نشرت صحيفة "
ذي إيكونوميست"
البريطانية تقريرًا، تطرقت فيه إلى التوقعات السياسية بشأن سنة 2023.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته
"عربي21"، إن الأوروبيين في سنة 1945 قرروا أنه على الدولة أن تأخذ
بزمام المبادرة في إنشاء
اقتصاد حديث ودولة رفاهية أوسع وقارة أكثر سلاما. لكن في
سنة 1979، أدت مضاعفة أسعار النفط، التي أعقبت عقدًا من التضخم المصحوب بالركود،
إلى الابتعاد عن التعاون المريح بين الدولة وقطاع الأعمال، وترجيح كفة الأسواق
الأكبر والمشاريع الخاصة. فهل يتكرر السيناريو في سنة 2023؟
تتزامن بداية هذه السنة مع نهاية عقد
من أسعار الفائدة المنخفضة وعودة ارتفاع أسعار الطاقة ومعدلات التضخم إلى الاقتصاد
العالمي، بينما تطارد الحرب
أوروبا. كما تنطلق هذه السنة في أعقاب واحدة من أكثر
الأوبئة فتكًا في التاريخ، وتراجع الصين عن سياسة الاندماج العالمي.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الاتجاهات
تُنذر بتحولات سياسية واسعة في البلدان الغنية، حيث من المتوقع أن تتحرك السياسة
إلى
اليسار حتى لو كان ذلك فقط كرد فعل على حكومات يمين الوسط التي هيمنت على
الديمقراطيات الغنية خلال العقد الماضي.
يبدو أن هذا يحدث بالفعل، ففي سنة 2022
في جبال الألب البافارية، خلال اجتماع لمجموعة الدول السبع، كان الرئيس الأمريكي
جو
بايدن على نفس الطاولة مع خمسة قادة آخرين من يسار الوسط؛ قادة كندا وفرنسا
وألمانيا وإيطاليا واليابان.
في المقابل، عندما التقى سلف بايدن
الديمقراطي، باراك أوباما، نظراءه في سنة 2010، كانوا جميعًا من اليمين أو يمين
الوسط. وطبعًا، قد يكون هذا مجرد صدفة وليس بداية تحول أوسع.
وأوردت الصحيفة أن نجاح الجناح اليميني
في الانتخابات العامة الإيطالية في أواخر سنة 2022 يعد بمثابة تذكير بأهمية
الاستثناءات الوطنية. مع ذلك، هناك أسباب للاعتقاد بأن شيئًا غاية أهمية ويتخطى
الحدود الوطنية قد يحدث قريبًا.
وأضافت الصحيفة أن الرأي العام في
الديمقراطيات الغنية يتحول على ما يبدو إلى اليسار. ففي الولايات المتحدة، مثلا،
انخفضت نسبة المستجيبين للاستطلاعات التي أجراها مركز "بيو" للأبحاث
الذين قالوا إن البنوك كان لها تأثير إيجابي على الاقتصاد من 49 بالمئة في سنة
2019 إلى 40 بالمئة بعد ثلاث سنوات.
وسُجّل انخفاض مماثل بالنسبة لشركات
التكنولوجيا، أما بالنسبة للشركات الكبيرة فقد كان أكبر. ويبدو هذا الوضع بعيدًا كل البعد عن الاعتقاد السائد في
الثمانينيات بأن المشاريع الخاصة ستحلّ العديد من مشاكل العالم.
وذكرت الصحيفة أن المشاعر المعادية
للشركات ليست سوى البداية، حيث صرّح نصف المشاركين أو أكثر في الولايات المتحدّة
وبريطانيا وفرنسا وألمانيا لمركز "بيو" بأن اقتصاداتهم بحاجة إلى تغيير
كبير أو إصلاح شامل، علما بأن غالبية المطالبين بإصلاح أكبر أشاروا إلى أنهم من
اليسار. وقد تكون رغبة الجمهور في إحداث تغييرات شاملة مدعومةً بمخاوف تغير المناخ
والاعتقاد بأنه لم يتم عمل ما يكفي حيالها.
وذكرت الصحيفة أن احتمال أن تكون سنة
2023 نقطة تحول سيكون مدعومًا بنوع من التحولات الهامة التي تؤدي إلى تغيير واسع
النطاق، والتي نادرًا ما تتصدر عناوين الصحف.
