تعرضت القرية لاعتداءات عديدة وإغلاقات واقتحامات على مر سنوات طويلة
من الاحتلال، واعتقل واستشهد الكثير من سكانها. ومثل باقي القرى والتجمعات
الفلسطينية فقد حرمت سلطات الاحتلال أهالي القرية من أراضيهم وصادرتها لصالح
المستوطنات وجدار الفصل العنصري والتوسع وما يسمى "الحديقة القومية".
تقع قرية العيساوية إلى الشمال الشرقي من البلدة القديمة للقدس،
وتحدها من الشرق التجمعات البدوية التابعة للعيزرية وعرب الكعابنة، ومن الشمال
عناتا وشعفاط، ومن الجنوب الزعيم.
وتقع إداريا بين بلدية الاحتلال في القدس وبين "الإدارة
المدنية" المسؤولة عن منطقة (ج) في اتفاقات "أوسلو".
أصل التسمية
ثمة أكثر من رواية
تاريخية حول تسميتها بهذا الاسم، فالرواية الأولى
الأكثر انتشارا تقول إن سبب التسمية يعود لآل العيسوي أو العيساوي
"الأشراف" العائد نسبهم للنبي محمد عليه الصلاة والسلام من ابنته السيدة
فاطمة الزهراء، ورأي آخر ينسبها إلى القائد عيسى العوام أحد قادة صلاح الدين
الأيوبي. أما الرواية الثالثة فتنسبها إلي النبي عيسى عليه السلام الذي تظلل مع
أصحابه تحت شجرة الخروب في القرية وأصبحت هذه الشجرة مقدسة فيما بعد.
ويقول المؤرخ الفلسطيني عارف العارف عن القرية ما يأتي: "إنها
قرية عربية صغيرة.. ولكنها صامدة وصابرة.. تقع على مسافة قريبة من مدينة القدس.
ومنها إلى الشمال الشرقي، كان يعيش في أواخر عهد الانتداب سبعمائة وثلاثون
غريبا، كلهم مسلمون شوافع، ما عرفت هذه البلاد أصبر منهم على شظف العيش ومتاعب
الحياة. ومن سوء حظهم أن منازلهم قائمة على مقربة من مستشفى هداسا والجامعة
العبرية وما إلى ذلك من المباني اليهودية القائمة على جبل الزيتون.. تلك المباني
التي جعلها الاستعمار وجعل القرية معها "منطقة دولية" فتقلصت أراضيهم
التي كانوا يفلحونها ويعيشون من خلالها".
العيساوية
كما تظهر من "جبل المشارف"
وخلال معركة القدس في حرب عام 1948، كانت العيساوية حاضرة خلال فصول
القتال الأعنف، فمنها شدد مقاتلو جيش الجهاد المقدس، ومن ثم الجيش الأردني الخناق
على جيب الجامعة العبرية، الذي يغتصب الأراضي التاريخية للعيساوية، منذ عام 1925،
وبعد انتهاء القتال وقعت اتفاقية "جبل سكوبس (المشارف)" التي صنفت
العيساوية كمنطقة معزولة السلاح تدخلها عناصر الشرطة الأردنية دون الجيش وبدون
سلاحها الشخصي، وبعد الاحتلال الصهيوني لشرق القدس، في حرب حزيران/يونيو عام 1967،
ضم الاحتلال العيساوية لبلدية الاحتلال في القدس.
الانخراط في النضال الوطني
وينخرط أهالي العيساوية بقوة في النضال الوطني الفلسطيني، ويتعرضون
لسياسة العقاب الجماعي من قبل سلطات الاحتلال، ويأتي ذلك في صورة اقتحامات شبه
يومية، اعتقالات تعسفية، واغلاقات دورية، واعتقالات الأطفال وإغلاق المداخل
الرئيسية والجانبية للقرية، بعد أن تم إغلاق المدخل الإضافي بالقرب من الجامعة
العبرية للمركبات والمارة، وإغلاق المدخل المحاذي لمحطة الوقود، الأمر الذي يلزم
سكانها استخدام مدخل واحد فقط، من بينهم 2000 طالب يتعلمون في مدارس خارج القرية.
كما أن الإغلاق يعرقل عمل خدمات الطوارئ. ولم يتوقف الأمر فقط بإغلاق مداخل القرية
وأيضا الاستخدام المفرط وغير المنضبط لسيارة المياه العادمة في شوارع القرية،
والاستخدام واسع النطاق لقنابل الغاز وتوجيهها بشكل مباشر نحو البيوت السكنية
والمواطنين.
وقد اكتسبت العيساوية في الآونة الأخيرة حضورا في الإعلام الدولي بعد
إضراب ابنها الأسير سامر العيساوي. وقد شارك أهالي القرية في تظاهرات مساندة
لإضراب الأسير العيساوي الذي استمر ما يقارب 270 يوما. وكانت ردة فعل سلطات
الاحتلال على هذه التظاهرات المساندة للإضراب عنيفة وقامت بحملة اعتقالات
واقتحامات واسعة للقرية.
