توقَّعت حلقة نقاش عقدها مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بمشاركة
عشرات الخبراء والمتخصصين في الشأن
الفلسطيني، تصاعد عناصر التفجير والمواجهة خلال
سنة 2023، خصوصاً في القدس، مع تزايد احتمالات انتشار العمل المقاوم في الضفة
الغربية.
ولم يستبعد المشاركون في حلقة النقاش، التي جرت أول أمس الأربعاء 4
كانون الثاني (يناير) الجاري، دخول قطاع غزة في مواجهة عسكرية عنيفة ضدّ
الاحتلال؛
خصوصاً في ضوء تشكيل الحكومة الأكثر تطرفاً دينياً وقومياً في تاريخ الكيان
الإسرائيلي، واحتمالات تصعيد عدوانها على الأرض والمقدسات والشعب الفلسطيني،
وتفعيل برامج التهويد والاستيطان.
وقد قُدّمت في هذه الحلقة، التي أدارها الدكتور محسن محمد صالح، أربع
أوراق عمل، ناقشت التوقعات المستقبلية خلال سنة 2023، وكانت أولاها لساري عرابي
حول الوضع الداخلي الفلسطيني، أما الثانية فكانت لزياد إبحيص حول القدس والمقدسات،
وقدّم الورقة الثالثة وائل المبحوح حول
المقاومة الفلسطينية، بينما قدّم الدكتور مهند
مصطفى الورقة الرابعة حول الكيان الإسرائيلي.
وشارك مجموعة من الخبراء والمتخصصين في مناقشة أوراق العمل، قبل أن
يقوم مقدمو الأوراق في نهاية الحلقة بتقديم ردودهم وتوضيحاتهم.
وقد خلصت هذه الحلقة إلى أنه في الإطار الداخلي الفلسطيني، فإنه
بالرغم من اتفاق المصالحة الذي تمّ التوقيع عليه في الجزائر في 13/10/2022، فإن
قيادة منظمة التحرير وقيادة السلطة ليست في وارد إنفاذ الاتفاق وإجراء انتخابات
حرة نزيهة طالما لم تضمن إعادة تجديد نفسها. وأنه بالرغم من كثرة الأفكار
والاقتراحات فإن جوهر المشكلة الداخلية تكمن في "الإرادات" وليس في
الأفكار.
ونبّهت إلى أنه لم يعد للسلطة الفلسطينية مشروع سياسي حقيقي بعد
انسداد مسار التسوية، وبعد فشلها في التعبير عن الإرادة الحقيقية للشعب الفلسطيني،
كما أن السلطة لم تعد تمثل ضمانة عدلية قانونية ولا اجتماعية في المناطق التي
تحكمها في الضفة، فستتابع مسارها في الارتكاز على القوة الأمنية، وعلى أداء دورها
الوظيفي. وكما أنها عطلت عمل المجلس التشريعي وهي ليست بصدد إحيائه، فقد زادت من
تغوّلها على السلطة القضائية، وحتى على العمل النقابي الفلسطيني بما في ذلك الطلاب
والأطباء وغيرهم؛ وهي مسارات من المتوقع أن تستمر فيها خلال سنة 2023. كما أن حركة
فتح تعاني من إشكالات التدافع الداخلي واستحقاقات مرحلة ما بعد عباس؛ الذي لم
يحدّد لنفسه نائباً حتى الآن.
أما في ملف القدس، فقد توقَّعت حلقة النقاش أن يكون ملف القدس ملفاً
مركزياً ساخناً خلال سنة 2023، وقد يكون عنصر تفجير وتصعيد بسبب تشكيل الحكومة
الإسرائيلية الأكثر تطرفاً في تاريخ الكيان الإسرائيلي، وما يقابله من اتساع دائرة
التحدي والمقاومة لدى الشعب الفلسطيني.
وقد أشارت المداخلات إلى منحنى متعرج في التدافع بين الاحتلال وبين
المدافعين عن القدس. وأن الاحتلال حقّق بعض المنجزات والحقائق على الأرض من خلال
سعيه لإنهاء معركة القدس وحسم هويتها لصالحه، فقام بضرب رموز الوجود السياسي
الفلسطيني، وتبنّى مشاريع تهويد كبرى، وسعى لفرض الطقوس التوراتية، بالإضافة إلى
توسيع حملات هدم منازل المقدسيين والسيطرة على أملاكهم. غير أن المقاومة بكافة
أشكالها وصمود المقدسيين أفشلت العدوان وعطّلت مساره على جبهات باب الرحمة وباب
العمود والشيخ جراح والخان الأحمر.