لعقود من الزمان، نمت أعداد سكان
العالم الذين هم في سن العمل، مما أدى إلى إنتاج المزيد من العمال مقارنة بالأطفال
والمتقاعدين، وتوفير ما يسمى "العائد الديموغرافي" للاقتصاد العالمي.
وقد أدى ذلك إلى تراجع أسعار الفائدة والأجور وتفاوت أكبر في الدخل ونمو اقتصادي
أسرع وتقييمات عالية للشركات الكبرى، لكن هذه الاتجاهات يمكن أن تتغير بسرعة
أحيانًا.
ظلّت نسبة سكان العالم في سن العمل في
انخفاض لمدة عشر سنوات، وبدأت أسعار الفائدة في الارتفاع، بينما انخفضت القيمة
السوقية للشركات وذلك وفقًا لنسبة السعر إلى الأرباح المعدلة للشركات حسب مؤشّر "إس
آند بي 500".
مع ذلك، حتى يُترجم كل هذا إلى تغيير
كبير في اتجاه السياسة الديمقراطية لن يكون دعم الرأي العام أو التحولات
الاقتصادية كافيا.
أصبحت نقاط التحول في الماضي ممكنة
التحقق، ليس فقط لأن الأحزاب السياسية تبنت معتقدات جديدة، وإنما أيضًا لأنها كانت
قادرة على تقديم التنازلات اللازمة لتنفيذ تلك الأفكار. لكن من غير الواضح ما إذا
كان لدى الأحزاب السياسية التفويضات أو السلطة أو الإرادة للقيام بذلك الآن.
أشارت الصحيفة إلى أن مارغريت تاتشر
ورونالد ريغان حققا انتصارات ساحقة في الثمانينيات، لكن مثل هذه النتائج الحاسمة
أصبحت نادرة. فبين 1980 و1996 نال الفائز بالرئاسة الأمريكية التصويت الشعبي بفارق
عشر نقاط تقريبا، ليتضاءل هذا الفارق إلى أقل من 2.6 نقطة بين سنة 2000 و2020. إلى
جانب ذلك، يواجه جو بايدن مشكلة إضافية تتمثل في إدارة حكومة منقسمة.
وفي بريطانيا، فاز الحزب الحاكم بـ 48
بالمئة من الأصوات في الانتخابات من سنة 1945 إلى سنة 1960. ومنذ سنة 2010، كانت
حصة الفائزين أقل من 40 بالمئة. كما انخفضت نسبة إقبال الناخبين بشكل حاد في معظم
الديمقراطيات الغنية، لذلك لا يمكن للأحزاب الاعتماد على تفويضات شعبية كبيرة.
وذكرت الصحيفة أنه في الانتخابات
الرئاسية الفرنسية في نيسان/ أبريل 2022، تغلب إيمانويل ماكرون على مارين لوبان
بنسبة 59 بالمئة مقابل 41 بالمئة من الأصوات. في المقابل، في الانتخابات التشريعية
التي أجريت بعد شهرين، خسر حزبه أغلبيته وفاز التجمع الوطني لمارين لوبان بمقاعد
جديدة أكثر من أي حزب آخر. وهنا يمكن القول إن الحكومة المنقسمة قد أضعفت ماكرون
مثل ما حصل مع بايدن.
في الستينيات، كانت الأحزاب في أوروبا
عبارة عن حركات جماهيرية تضم ملايين الأعضاء، لكنها لم تعد كذلك بعد الآن. وقد
أصبحت الأحزاب تمثّل مجموعات ذات مصالح ضيقة، أو في بعض الحالات، مجموعات من
الأنانيين المصابين بجنون العظمة بدلا من الحركات الاجتماعية ذات القاعدة العريضة.
وأوردت الصحيفة أنه في ظل غياب العضوية
الجماهيرية مع تحول الانتخابات إلى هوامش أكثر من أي وقت مضى، تُخَصَّص الحوافز في
معظم البلدان الديمقراطية للأحزاب لإبقاء أكبر عدد ممكن من مؤيديها راضين وعدم
المخاطرة بانسحابهم. وهذه ليست بأخبار مفرحة لأي شخص كان يتوقع تغييرا جديدًا في
السياسة. قد تكون هناك رغبة واسعة للتغيير بالفعل، لكن الحكومات والمعارضين
سيحاولون جاهدين الاستفادة من الوضع.