من مواجهات شبان قرية العيساوية مع قوات الاحتلال
ومنذ احتلالها عام 1967، تمت مصادرة مساحات واسعة من الأراضي في
العيساوية لصالح التوسع الاستيطاني، وبناء الشوارع الالتفافية والقواعد العسكرية.
وعلى الأقل 7 آلاف دونم نحو 70% من أراضي القرية تم عزلها عن مركز القرية بواسطة
جدار الفصل العنصري.
إضافة إلى ذلك هناك مخطط من قبل بلدية الاحتلال لإنشاء "حديقة
قومية" ستقوم بالتهام ما يقارب 450 دونما من أراضي القرية، وتعتبر هذه
الحديقة التي ستقام على الأراضي الواصلة بين الطور والعيساوية، أو ما يسمى منحدرات
جبل المشارف، الحلقة الأكبر ضمن سياسة مصادرة الأراضي والتي بدأت عام 1967 وتستمر
حتى يومنا هذا لفصل الأحياء الفلسطينية عن بعضها ووصل المستوطنات بعضها ببعض.
العيسوية "القرية المنسية" كما سماها الكاتب الفلسطيني
عارف العارف قبل نكبة 1967، وبعد المواجهات التي شهدتها القرية في الأحداث الأخيرة
لنصرة المسجد الأقصى المبارك في القدس الشريف والمسجد الإبراهيمي ومسجد بلال في
مدينة بيت لحم أطلق عليها جيش الاحتلال بأنها "غزة الصغرى" لشدة
المواجهات .
عبر هجمة عسكرية شرسة، تفرض سلطات الاحتلال الإسرائيلي عقابا جماعيا
ضد 22 ألف فلسطيني في العيساوية التي تبلغ كثافتها السكانية ثلاثة أضعاف ونصف
الضعف من إجمالي الكثافة السكانية في القدس.
كثافة سكانية وبناء ممنوع
وهذه الكثافة السكانية العالية تنهشها المساحات الضيقة، ليتوسع
السكان بشكل عشوائي وعمودي، إذ ترتفع بناياتها لأكثر من ست طبقات، بسبب عدم القدرة
على التمدد الأفقي، فيما تعاني شوارع البلدة وأرصفتها من نقص حاد في البنية
التحتية التي تهملها بلدية الاحتلال في المدينة المقدسة بشكل متعمد.
وتقتحم قوات شرطة الاحتلال البلدة المقدسية بين الفينة والأخرى وبشكل
شبه يومي، فتغلق المحال عن بكرة أبيها في حال الاقتحام النهاري، ومن ثم تداهم
منازل السكان، وتعبث بمقتنياتها، وتنكل بأصحابها، وتعتقل أفرادها بعنف خصوصا
الفتية والأطفال حتى تثير فيهم الرعب والخوف.
ويواصل الاحتلال سياسة هدم المنازل، لإجبار سكانها على الرحيل
القسري، فطواقم بلدية الاحتلال في المدينة المقدسة تقتحم البلدة باستمرار لإجراء
تصوير عشوائي لجميع البنايات، ومن ثم إصدار قرارات مراجعة وتفتيش أو أوامر هدم بحق
السكان.
قوات الاحتلال تغلق أحد مداخل العيساوية بكتل أسمنتية
وتواجه حاليا عشرات البيوت في البلدة المقدسية خطر الإزالة، فيما
ينتظر أصحاب 300 منزل مصير قرارات الهدم التي أصدرتها بلدية الاحتلال خلال الفترات
السابقة، إلى جانب 500 قضية هدم مؤجلة منذ 20 عاما، يفرض على أصحابها دفع الغرامات
المالية المتزايدة.
ولا يمكن أن يمر حدث في المدينة المقدسة إلا وتسجل العيساوية
بأبنائها الصامدين سجلا بطوليا في المواجهات مع جنود الاحتلال، ولذلك استحقت لقبها
"غزة الصغرى".
المصادر:
ـ "الأرض وحقوق السكن في العيساوية، القدس الشرقية
المحتلة"، مجلة البدائل، حزيران/ يونيو 2014.
ـ محمد حسن شراب، معجم بلدان فلسطين،
2000.
ـ عارف العارف، كما جاء في صحيفة فلسطين
12/8/1965 .
ـ مصطفى مراد الدباغ، بلادنا فلسطين، ، في ديار بيت المقدس (القدس
ورام الله وأريحا)، 1991
ـ كمال الجعبري، العيساوية..الجبهة التي لا تهدأ، مؤسسة القدس
الدولية، موقع مدينة القدس، 24/1/2024.
ـ زهير دوله، عقاب جماعي ضد 22 ألف مقدسي
في العيساوية، الإمارات اليوم، 19/12/2022.
ـ آلاء النمر، "العيساوية" قرية تجابه محاولات التهويد
بصلابة، وكالة الرأي الفلسطينية الإعلام، 4/1/2019.