ما زالت
عملية القدس
التفجيرية قبل أسابيع تترك أصداءها في أوساط أجهزة أمن الاحتلال، بزعم أنها تعيد
من جديد طرح المخاطر داخل المجتمع
الإسرائيلي، وهي تتابع بقلق الاتجاه الذي يغير
وجه المقاومة
الفلسطينية، خاصة بعد عام مليء بعمليات إطلاق النار.
في الوقت ذاته، فإن
عملية القدس بالذات، تضع يدها على التهديد الأمني في شكله القديم الجديد، ورغم
إحباط الجيش والمخابرات بالفعل في وقف عشرات الهجمات، لكن القلق الجديد يتمثل في
صعوبة اعتقال فلسطيني وحيد يتعلم بنفسه كيف ينفذ عملية تفجيرية، من خلال ما توحيه
مقاطع الفيديو المنتشرة على شبكة الإنترنت.
نير دفوري المراسل العسكري للقناة 12، "كشف تفاصيل اعتقال إسلام فروخ
منفذ عملية القدس أواخر تشرين ثاني/نوفمبر، بعد مطاردة استمرت 6 أيام، وجهد معقد
للغاية لفكّ شفرة الهجوم بالقنابل المزدوجة في القدس، لاسيما وأننا أمام مسلح
فلسطيني وحيد، يعمل بمفرده، يخطط ويجمع ويجري التجارب.
وأضاف أن المنفذ "زرع الشحنات دون
أي مساعدة، وهو أمر غير معتاد في مشهد المقاومة الفلسطينية، ونحن أمام مهارة مزعجة
للغاية، سواء من مستوى المعرفة المطلوب، أو القدرة على التعلم، وإمكانية الحصول
على المواد، وتنفيذ العملية كما حدث في القدس، مما يمثل اتجاها جديدا من وجهة
نظر الشاباك والجيش في هجمات المقاومة".
وأضاف في تقرير ترجمته
"عربي21"، أنه "إذا تم تحديد 2022 بأنه عام لهجمات إطلاق نار، فإن
عملية القدس أعادت الجيش من جديد إلى عهد العبوات الناسفة، وهذا هو التحدي التالي
للمؤسسة الأمنية، لاسيما وأن المنفذ عمل على إتلاف دراجته النارية، وابتكر طريقة
للانسحاب من مكان العملية، في محاولة لتغطية آثاره، قام بتشويه لوحة الترخيص،
وعلامات التعريف الخاصة به، والخطير أن المنفذ ليس له خلفية أمنية، بل هو فرد من
عائلة أطباء، والدته مقدسية ووالده من رام الله، تخرج بدرجة البكالوريوس بالهندسة
الميكانيكية، ولديه معرفة تقنية واسعة، استخدمها في التخطيط للهجوم".
وزعم أن "فروخ
قام عبر الإنترنت بجمع معلومات لصنع المتفجرات، وحفر حفرة بمنطقة مهجورة قرب
بيتونيا، وجلب للمختبر المعدات والمواد اللازمة لإنتاج العبوات الناسفة، بل أجرى
تجارب حتى تمكن من بناء شحنة متفجرة، حيث قتل في هجومه المميت اثنين من
الإسرائيليين وأصاب 17 آخرين".
وأشار إلى أن
"البيانات والاستنتاجات التي يصدرها الشاباك تبدو مقلقة عن تلخيصه للعام
2022، حيث بدأت موجة المقاومة التي لم تهدأ بعد، ومنها وقوع 16 هجوما قتل فيها 31
إسرائيليا، نفذها 20 مهاجما، بينهم 11 مهاجما ليس لديهم خلفية أمنية ولم يكونوا
أسرى، وهي حقيقة تعزز التحدي المتمثل بإحباط هذه الهجمات في وقت مبكر، كما تم
إحباط 472 هجوما كبيرا، بما فيها إطلاق النار والطعن والمتفجرات، واتسمت الموجة
الحالية بانتشار وتزايد عمليات إطلاق النار، على خلفية تزايد نشاط حماس من غزة
والخارج والجهاد الإسلامي ولجان المقاومة؛ لإغراق الضفة الغربية بالسلاح والتمويل".
وأوضح أن "هناك
زيادة ملحوظة في تهريب الأسلحة من الأردن، ومحاولات إنتاج أسلحة مماثلة للذخائر،
مثل رشاش الكارلو في ورش داخل المناطق الفلسطينية، ما دفع الشاباك لزيادة انخراطه
بشكل كبير في التعامل مع ظواهر المقاومة بين فلسطينيي48، مما يطرح السؤال حول جدوى
وفاعلية إدخال الشاباك للتعامل مع المجتمع العربي في إسرائيل؛ لأنه لأول مرة منذ
سنوات فكّ الشاباك رموز 17 محاولة تنفيذ عمليات مسلحة بين فلسطينيي48، واعتقال 228
آخرين منذ أحداث أيار/مايو 2021".
تكشف هذه المعطيات
الأمنية الإسرائيلية أن المقاومة الفلسطينية غيّرت من وجهها خلال العام المنصرم،
بعد أن اتسمت في 2015 بالطعن بالسكاكين، لكنها في 2022 اتسمت بعدد كبير من عمليات
إطلاق النار، ويبدو أن التوجه الناشئ في الضفة الغربية يتمثل بالتوسع باستخدام
المتفجرات والعبوات الناسفة، ما أدى لزيادة عدد القتلى والجرحى الإسرائيليين
مقارنة بالسنوات السابقة، وهي زيادة دراماتيكية تتطابق مع تنامي نشاط المنظمات
الفلسطينية، العاملة طوال الوقت لتحديد المواقع والتجنيد والتمويل.
مع العلم أن هناك
محاولات يدفع بها الشاباك الإسرائيلي لسنّ تشريعات تشكل رادعا كبيرا لهذه الظاهرة
المقلقة بالنسبة له؛ لأن هذه الهجمات الفدائية توضح الحاجة لدفع هذا التشريع في
أسرع وقت ممكن، بالتزامن مع محاولة جهات عديدة تحريك الوضع الأمني بين فلسطينيي48،
وتغذيتهم بالسلاح، مع تزايد ظاهرة تهريبه بشكل كبير هذا العام، سواء عبر الأردن أو
السرقات من قواعد الجيش، عقب إحباط الشاباك والجيش لـ587 عملية تهريب سلاح في عام
واحد فقط.