قالت المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في
الشرق الأوسط والأدنى، إيمان الطرابلسي، إن تدخلهم في منطقة الشرق الأوسط هو من بين أكبر عملياتهم حول العالم؛ حيث "تتزايد أعداد المتضررين من النزاعات القائمة في المنطقة مع مرور كل سنة، ويزيد من إحساس انعدام الأمن والحرمان لدى سكان هذه المناطق"، مشيرة إلى أنهم يواجهون تحديات هائلة في هذا الصدد.
وأشارت الطرابلسي، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، إلى أن "اندلاع أزمات جديدة حول العالم، لا سيما النزاع في أوكرانيا، كان له تأثير على المنطقة
العربية، وخلّف في العديد من الدول ارتفاعا في أسعار المواد الأساسية".
وأضافت: "لقد كان سخاء الجهات المانحة والشركاء في اللجنة الدولية بخصوص أوكرانيا جديرا بالترحيب الشديد، ولكن ما يبعث على القلق هو أننا نشهد انخفاضا عاما في التمويل المُقدّم لتغطية ميزانيتنا العالمية، وتعاني حاليا مجالات مهمة من عملنا حول العالم من نقص حاد في التمويل، وهو ما يُهدّد قدرتنا على مساعدة أولئك الأشخاص الذين يعانون من آثار النزاع والعنف".
وأوضحت الطرابلسي أن "أزمة المناخ تخلق المزيد من الاحتياجات الطارئة التي يجب تغطيتها كارتفاع نسبة الأشخاص الذين يحتاجون لشكل من أشكال المساعدة الإنسانية بشكل آني، ونسب هذه الفئة تبلغ أرقاما قياسية في بعض السياقات بالمنطقة العربية".
ولفتت المتحدثة باسم
الصليب الأحمر إلى أن "معالجة تداعيات أزمة المناخ في سياقات النزاع تستدعي حلولا جذرية وطويلة الأمد وذات طابع شمولي، وذلك يتجاوز ما يمكن للفاعلين الإنسانيين توفيره ويستدعي بالأساس جهودا سياسية محليا ودوليا".
وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
كيف تنظرون للجهود التي قام بها "الصليب الأحمر" خلال عام 2022؟ وهل واجهتم تحديات جديدة أم لا؟
تدخلنا في منطقة الشرق الأوسط هو من بين أكبر عملياتنا حول العالم؛ حيث تتزايد أعداد المتضررين من النزاعات القائمة في المنطقة مع مرور كل سنة ويزيد من إحساس انعدام الأمن والحرمان لدى سكان هذه المناطق.
السنة المنقضية كانت سنة تعددت خلالها التحديات؛ إذ أن النزاعات القائمة لا تزال تلقي بظلالها على السكان في العديد من دول المنطقة. كما أن اندلاع أزمات جديدة حول العالم، لا سيما النزاع في أوكرانيا، كان له تأثير على المنطقة العربية، وخلّف في العديد من الدول ارتفاعا في أسعار المواد الأساسية.
في الدول التي تشهد أزمات كان الأثر مُضاعفا، لا سيما وأن هذه الدول تعاني كذلك من تأثيرات مضاعفة للتغييرات المناخية التي أثّرت على المحاصيل الزراعية ووفرة المياه، ونتائج كل هذه العوامل متضافرة هي ارتفاع احتياجات السكان الأساسية. كمثال عن ذلك، اليوم في اليمن لا يتمكن ما يقرب من 19 مليون شخص من تلبية احتياجاتهم الغذائية اليومية في جميع أنحاء البلاد، مقارنة بـ 16.2 مليون شخص في العام الماضي، ما يمثل حوالي 63% من إجمالي السكان، مقارنة بنسبة 53% العام الماضي.
أيضا، يمثل خطر انتشار الإصابة بالكوليرا والإسهال المائي الحاد في سوريا ولبنان خلال 2022 عبئا جديدا له أن يفاقم معاناة الناس في البلدين المتجاورين. ففضلا عن المعاناة التي تئن تحت وطأتها المجتمعات المحلية من جرّاء مخلفات العنف المسلح في سوريا، والانهيار الاقتصادي الحاد في لبنان وسوريا، فإن هذه المجتمعات تدفع ثمن إنهاك أنظمة الرعاية الصحية وأنظمة المياه والصرف الصحي التي باتت على شفا الانهيار، الأمر الذي من شأنه أن يخلّف عواقب وخيمة على الصحة العامة من جراء تردّي أوضاع النظافة الصحية العامة، ويبعث هذا برسالة تذكير بمدى أهمية مواصلة دعم البنية التحتية الحيوية لضمان استمرار توفير الخدمات الأساسية للسكان.
