حامد، قال فيه إن مصر ستواجه قريبا الإفلاس وعدم قدرة الدولة على توفير الخدمات الأساسية لمواطنيها.
وقال حامد إن مصر تقترض فقط من أجل البقاء، والطريقة الوحيدة للوفاء بالتزامات الديون تلك هي الاقتراض أكثر. لكن في الأشهر الثلاثة الماضية ، تعرض
الجنيه المصري لضربات، والعملة الأجنبية غير متوفرة لمعظم المستوردين وتكاليف المعيشة آخذة في الارتفاع.
وأوضح حامد أن أساسيات الاقتصاد تم تدميرها بشكل منهجي على مدى السنوات العشر الماضية منذ الاستيلاء العسكري على البلاد. كما أهدرت الحكومة فرصًا هائلة لتطوير الاقتصاد وتحديثه وتنميته.
وفي ما
يأتي النص الكامل الذي ترجمته "عربي21":
كتبت
في عام 2019 أقول إننا إذا ما أخذنا بالاعتبار المسار الحالي، فسوف تواجه مصر
قريباً الإفلاس وفشل الدولة وانعدام القدرة لديها على توفير الخدمات الأساسية
لمواطنيها.
تحدى
وجهة النظر تلك بعض من كانوا يعتقدون بأن مصر كانت تشهد تنمية كبيرة. فقد استمرت
صناديق الحماية الأجنبية في الاستثمار في الأدوات الحكومية المصرية واستمر صندوق
النقد الدولي في منح دعمه غير المشروط جوهرياً.
ولكن
خلال الأشهر الثلاثة الماضية تعرض الجنيه المصري لضربات موجعة جداً، وغدت العملة
الأجنبية غير متاحة لمعظم المستوردات، وظلت تكاليف المعيشة ترتفع بحدة، وطبقاً
لإحدى التقديرات فقد بلغ التضخم نسبة لا تحتمل وصلت إلى 88 بالمائة.
ارتفع
دين مصر الإجمالي بما نسبته 93 بالمائة خلال خمس سنين فقط، ويتوقع أن تزيد خدمة
الديون بما نسبته 62 بالمائة مقارنة بالسنة المالية 2020-2021 والسنة
المالية 2023-2024. واستحوذ الدين في ميزانية السنة المالية 2022-2023 على ما يقرب
من 50 بالمائة من الإنفاق.
تقترض مصر فقط من أجل البقاء، والسبيل الوحيد للوفاء بالتزامات ما عليه من ديون هو اقتراض المزيد
بمعنى
آخر، تقترض مصر فقط من أجل البقاء، والسبيل الوحيد للوفاء بالتزامات ما عليه من
ديون هو اقتراض المزيد.
وحتى
ضمن القيود المعيقة التي يسمح للبرلمان المصري بالعمل من خلالها فإن من الواضح أن
الرقصة قد انتهت. فبحسب ما صرح به أحد النواب فإنه "لا يوجد لدى الحكومة رؤية لوقف
الاقتراض أو حتى للحد من استخدام الاقتراض من أجل وقف العجز وزيادة الموارد.".
فرص
مهدورة
ماذا
عن مقومات الاقتصاد؟ والجواب هو أن هذه المقومات تم تدميرها بشكل منتظم على مدى
السنوات العشر الماضية منذ استيلاء العسكر على مقاليد الأمور في البلاد.
مصادر
مصر من العملة الأجنبية محدودة. وتقليدياً، كان المصدران الرئيسيان هما إيرادات
قناة السويس والسياحة الأجنبية. وكلاهما تعرضا لضربات شديدة، أولاً من خلال انعدام
الاستقرار ثم بسبب جائحة كوفيد-19 والآن بسبب الحرب الأوكرانية.
هدرت الحكومة فرصاً كبيرة كانت متاحة من أجل تطوير وتحديث وتنمية الاقتصاد
في
تلك الأثناء هدرت الحكومة فرصاً كبيرة كانت متاحة من أجل تطوير وتحديث وتنمية
الاقتصاد.
وبدلاً
من تنمية القطاع الخاص – وما هو محتمل من تأثيرات مرافقة على الناتج المحلي
الإجمالي – اختارت الحكومة تركيز جميع النشاطات الاقتصادية في أيدي العسكر. واليوم
يعمل الجيش في كل قطاع من قطاعات الحياة الاقتصادية المصرية، بما في ذلك الإعلام
والترفيه والأغذية والضيافة والإنشاءات وجوهرياً كل شيء آخر.
