صحيفة بريطانية: هذا ما خلفته الحرب الأمريكية على أفغانستان

نشرت صحيفة "بايلاين تايمز" البريطانية تقريرًا تناولت فيه بإسهاب الآثار المدمرة التي خلّفتها الحرب الأمريكية على أفغانستان.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن أفغانستان كانت الدولة الأكثر تضررًا من العنف المتفجر في العالم بين سنتي 2020 و2021؛ حيث تجاوزت صراعات دموية أخرى مثل سوريا واليمن والصومال.

وذكرت الصحيفة نقلا عن نورال حايك، وهو كهل يبلغ من العمر 53 سنة من قرية جلاب خيل في إقليم ميدان وردك بوسط أفغانستان، أن "هذه هي المرة الأولى التي أذكرها التي يستطيع فيها أطفالنا الركض بالخارج".

وعلى الرغم من أنها تبعد مسافة أقل من ساعتين عن كابول، إلا أن هذه المنطقة الزراعية البشتونية العرقية في البلاد كانت تحت السيطرة الفعلية لطالبان منذ حوالي سنة 2008، وهي منطقة متخلفة حتى بالمعايير الأفغانية؛ حيث إن ربع الناس هناك بالكاد يمكنهم القراءة والكتابة. كما أنها محافظة بشدة، وبالكاد تخرج النساء إلى الشارع.

وتقع هذه القرية الصغيرة في واد؛ حيث اعتادت طالبان استخدام سفوح التلال الموجودة هناك، والاختباء في الجبال حتى ينزلوا ويهاجموا قاعدة الجيش الأفغاني التي تبعد بضعة كيلومترات عن الطريق الرئيسي.

وبحسب الصحيفة؛ فقد كانت مناطق مثل وردك وزابل وسانجين معقلا من معاقل حركة طالبان، وشهدت دمارا شاملا بدأت تفاصيله تتكشف حاليا. فعلى امتداد عقدين من الزمن، شُنّت حرب خفية في ريف أفغانستان، في مقاطعات مثل ميدان وردك أو هلمند. حرب لم يشهدها العالم الخارجي، شُنت بضراوة بين مقاتلي حركة طالبان والجيش الوطني الأفغاني، بالشراكة مع قوات الناتو.

وقادت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة القتال عبر نشر أكبر عدد من القوات، وانضمت إليها قوات من بلدان بعيدة مثل ألمانيا وكندا وبولندا ونيوزيلندا. وفي خضم ذلك، شهد الشعب الأفغاني قدرا هائلا من الموت والدمار.

ولفتت الصحيفة إلى إصابة حوالي 32 ألف أفغاني بسبب العنف المتفجر في جميع أنحاء البلاد بين سنة 2011 و2021. وعندما استخدمت هذه الأسلحة في البلدات والمدن، تضرر ثمانية من كل عشرة أشخاص من المدنيين.

وهذا بالضبط ما هو معروف للعلن. ومن المسلم به على نطاق واسع أن أي إبلاغ عن هذه الأرقام ليس سوى جزء من الصورة. ولفترة طويلة؛ كان الصحفيون وباحثو النزاع والمراقبون الدوليون مقيدين للغاية من حيث قدرتهم على تغطية النزاع.

وبحسب الصحيفة؛ فإنه تم البحث عن الشهود والناجين من الحرب للعثور على إجابات حول التساؤلات التي خلقها القتال. وقد امتنع البعض منهم عن ذكر أسمائهم، فيما فضل آخرون ذكر اسمهم الأول فقط.

وكان القصد من ذلك هو السماح للمدنيين الأفغان بأن يصفوا للعالم تداعيات أطول حرب في القرن الحادي والعشرين وآثارها عليهم وعلى عائلاتهم ومجتمعاتهم. وكما جاء في أحد التقارير حول الخسائر في صفوف المدنيين، فإن "الغالبية العظمى من الحوادث تضمنت حالة وفاة واحدة أو حالتين كانت هويتهما مجهولة ولم يتم الإبلاغ عنها مطلقًا، ولم يتم تسجيلها من قبل المنظمات الرسمية، وبالتالي لم يتم احتسابها أبدًا كجزء من الخسائر المدنية في الحرب".