على سبيل المثال، ألحق النزاع الممتد لأكثر من 11 عاما في سوريا ضررا بالغا بشبكات المياه والتطهير فانخفضت إمدادات المياه بنسبة تتراوح بين 30% و40%، أما نسبة المستشفيات التي لا تزال في إطار الخدمة فإنها لا تتجاوز 52% حول البلاد.
بالإضافة إلى ذلك، وبالتوازي مع تزايد الاحتياجات الإنسانية هذه السنة نظرا لمخلفات النزاعات المسلحة والطوارئ الناجمة عن الظواهر المناخية والمصاعب الاقتصادية والعراقيل السياسية فقد واجهنا خلال عام 2022 -تماما مثل أغلبية الفاعلين الإنسانيين في المنطقة- تقلصا حادا في تمويل عملياتنا وبرامجنا في كل الدول التي نتدخل بها داخل المنطقة العربية.
لقد كان سخاء الجهات المانحة والشركاء في اللجنة الدولية بخصوص أوكرانيا جديرا بالترحيب الشديد، ولكن ما يبعث على القلق هو أننا نشهد انخفاضا عاما في التمويل المُقدّم لتغطية ميزانيتنا العالمية، وتعاني حاليا مجالات مهمة من عملنا حول العالم من نقص حاد في التمويل، وهو ما يُهدّد قدرتنا على مساعدة أولئك الأشخاص الذين يعانون من آثار النزاع والعنف، بما في ذلك برامج المساعدة الغذائية.
مع دخول فصل الشتاء، هل يمكن القول إن هناك أوقاتا بعينها تزداد فيها الأعباء عليكم؟
الشتاء يُعدّ "كابوسا" بالنسبة للفئات الأكثر هشاشة في مناطق تدخلنا خاصة النازحين؛ فخلاله يضطر الملايين من الأشخاص الذين ينتقلون إلى المخيمات أو إلى أماكن إيواء مؤقتة في المنطقة لعيش حياتهم في ظروف قاسية وفظيعة. أخص بالذكر هنا المخيمات الموجودة في شمال شرق سوريا، والتي يعيش بها عشرات الآلاف في ظروف قاسية جدا، حيث تنحدر درجات الحرارة إلى ما دون الصفر، ونذكر على سبيل المثال الوضع في مخيم الهول، حيث تستشري حاليا أصعب الأزمات المتعلقة بالحماية، والذي يضم أكثر من 55 ألف شخص، ثلثاهم من الأطفال. وما يحصل عليه الأطفال هناك من الأغذية والمياه النظيفة والرعاية الصحية والتعليم، هو دون ما تدعو إليه المعايير الدولية، وهم يتعرضون باستمرار للمخاطر، وتُهمل حقوقهم.
بالطبع هذا مثال واحد من بين الكثير من الأمثلة المختلفة، ووضع سكان المخيمات في دول أخرى كاليمن أو العراق أيضا يُعتبر حرجا، خاصة خلال فترات الشتاء، لأن الاحتياجات تتجاوز ما يكمن أن تقدمه الجهات الإنسانية.
هل هناك خطط جديدة يعتزم "الصليب الأحمر" القيام بها في المنطقة خلال العام المقبل؟
أكبر عملياتنا في المنطقة موجودة اليوم في سوريا واليمن وليبيا والأراضي الفلسطينية المحتلة والعراق ولبنان. ميدانيا تعمل فرقنا بشكل متواصل على تلبية الاحتياجات الإنسانية الهائلة بقدر الإمكان عبر توفير الطعام والمعدات المنزلية الأساسية، والدعم الاقتصادي للفئات الأكثر هشاشة، كما نعمل على دعم المنشآت الصحية، وتحسين ظروف السجناء.
البعض قد يسأل: ماذا لو لم يكن "الصليب الأحمر" يعمل في المنطقة؟
اليوم في مناطق النزاع والمناطق المتأثرة من الأزمات في المنطقة العربية يصعب على الملايين الحصول على الخدمات الأساسية، خاصة الخدمات الصحية في المناطق التي شهدت تصاعدا في وتيرة العنف. وتبقى الاحتياجات الإنسانية ضخمة وتمس كل قطاعات الاحتياجات الأساسية، ولا يمكن للجنة الدولية للصليب الأحمر وشركائها إلا تغطية جزء منها.