والنتيجة؟
مصر ليست مفتوحة للعمل التجاري. بل إن القطاع الخاص، في واقع الأمر، موجود في غرفة
الإنعاش، إن لم يكن قد مات فعلياً.
في
هذه الأثناء ما لبث الجيش، بتوجيه مباشر وشخصي من الرئيس عبد الفتاح
السيسي، يركز
على المشاريع الضخمة التي لا تعود بأي نفع على النمو الاقتصادي.
لقد
سحبت "مدينة العاصمة الإدارية" الجديدة التي تقام في الصحراء ما يقرب من
55 مليار دولار من الاقتصاد، بينما سحبت منه التوسعة غير الضرورية لقناة السويس ما
يقرب من 9 مليارات دولار أخرى، ولم ينجم عن ذلك زيادة تذكر في الإيرادات.
لا
يصعب إدراك كيف وصلنا إلى هذه النقطة. بادئ ذي بدء، سلك النظام مساراً لا يمت بصلة
للمعرفة الاقتصادية، سواء من الجانب النقدي أو الجانب المالي. وثانياً، هناك الدعم
الهائل الذي حصل عليه السيسي من صندوق النقد الدولي وغيره من القوى الدولية وما
حظي به هو وإجراءاته الاقتصادية من إشادة.
تم إنفاق ما يقرب من 45 مليار دولار على شراء الأسلحة، دون وجود أي مخاطر جيوسياسية أو احتياجات واضحة
وثالثاً،
تم إنفاق ما يقرب من 45 مليار دولار على شراء الأسلحة، دون وجود أي مخاطر
جيوسياسية أو احتياجات واضحة. ما بين عام 2015 وعام 2019 أصبحت مصر، وهي البلد
المثقل كاهله بالديون والذي يعاني شعبه من فقر شديد، ثالث أكبر مستورد للسلاح في
العالم. بالمقابل، بقي الإنفاق على القطاعات الأساسية مثل الصحة والتعليم أدنى حتى
من الحدود الدنيا التي من المفروض أن تكون مضمونة دستورياً.
القمع
الوحشي
تكمن
وراء هذه القرارات رؤية واحدة ووحيدة لم يزل السيسي ملتزماً بها منذ البداية، ألا
وهي أنه يوجد وفرة من المال محلياً وإقليمياً بإمكان مصر أن تسحب منه كيفما شاءت.
ترافق ذلك مع قمع وحشي غير مسبوق ما زال مستمراً وبلا وهوادة.
وبناء
عليه فقد تركزت سياسة الحكومة على إيجاد السبل الكفيلة بسحب المال من الناس عبر
إصدار السندات العامة، والتي فعلياً تمنح عائداً سلبياً إذا ما أخذنا بالحساب
تهاوي قيمة العملة، أو عبر مزيد من فرض الضرائب.
وتستهدف
آخر ضريبة فرضتها الحكومة مؤسسة الزواج. وكان معظم المصريين يفترضون أن تلك مجرد
نكتة، وذلك إلى أن أعلن عنها السيسي بنفسه. بات معلوماً لدى الجميع منذ وقت مبكر
أن السيسي يرى في أموال الخليج ما صرح به ذات مرة قائلاً "إنهم لديهم الكثير
من الأرز".
وأخيراً،
يزدري السيسي التخطيط. ولقد ذاع صيت ما صرح به من أن الحكومة لو قامت بدراسات جدوى
لتم رفض ما بين 75 إلى 80 بالمائة من المشاريع الحكومية. من الواضح أنه لا يدرك
مدى المفارقة الساخرة في ما نطق به.
انفصال
تام
كانت
تلك خطوات واضحة باتجاه الكارثة، وكان ذلك جلياً في حينه. إذن، كيف يمكن للحكومة
أن تستمر في العمل بهذه الطريقة وتظل محتفظة بمكانتها دولياً؟ الإجابة محزنة،
ولكنها لا تخفى على كل ذي بصيرة: لقد وضعت الحكومة المجتمع الدولي في جيبها وضمنت
تواطؤه من خلال سلسلة من المناورات.