مركز التمرد

وذكرت الصحيفة أن منطقة سانجين في أفغانستان كانت مركز أعنف قتال في الصراع بأكمله، وسقط فيها أكبر عدد من المقاتلين في كلا الجانبين. وبسبب موقعها الإستراتيجي الواقع على الطرق غير المشروعة لمحصول الأفيون، أصبحت سانجين مفتاحًا لجهود التحالف لهزيمة التمرد. وكان سقوطها في أيدي طالبان في سنة 2017 لحظة محورية؛ حيث كانت إيذانا بتوحيد المناطق الريفية والسماح لهم بتجميع القوات اللازمة لاقتحام المدن في صيف سنة 2021 الحار.

وكانت الطريق إلى سانجين مليئة بالسيارات والعربات المليئة بالأثاث والسجاد والأواني وآلات الخياطة. لم يكن هؤلاء لاجئين؛ لقد كانوا عائدين إلى وطنهم. وخلال الحرب، كان من الخطير جدًا على العديد من العائلات العيش هنا، وهم الآن يعودون لزراعة الطماطم وتربية الماعز بين حطام ومخلفات الحرب.

بسبب الحرب، أصبحت أفغانستان واحدة من البلدان التي تضم أعلى نسبة من النازحين داخليًا في العالم. فبحلول نهاية سنة 2021، قدرت الأمم المتحدة أن 3.5 ملايين شخص فروا من العنف إلى أجزاء أخرى من بلادهم، ويضع هذا النزوح ضغطًا كبيرًا على موارد المجتمعات المستقبلة ويؤخر تكوين الأسر.

عائلات ممزقة

ونقلت الصحيفة عن رجل اسمه حميد الله، وهو مزارع يبلغ من العمر 31 عامًا، قوله إن المنزل المجاور قد تم استهدافه في غارة جوية بعد زواجه بثلاثة أشهر، وكان يقيم في منزل شقيقه لرعايته أثناء مرضه. لكن بعد ظهر ذات يوم، جاء رجل من قريته وأخبره أن الغارة الجوية استهدفت منزله مع أربعة آخرين، وعندما وصل إلى المنزل وجد أن حياته كلها قد دُمّرت في هذه الغارة التي قُتل فيها كل من زوجته وشقيقه الأصغر ووالدته.

أما شير آغا (29 عامًا)، وهو أب لثلاث بنات، فإنه يقطن في منزل من الخشب والقش في سانجين بلا كهرباء أو مياه جارية، والطعام الوحيد المتوفر لديهم هو الخبز، فيما قُتلت زوجته خطأً برصاص قناص من مشاة البحرية الأمريكية في قاعدة قريبة. ويُضيف: "الشيء الوحيد الذي أتمناه لأولادي هو ألا يُقتلوا". ولم يرغب رجل يبلغ من العمر 81 عامًا في الكشف عن اسمه، لكنه روى كيف فقد تسعة عشر فردًا من عائلته في غارتين جويتين؛ كانت الأولى في عام 2011 والثانية في عام 2016.

ووفق الصحيفة؛ فإن الأهداف العسكرية للجيش الأفغاني والتحالف غالبًا ما تكون مصحوبة بأضرار جانبية شديدة لدرجة قد تتجاوز أي مفهوم للتوازن في القانون الدولي. وعلى ذلك؛ يجب بذل كل الجهود الممكنة لتجنب وقوع إصابات في صفوف المدنيين، إذ إن المفهوم القانوني الرئيسي هنا هو التناسب، ومن الواضح أن الخسائر المدنية غالبًا ما تكون غير متناسبة مع قتل محتمل لقائد في طالبان.

وأوردت الصحيفة أن الأسلحة المتفجرة في أفغانستان فتكت بالعديد من الأرواح وأصابت العديد من السكان بجروح بالغة، ما جعلها واحدة من أكثر الدول ارتفاعًا في معدلات الإعاقة في العالم. وتقدّر المنظمات الحقوقية أن واحدة من كل خمس أسر أفغانية لديها فرد معاق، الأمر الذي يفرض أعباء اقتصادية كبيرة على المجتمع، حيث قد لا يتمكن المصاب أو المشوه من العمل ويحتاج إلى رعاية مؤقتة أو دائمة.