مواصلة مساندة السكان هي مسألة حياة أو موت بالنسبة للمتضررين بما أن هناك حاجة متزايدة لمعالجة الاحتياجات الملحة، ولكن من المهم كذلك النظر إلى الاحتياجات طويلة المدى، ولكن الأثر لا يحصل إلا بتضافر جهود كل الفاعلين الإنسانيين والناشطين في المجال الإنساني؛ إذ تختلف طرق التدخل وطبيعة الأنشطة، إلا أنها كلها تصب في نهاية المطاف في هدف حماية الكرامة البشرية.
لكننا نؤكد في الوقت ذاته أن الإغاثة الإنسانية ليست الحل؛ فالحلول يجب أن تكون سياسية بالأساس، وهذا يتجاوز ما يمكن أن يقدمه الفاعلون الإنسانيون على اختلافهم. فسواء كان حديثنا عن أزمة الكهرباء في غزة أو أزمة التعليم في اليمن أو أزمة المياه في سوريا، ستبقى المشاكل، وإن كانت مختلفة، مرتبطة بمدى قدرة الفاعلين السياسيين على خلق حلول هدفها تسوية النزاعات؛ إذ أن هذا هو الحل الوحيد لحلحلة الأزمات الإنسانية جذريا.
بعض الفلسطينيين ناشدوا "الصليب الأحمر"، قبل أيام، التدخل لحماية الأسرى في السجون الإسرائيلية.. كيف استقبلتم هذه المناشدات؟ وكيف تتعاطون معها؟
تعمل اللجنة الدولية من خلال الحوار الثنائي والسري مع السلطات لإيجاد حلول للمشاكل الإنسانية التي تؤثر على المحتجزين، وضمان توفير ظروف معيشية مناسبة لهم. وعند الضرورة، قد نساهم أيضا في تنفيذ الحلول المُحددة، حيث لا تتعلق تدخلاتنا بتوسيع قدرة مرفق الاحتجاز أو السّمات الأمنية، والتي تظل مسؤولية سلطات الاحتجاز حصرا.
اللجنة الدولية تقوم بزيارة الأشخاص المحرومين من حريتهم في حالات العنف أو النزاعات. وتهدف من خلال زياراتها إلى السجون إلى التأكد من أن المحتجزين يُعاملون بكرامة وإنسانية وفقا للقواعد والمعايير الدولية، ونعمل مع السلطات لمنع التجاوزات وتحسين ظروف الاحتجاز.
خلال حالات الإضراب عن الطعام، وبصفتنا منظمة إنسانية محايدة، وبالتالي فنحن لا ندعم الإضراب عن الطعام ولا نُدينه، دورنا هو مراقبة وضع المعتقلين الذين يُضربون عن الطعام للتأكد من معاملتهم باحترام وحصولهم على الرعاية الطبية الملائمة وضمان السماح لهم بالبقاء على اتصال مع عائلاتهم. فريقنا الطبي يزور المُضربين عن الطعام حاليا، ونحث السلطات المختصة والمعتقلين وممثّليهم على إيجاد حل يجنّبهم فقدان الحياة.
"الصليب الأحمر" يُعدّ المنظمة الدولية الوحيدة العاملة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.. لو تحدثونا عن أبرز الصعوبات والتحديات التي تواجه عملكم هناك؟
لدى اللجنة الدولية مكاتب في الضفة الغربية وغزة وتل أبيب، وبعثتنا في إسرائيل والأراضي المحتلة متواجدة منذ العام 1967. هدفنا هو مساعدة الأشخاص والعمل على تأكيد حقوقهم وعدم الانتقاص من كرامتهم. في غزة والضفة الغربية نعمل على زيارة المُحتجزين، وإعادة لم شمل العائلات، ودعم برامج تحسين المعيشة. نعمل أيضا على تحسين الحصول على الخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء، خاصة في غزة. ونحن ملتزمون بالإبقاء على حوار صادق وفعّال –ثنائي وسري في المقام الأول– مع جميع الأطراف بهدف مواءمة السياسات والممارسات مع الأحكام الأساسية للقانون الدولي الإنساني، والتخفيف بذلك من معاناة جميع المتضررين.
ما يحس به الناس في غزة هو إحساس عميق بالإرهاق واليأس وعدم القدرة على رؤية مستقبل أفضل للأجيال الشابة في المنطقة. بعد كل جولة جديدة من الأعمال العدائية في غزة تتفاقم التجارب ويشعر الناس أنهم يعيشون حالة دائمة من التأهب والحذر ممّا هو آتٍ في المستقبل.