كانت الغاية من شراء السلاح هي "كسب رضى البلدان البائعة، وفي نفس الوقت قطع الطريق على أي ضغوط أمريكية محتملة
فعلى
سبيل المثال، كانت الغاية من شراء السلاح هي "كسب رضى البلدان البائعة، وفي
نفس الوقت قطع الطريق على أي ضغوط أمريكية محتملة بشأن بعض القضايا مثل السجل
البائس في مجال حقوق الإنسان وفي مناهضة الديمقراطية"، بحسب ما صرح به يزيد
صايغ، كبير الباحثين في مركز مالكوم إتش كير كارنيغي للشرق الأوسط.
وفي
نفس الوقت لبت معدلات الفائدة المرتفعة على الديون احتياجات المؤسسات الاستثمارية.
أما المانحون، مثل البلدان الخليجية، فرأوا أن نجاح النظام العسكري أمر أساسي
بالنسبة لمشاريعهم في المنطقة.
وهكذا، فقد آلت الأمور إلى ما نحن فيه، وهكذا تم إهدار المليارات من الدولارات، وتم هدم
القطاع الخاص، وباتت خزينة الدولة تئن تحت وطأة الديون المتراكمة، بينما تكاليف
المعيشة في ارتفاع شديد. بالمحصلة، فإن ثمة انفصالا تاما بين مشاعر الجمهور والسياسة
الرسمية للدولة.
يعتقد
ما يقرب من 70 بالمائة من المصريين بأن الحكومة "لا تفعل إلا النزر اليسير
لتوفير احتياجات الناس ليكونوا في مستوى مقبول من المعيشة". وعلى الرغم من
السياسات القمعية للنظام، فإن نصف السكان لا يجدون في أنفسهم القدرة على
الموافقة على الفكرة التي تقول إن الاحتجاجات الجماهيرية في الشوارع ضد الحكومة
أمر سيئ.
اليأس
يحيط بالناس من كل جانب
ولكن
بغض النظر عن الأرقام، فما من شك في أن مزاج المصريين في الشارع قد تبدل بشكل
ملموس.
أما
وقد أحاط اليأس بالناس من كل جانب، فكذلك تمكن الخوف من الجميع، حيث ساد الإحساس
بأن البلد ينهار على مرأى ومسمع من المصريين، ولا يوجد ما يشير من قريب أو بعيد
إلى أن السيسي أو الحكومة على استعداد لإعادة تقييم هذا المسار المفضي إلى الدمار.
يختلف
الإحساس بالسخط اليوم عن ما كان عليه في أي وقت سابق من تاريخ مصر الحديث. وهذا لا
يعني بالضرورة أنه سيكون هناك استنفار حاشد. إلا أن الغضب الشعبي سيصل إلى النقطة
التي يرشح عندها إلى الشارع وسيقابل لا محالة بقمع وحشي وفتاك. ولكن بدون أي ملاذ
آخر فإنه سوف لن يتسنى التنبؤ بما ستؤول إليه الأوضاع.
من
الوارد أن يستمر داعمو مصر الدوليون في محاولة توفير حبال نجاة خاضعة لمغالطة
التكلفة الغارقة والتوهم بأن بإمكانهم دفع النظام نحو "الإصلاح". ولكني
الآن بت على يقين بأن مصر مقبلة على كارثة.
قد تتمكن الحكومة من تأخير الانهيار، ولكنها لن تتمكن من منع وقوعه
قد
تتمكن الحكومة من تأخير الانهيار، ولكنها لن تتمكن من منع وقوعه. ينبغي أن يكون
واضحاً لدى الجميع لدرجة الإيلام أن الحكومة نفسها، ورؤية قائدها، هما ما جر مصر
إلى هذه النقطة من الكارثة.
إن
السبيل الوحيد أمام مصر للمضي قدماً هو سبيل لا وجود فيه لا للسيسي ولا للجيش
بصفته سلطة تنفيذية. وبدون هذا التغيير، فسوف تندفع مصر لا محالة نحو المجهول ونحو
مستقبل حالك.
يقال
بأن مصر أكبر من أن تفشل، ولكن قد تكون أيضاً أكبر من أن يتمكن أحد من إنقاذها.
بدون إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ومع استمرار مقاربة القمع الوحشي التي يمضي بها
النظام، فلسوف نستمر في الاندفاع نحو الكارثة.