إرث العنف المسلح

وكشفت الصحيفة أنه برغم فداحة الخسائر بين صفوف المدنيين، إلا أن الدمار الذي سببته الحرب في هلمند لم يقتصر على ذلك فحسب.

فنظرًا لأن حمولة الضربات الجوية القوية يصعب توجيهها بدقة إلى هدف معين دون إحداث قدر كبير من الأضرار الجانبية، فإنها تقضي على البنية التحتية المدنية، ما يعني أن السلطات المحلية والمنظمات الدولية إما غير راغبة أو غير قادرة على إعادة بناء بنية النقل أو الاتصالات التالفة.

وترى الصحيفة أن الحرب تؤخر التنمية، فسكان منطقة سانجين مثلًا يُرجعون التخلف الشديد الذي تشهده المنطقة إلى العنف الذي دمر البنية التحتية الضئيلة التي تم تطويرها بالفعل؛ حيث كان هناك القليل جدًا من المرافق التعليمية والصحية، والتي كان يصعب تشغيلها خلال المعارك الضارية التي حدثت في المنطقة.

وأكدت الصحيفة أن نظام الرعاية الصحية في أفغانستان تأثر بشدة جراء الصراع المستمر، وهذا أحد أسوأ العوامل المساهمة في أن متوسط العمر المتوقع هو من الأدنى في العالم بـ 65 سنة فقط. لقد كان بناء المستشفيات والعيادات وصيانتها وتدريب طواقمها أمرًا بالغ الصعوبة أثناء الحرب، لكن الكثير في سانجين علقوا على تحسن الرعاية الطبية منذ استيلاء طالبان على السلطة؛ ويرجع كان هذا جزئيًا إلى أن نهاية الحرب قللت إصابات القتال التي كانت تستحوذ على الموارد الشحيحة بالفعل.

وتعد أفغانستان واحدة من البلدان القليلة في العالم التي لا تزال تعاني من أمراض تم القضاء عليها في أماكن أخرى مثل الجذام وشلل الأطفال، كما لا تزال أمراض معدية أخرى مثل السل والتيفوس متوطنة.

وقد أصبحت المستشفيات أيضًا هدفًا عسكريًا أثناء النزاع، فقد أطلقت مروحية أمريكية النار على مستشفى سان فرونتيرز في ولاية قندوز أثناء قتال في تشرين الأول/أكتوبر 2015، مما أسفر عن مقتل 42 شخصًا وإصابة 37، وذكرت منظمة أطباء بلا حدود أنها حاولت الاتصال بالسلطات الأمريكية أثناء الهجوم دون جدوى.

وأفادت الصحيفة بأن أفغانستان عانت من أضرار بيئية واسعة النطاق نتيجة المخلفات الحربية التي خلفتها أطراف النزاع؛ حيث أثرت بشدة على نوعية التربة والمياه المستخدمة في الزراعة، وهي النشاط الاقتصادي الرئيسي في البلد الذي يغلب على سكانه الريف، كما ساهم هذا في ازدهار تجارة المخدرات؛ حيث كان خشخاش الأفيون أحد المحاصيل القليلة المستقرة التي يمكن أن تنجو من ظروف الحرب.

علاوة على ذلك، كما ذكرت الصحيفة؛ كان الجنود الأمريكيون في إقليم هلمند يتخلصون من نفاياتهم من خلال استخدام حفر الحرق، والتخلص من النفايات العسكرية بهذه الطريقة يمكن أن يطلق دخانًا سامًا يمكن أن يلوث البيئة ويسبب أضرارًا جسيمة لمن يتعرضون لها، وبينما تنص سياسة وزارة الدفاع على اقتصار استخدامها عند عدم وجود "طريقة بديلة"، فقد كانت هذه الطريقة الدعامة الأساسية لقواعد العمليات الأمريكية في المنطقة، وفي حين أقر الكونغرس تشريعًا لتعويض الضحايا الأمريكيين لحفر الحرق، لم تُقدم أي إغاثة لآلاف الأفغان الذين تضرروا بهذه الطريقة.