اليوم هناك 70% من سكان غزة بحاجة إلى شكل من أشكال المساعدات الإنسانية، وبلوغ الخدمات الأساسية هناك دون المستوى المقبول؛ فعلى سبيل المثال يوجد مستشفى واحد لكل 129 ألف شخص. و500 ألف شخص على الأقل في غزة لا يستطيعون تحمل كرامتهم. في تكاليف إمدادات إضافية من الكهرباء من خلال المولدات ويضطرون إلى قضاء معظم يومهم دون كهرباء.
اللجنة الدولية خلقت مشروع تعزيز صمود الخدمات الحيوية في غزة عام 2020، وينطلق المشروع من فكرة أن الكهرباء ليست الخدمة الوحيدة غير المتوفرة في غزة، ولكنها أساس تعتمد عليه خدمات أخرى مثل إمدادات المياه الصالحة للشرب ومعالجة مياه الصرف الصحي والخدمات الصحية والري الزراعية؛ إذ أن كل الأنظمة مترابطة، وعندما يفشل أحدها تتعطل بقيتها. الهدف من المبادرة هو فهم كيفية ارتباط الأنظمة والشبكات الحيوية، والسعي لإيجاد طرق لتعزيز قدرتها على الصمود في حال اندلاع أعمال عدائية في المستقبل. مثال: خلق نظم تشغيل آلي لتسيير العمليات المتعلقة بالبنية التحتية الحيوية لتفادي حاجة التشغيل الآلي خاصة خلال أوقات النزاع.
إزاء احتدام العنف المسلح في مناطق من الضفة الغربية أدى إلى وقوع خسائر عديدة في صفوف المدنيين، وعليه فإننا نحث الأطراف المعنية كافة على اتخاذ كل التدابير الممكنة لحماية واحترام المدنيين وممتلكاتهم والبنية التحتية الأساسية. ولا بد ألا تخرج مظاهر استخدام القوة عما تمليه قواعد القانون الدولي ومعاييره.
كما تدعو اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الضفة الغربية إلى تمكين المزارعين الفلسطينيين من الوصول الآمن إلى حقول الزيتون الخاصة بهم في الضفة الغربية، وذلك في الوقت المناسب وبشكل كاف خلال موسم قطف الزيتون يأتي هذا النداء وسط تحدٍّ ثلاثي يواجهه المزارعون في الضفة الغربية، المُتمثّل في القيود المفروضة على المزارعين الذين تقع حقولهم خلف الجدار الفاصل في الضفة الغربية وبالقرب من المستوطنات؛ إذ يتعين عليهم التقدم للحصول على تصاريح خاصة والتنسيق مسبقا من أجل الوصول إلى أراضيهم، بالإضافة إلى الآثار المتزايدة لتغير المناخ، وتزايد المضايقات والعنف من قِبل المستوطنين والبؤر الاستيطانية تجاه المزارعين وممتلكاتهم، والتي تزداد بشكل ملحوظ بالعادة خلال موسم قطف الزيتون.
على صعيد آخر، كيف تأثر عمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر بأزمة التغير المناخي؟ وهل هناك جهود تبذلونها في هذا الصدد؟
أزمة المناخ هي واقع يعيشه كل العالم، لكن الانعكاسات السلبية لا تُحس آثارها بصفة متساوية بين مختلف أنحاء العالم؛ فللأسف الدول التي تعيش أزمات وحروبا تعاني من أثر مُضاعف للأزمة المناخية.
بالنسبة للفاعلين الإنسانيين، بما فيهم اللجنة الدولية للصليب الأحمر وشركاؤنا بالحركة الدولية للصليب والهلال الأحمر؛ فتداعيات أزمة المناخ تخلق تحديا ثلاثيا في المناطق التي تعاني بالفعل من أثر الأزمات والنزاعات.
أولا، أزمة المناخ تخلق المزيد من الاحتياجات الطارئة التي يجب تغطيتها كارتفاع نسبة الأشخاص الذين يحتاجون لشكل من أشكال المساعدة الإنسانية بشكل آني، ونسب هذه الفئة تبلغ أرقاما قياسية في بعض السياقات بالمنطقة العربية. وعلى سبيل المثال، ارتفع باليمن عدد الذين يعانون من عجز في أمنهم الغذائي من 53 إلى 63% خلال سنة واحدة فقط.