وفي ظلّ كنيست صهيوني في عضويته 29 نائبا يتبنّون فكرة بناء الهيكل،
ووجود 16 وزيراً في حكومة نتنياهو يتبنون تسريع تهويد المسجد الأقصى والقدس، فمن
المتوقّع خلال سنة 2023 أن يدفع الاحتلال باتجاه تفعيل برامج تهجير الفلسطينيين
ومصادرة أملاكهم، خصوصاً في الشيخ جراح وسلوان والخان الأحمر، كما سيحاول الصهاينة
حسم معركة التعليم بفرض المنهاج المتبنى من الكيان الإسرائيلي على المدارس
المقدسية، بالإضافة إلى فرض الشعارات والرموز اليهودية والصهيونية بما في ذلك
"معركة العَلَم الإسرائيلي" التي سيخوضها في 19 أيار/ مايو 2023.
وفي إطار المقاومة، توقّعت حلقة النقاش في ضوء تشكيل الحكومة
الإسرائيلية الأكثر تطرفاً وتبنيها برنامجاً عدوانياً ضدّ الشعب الفلسطيني، تصاعد
خيارات التوجه نحو العمل المقاوم، وازدياد احتمالات دخول المقاومة في غزة لخوض
معركة جديدة، كما تتزايد فرص تصاعد العمل المقاوم في الضفة الغربية، في الوقت الذي
ستزداد فيه شراسة الاحتلال في محاولة قمع إرادة الشعب الفلسطيني.
أما في الجانب الإسرائيلي، فقد لاحظت المداخلات أن نظام الحكم في
الكيان في ضوء نتائج انتخابات الكنيست وتشكيل الحكومة الإسرائيلية المتطرفة
الجديدة، يتجه أكثر نحو فكرة الدولة اليهودية الخالصة، ومحاولة تقديم تعريف جديد
للصهيونية متماهٍ مع رؤية اليمين القومي والديني الصهيوني. وأنه في هذه المرة، فإن
اليمين الحاكم هو يمين جدّي وأيديولوجي في تغيير بنية النظام الإسرائيلي، وإعادة
تعريف علاقة الدِّين بالدولة، ومحاولة فرض التوراة على الحياة اليومية بما يضيِّق
المساحات "الليبرالية" للمنظومة الإسرائيلية. كما سيسعى لتفعيل وتسريع
برامج التهويد والاستيطان في الضفة الغربية، خصوصاً في القدس، ولن يعطي اعتبارات
كبيرة لردود الفعل الفلسطينية والعربية والدولية. كما سيسعى اليمين إلى تشريع
قانون يمكنه من التغلُّب والهيمنة على المحكمة العليا في الكيان، بما يُخضع السلطة
القضائية لمساراته الكبرى.
وبالرغم من ازدياد احتمالات عدوانية الكيان الإسرائيلي، فإن ذلك
سيتسبب بمزيد من التأزيم الداخلي في المجتمع الإسرائيلي الصهيوني، كما سيكشف الوجه
القبيح للاحتلال في البيئة الإقليمية والدولية.
وأعلن مركز الزيتونة أنه سيعقد يوم الأربعاء المقبل 11/ 1/ 2023 حلقة
نقاش ثانية لاستكمال توقعات 2023 تركز على الأبعاد العربية والإسلامية والدولية
للقضية الفلسطينية.
ومركز الزيتونة هو مؤسسة دراسات واستشارات مستقلة، تأسس في بيروت، في
منتصف عام 2004م، وهو مرخّص كشركة مساهمة محدودة.
يُعنى المركز بالدراسات الاستراتيجية والأكاديمية واستشراف المستقبل،
ويُغطي مجالُ عملِهِ العالمين العربي والإسلامي، ويعطي اهتماماً خاصاً بالقضية
الفلسطينية، وبدراسات الصراع مع المشروع الصهيوني والكيان الإسرائيلي، وكل ما
يرتبط بذلك من أوضاع فلسطينية وعربية وإسلامية ودولية.
اقرأ أيضا: مواقف أمريكية متتالية ضد سياسة حكومة نتنياهو في الأراضي المحتلة