وتبين الصحيفة أن الإرث السام الآخر للحرب في هذه المنطقة هو الذخائر غير المنفجرة؛ حيث قال أحد مقاتلي طالبان إنه استعاد 60 كغم من الألغام الأرضية والعبوات البدائية الصنع خلال الأسابيع الماضية.

يمكن إلقاء اللوم على حكومة طالبان الحالية في الكثير من هذا لاستخدامهم العبوات الناسفة المرتجلة كسلاحهم المفضل ضد الجيش الوطني الأفغاني، لكن قوات التحالف أيضًا مذنبة بإهمال غير عادي؛ حيث قُتل سبعة أطفال بسبب ذخائر غير منفجرة خلفتها القوات النيوزيلندية في ميدان رماية لم يتم إيقاف تشغيله بشكل صحيح في سنة 2014.

والوفيات نتيجة ذلك لا تزال مستمرة؛ حيث قُتل أربعة أطفال في الأسبوع الأول من أيلول/ سبتمبر 2022 بعد أن لعبوا بقذيفة مدفعية غير منفجرة في مدرستهم.

المساءلة

وذكرت الصحيفة أن أفغانستان ليست البلد الوحيد الذي شهد خسائر مدنية من الحروب الأهلية التي يحرضها التدخل الأجنبي؛ حيث تسبب العنف المتفجر، وخاصة من خلال الغارات الجوية، في إحداث الفوضى في صنعاء في اليمن أو حلب في سوريا، وإذا تم تبني الإعلان السياسي للحكومة الإيرلندية بشأن تعزيز حماية المدنيين من العواقب الإنسانية التي يمكن أن تنشأ عن استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة، فسيؤدي ذلك إلى تقليل عدد الضحايا المدنيين أثناء الحرب.

وبيّنت الصحيفة أن هذه الأمثلة المأساوية في جميع أنحاء أفغانستان تظهر صعوبة تجنب وقوع إصابات في صفوف المدنيين، حتى على الدول الأكثر تقدمًا بأسلحتها عالية الدقة، ناهيك عن صعوبة تحقيق العدالة لضحايا هذه الحوادث.

وقد أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية مؤخرًا أنه نظرًا لمحدودية الموارد المتاحة لمكتبه، فإن تحقيقات مكتبه سيتم تركيزها في أفغانستان على الجرائم التي يُزعم ارتكابها من قبل طالبان وتنظيم الدولة.

وترى الصحيفة إن نهاية القتال تعني أنه هذا هو الوقت الأنسب لإجراء حساب كامل للخسائر البشرية لأطول حرب أمريكية، فقد أعلن البنتاغون مؤخرًا أنه تمت تبرئة الجيش الأمريكي من ارتكاب أي مخالفات في تنفيذه غارة أسفرت عن مقتل عشرة مدنيين في كابول في الأسبوع الأخير من الإخلاء، واصفين الضربة بأنها "خطأ عن غير قصد".

في السياق نفسه، وفق الصحيفة؛ كان هناك نقص صادم في مساءلة القوات البريطانية الخاصة بشأن تورطها في عمليات قتل للمدنيين خارج نطاق القانون في أفغانستان.

وأوضحت الصحيفة أن أفغانستان لا تزال غارقة في أزمة اقتصادية كبيرة؛ حيث إن حوالي ثلثي سكان البلاد في حاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية، في نفس الوقت لا يزال المدنيون معرضين للخطر بسبب أعمال العنف التي تمارسها ولاية خراسان التابعة لتنظيم الدولة، والتي تستهدف بشكل أساسي الأقليات العرقية والدينية.

واختتمت الصحيفة تقريرها بالقول إنه بعد أربعين عامًا من الحرب أصبحت جول جلاب الآن مقبرة بقدر ما هي مكان للسكن، فرغم وجود حوالي خمسين منزلاً فقط، إلا أن هناك ثلاث مقابر كبيرة بها عشرات القبور التي تحمل الأعلام بدلًا من الأحجار؛ حيث يقول حايك إن كل علم يمثل شخصًا ثمينًا بالنسبة لهم، ولكن الرايات البيضاء فقط هي لمن استشهد، وإنه مرحّبٌ بك هنا، لكن يجب ألا تأتي إلي بجنود أو أسلحة مرة أخرى؛ ومن الأفضل للدول الغربية أن تستجيب لنصيحته.