ثانيا، بالتوازي مع ارتفاع الاحتياجات الإنسانية الطارئة هناك تراجع للدعم المادي لعمليات الإغاثة الإنسانية؛ إذ تعاني معظم السياقات التي تتأجج بها الأزمات من تراجع في تمويل العمليات الإنسانية. وثالثا هو أن مواجهة تداعيات أزمة المناخ في سياقات النزاع تستدعي حلولا جذرية وطويلة الأمد، وذلك يتجاوز ما يمكن أن يوفره الفاعلون الإنسانيون، ويستدعي بالأساس جهودا سياسية محليا ودوليا.
نحن نرى أن المتضررين من جراء النزاعات المسلحة ضمن الفئات الأشد ضعفا والأقل استعدادا للتأقلم مع آثار التغيرات المناخية، بسبب آثار النزاع على تدمير البنى التحتية، وتردي الخدمات، وتدهور الوضع الاقتصادي والبيئي للمجتمعات المحلية.
ونحن نرى هذا الأثر المضاعف للأزمة المناخية على المجموعات السكانية في المناطق التي تعاني من أزمات وحروب؛ فهم مَن يدفعون ثمن ذلك يوميا ويعانون بشكل متزايد من صعوبات إضافية للحصول على أبسط الاحتياجات الأساسية. ومن نماذج تلك المعاناة، تزايد شح وندرة وتلوث المياه أو تراجع نسب المحاصيل الزراعية، وبالتالي أزمات أمن غذائي حادة في سياقات كانت قبل اندلاع الأزمات قادرة على تأمين جزء مهم من أمنها الغذائي محليا.
نرى كذلك تأثير الأزمة المناخية على مصادر الدخل، خاصة بالنسبة للمزارعين وعاملي وعاملات القطاع الفلاحي، وهو الأمر الذي من شأنه خلق المزيد من حركات النزوح في هذه السياقات الهشّة.
آلاف العائلات العراقية اُضطرت إلى النزوح مؤخرا كنتيجة لجفاف جزء كبير من الأهوار (مجموعة المسطحات المائية التي تغطي الأراضي المنخفضة الواقعة في جنوبي السهل الرسوبي العراقي) في منطقة الناصرية وارتفاع الملوحة في مياهها. الأهوار مثلت لأجيال متتالية مصدرا للدخل وللقوت اليومي للثروة الحيوانية والنباتية التي كانت موجودة هناك.
نحن علينا بصفتنا جهة عاملة في المجال الإنساني تغيير طريقة عملنا؛ فنحن ندرك أن هذه التحديات تحتاج إجراءات وقائية على المدى البعيد تُعزّز مرونة الناس وقدراتهم على التأقلم على التحديات الكبيرة.
وقد نشرت اللجنة الدولية حديثا ورقة بشأن التمويل المناخي تقترح خطوات ملموسة تساعد على سد الفجوة المالية المتعلقة بالمناخ حتى تصل للمجتمعات الأشد ضعفا.
وميدانيا، نساعد العديد من المزارعين والرعاة في العديد من الدول على مواجهة التقلبات المتزايدة في مواسم هطول الأمطار، وفترات الشح المائي من خلال دعم نظم الري، والمساعدة في توفير البذور والأعلاف، وتخزينها.
ومن المهم أن يتواصل حشد التأييد لضمان أن يكون الحد من التداعيات المناخية في الدول المتأثرة من النزاعات في قلب الاستجابات الإنسانية. اليوم من المهم لنا كفاعلين إنسانيين العمل على معالجة تداعيات أزمة المناخ على الفئات الأكثر هشاشة، لأن عكس ذلك سيرفع من مدى هشاشة السكان وعدم قدرتهم على الصمود في وجه التداعيات المقبلة.
ولكي نتصدى للمخاطر التي تواجهها المجتمعات الأكثر ضعفا، علينا أن نتكاتف، لنضمن وصول المساعدات للأماكن الصعبة التي تعاني من النزاع والعنف، ونؤكد على أننا يجب أن نعمل بشكل جماعي للوفاء بالتزاماتنا بدعم الفئات الأكثر ضعفا بسبب المناخ، حتى تتأقلم مع التغيرات التي لا سبيل إلا التأقلم معها، ولن نسمح باستبعاد الكثير من الناس مع هذه القضية.
إجمالا، أشير إلى أن معالجة تداعيات أزمة المناخ في سياقات النزاع تستدعي حلولا جذرية وطويلة الأمد وذات طابع شمولي، وذلك يتجاوز ما يمكن للفاعلين الإنسانيين توفيره ويستدعي بالأساس جهودا سياسية محليا ودوليا.