على مدى سنوات بقي
جنود وضباط جيش الاحتلال، وكذلك السياسيون
الإسرائيليون، في حالة من
الملاحقة
القانونية والقضائية في مختلف المحاكم حول العالم، وكذلك في محكمة الجنايات
الدولية في لاهاي، لا سيما في أعقاب المجازر الإسرائيلية والعدوانات التي تنفذ ضد
الفلسطينيين، وفي الكثير من المرات كان يتم تهريب من يتم ملاحقتهم من المطارات، أو
امتناعهم عن السفر للعديد من دول العالم.
اليوم، تزداد التخوفات
الإسرائيلية من مضاعفة هذه المطالبات القانونية والملاحقات القضائية، في ضوء تنصيب
الحكومة اليمينية الجديدة، وجملة القوانين العنصرية التي تبنّاها الائتلاف
الحكومي، مما سيؤدي لتآكل مكانة المحكمة العليا بشكل كبير.
باروخ كارا مراسل
الشؤون القضائية في
القناة 13، أعاد للأذهان "ما حصل عند اغتيال القائد
العسكري لحماس صلاح شحادة في غزة حين قتل معه العشرات من المدنيين الفلسطينيين،
حينها شهدت إسبانيا وبريطانيا رفع دعاوى قضائية لمقاضاة كل من شارك في هذه
العملية، ومنهم الجنرال غيورا آيلاند، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي، وموشيه
يعلون رئيس أركان الجيش، ودان حالوتس قائد سلاح الجو، ووزير الحرب بنيامين بن اليعازر،
وسكرتيره العسكري مايك هرتسوغ السفير في الولايات المتحدة اليوم، وآفي ديختر رئيس
الشاباك، وقائد المنطقة الجنوبية دورون ألموغ".
وأضاف في تقرير ترجمته
"عربي21" أنه "مع مرور الوقت تعددت طرق رفع الدعاوى القضائية في
إسبانيا وإنجلترا ودول أخرى، بعضها خاص والأخرى عام، وشملت مسؤولين إسرائيليين
كبارا، ما زالوا في الخدمة أو متقاعدين، في الجيش أو السياسة، ومنهم المحامية
بانينا شارفيت المسؤولة في القضاء العسكري، التي وضعت على قائمة مجرمي الحرب، ولم
تستطع السفر للخارج، عقب رفع إجراءات محتملة ضدها بسبب دورها في حرب غزة 2008،
وارتكاب الجيش
جرائم حرب فيها".
وأشار إلى أن
"إحدى الطرق التي تمكنت فيها إسرائيل مرارًا وتكرارًا من صدّ طلبات الاعتقال
في الدول الغربية ضد مسؤوليها السياسيين والعسكريين هي إجراء تحقيق من قبل جيش
الاحتلال في الأحداث المقصودة، وتقديم دليل على قيامه بذلك، وبعد أن تخضع هذه
القضايا للمراجعة القضائية من قبل المحكمة العليا، يتم رفض الدعاوى القضائية في
الدول الأوروبية، بسبب ما تحوزه المحكمة العليا من سمعة وصيت لدى الغرب، ويعطي
مصداقية كبيرة للقرارات المتخذة في إطار النظام القانوني الإسرائيلي".
روي شيندورف نائب المستشار
القانوني للشؤون الدولية زعم أن "المحكمة العليا الإسرائيلية معترف بها في
المجتمع الدولي، خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا كهيئة قوية، لديها القدرة على
إجراء محاكمة حقيقية داخل إسرائيل، وهذه أفضل حماية لجنود جيش الاحتلال، رغم أن
أحكامها أثارت غضب الجمهور الإسرائيلي بزعم أنها تقيد أيدي الجيش، مع أنها في
الحقيقة حمته أكثر من تكبيله".
ونقل عن آيلاند أنه
"عندما بدأت انتفاضة الأقصى، كنت لا أزال رئيس قسم العمليات، بدأنا بإجراءات
مضادة للمقاومة أطلقنا عليها الإعدام بدون محاكمة، مع وجود التماسات للمحكمة العليا،
في حين سمح إلياكيم روبنشتاين المدعي العام في حينه قانونيًا بهذه الإجراءات
المضادة المستهدفة، مما أحدث موجات ردود فعل غاضبة في العالم".
الجنرال يعكوب عميدرور
الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي أكد أن "إسرائيل تحت عدسة مكبرة من العالم،
وستظل كذلك، وإذا كان معنى الأمر هو التأكد من وجود نظام قضائي هنا يعرف أحيانًا
كيفية وضع حدود لممارسة القوة العسكرية، فهذا يزيل عنا خطر الملاحقة القضائية في
الأطر الدولية، وهو ثمن يستحق الدفع، لأن أي ضرر يلحق بهذه المؤسسات القانونية يضع
كل جندي وضابط في الجيش تحت الخطر، وهو خطر ملموس أكثر مما يبدو".
وأضاف أن "هذه
ليست مجرد محاكمة لأفراد إسرائيليين، ولكن بمجرد صدور قرار بتشكيل لجنة تحقيق، حول
بعض الأحداث التي وقعت في الضفة الغربية، فستجد الدولة نفسها في وضع رهيب،
بالمناسبة هكذا بدأت مشكلة جنوب أفريقيا".
يتزامن هذا التخوف
الإسرائيلي مع ترقب صدور قرارات قضائية دولية بشأن الشروع بتحقيقات في جرائم الحرب
التي يرتكبها جيش الاحتلال بالأراضي الفلسطينية المحتلة، وإمكانية توجيه اتهامات
له بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، رغم محاولته تسويغ جرائمه ضد المدنيين في فلسطين
بترديد مقولة إن دولة الاحتلال تعيش تهديدًا فريدًا من نوعه من المنظمات المعادية،
وجبهتها الداخلية تواجه عشرات آلاف الصواريخ الثقيلة.
إن هذا التهديد الذي
يواجه الاحتلال اليوم يعيد لأذهانه كيف أنه واجه القضاء الدولي برئاسة ريتشارد
غولدستون بعد حرب غزة 2008-2009، وعقب قصف قرية قانا في حرب لبنان الثانية 2006،
ما تسبب في أضرار سياسية وضعت صعوبات أمامه في أوساط الرأي العام الدولي،
وانتقادات عديدة وجهت لجيشه بسبب استخدامه الجرافات في القتال، وانتشار موجة معادية
في وسائل الإعلام الدولية ضد الاحتلال، مما يؤكد افتقار الاحتلال لتوافر شرعية
داخلية ودولية لعدوانه العسكري.