تناول تقرير لصحيفة "
أوبزيرفر" من رام الله بالضفة الغربية المحتلة المكانة الكبيرة التي حظيت بها
فلسطين في
مونديال قطر، كما أنه سلط الضوء، بالمقابل، على الفرحة الكبيرة التي عاشتها فلسطين بفوز
المغرب على البرتغال وبلوغها الدور ربع النهائي.
يقول معدا التقرير بيثان ماكيرنان وكويك كيرسزينباوم، إن المقاهي والشوارع غصت بالفلسطينيين الذين هرعوا للاحتفال بفوز المغرب، حيث علت الزغاريد وأطلقت النار في الهواء.
ويتساءلان باستغراب عن تلك الفرحة العارمة لفريق بلد طبع علاقاته مع إسرائيل قبل عام، في خطوة اعتبرها الفلسطينيون حينها طعنة في الظهر للقضية الفلسطينية.
لكن الصحيفة تعترف بأن مونديال قطر كان "هبة من الله لفلسطين" حيث إنها كانت الفائز الأكبر.
وفي ما يأتي نص التقرير:
لربما كانت المدرجات في استاد الثمامة في الدوحة نصف فارغة عندما بدأت مباراة الربع النهائي في كأس العالم بين المغرب والبرتغال، ولكن المطاعم والمقاهي والشوارع في رام الله كانت قد اكتظت بالمتفرجين.
وفي أحد المطاعم في مركز المدينة، تجمع الفلسطينيون لمشاهدة أول فريق عربي يصل إلى المراحل النهائية من البطولة.
كانت الأجواء تزداد سخونة كلما واجه البرتغال صعوبة. ثم لما أحرز المغرب هدفاً قبل نهاية الشوط الأول بقليل، انفجرت الجماهير، الرجال بالتهليل والنساء بالزغاريد.
أما المعلقون المحترفون العرب فلم يكلفوا أنفسهم حتى بالتظاهر بالموضوعية. قال أحد مقدمي البرامج في إذاعة فلسطينية: "الله يحفظ هذا الهدف." ولما أخفق المغرب مرة في إحراز هدف فقد وصف صحفي في قناة "بي إن" الرياضية ذلك الإخفاق بأنه "جريمة الحرب".
بعد مباراة مذهلة تأهل بعدها هذا البلد الشمال أفريقي لشبه النهائيات، فقد ارتقى أسود الأطلس إلى مستويات سامية جديدة يوم السبت بإلحاقهم الهزيمة بواحد آخر من أفضل الفرق الأوروبية.
في بطولة حافلة بالمفاجآت، كم فاز فيها من مستضعف، فقد تسبب المغرب في واحد من أكبر الأحداث المربكة حتى الآن.
رحلتهم نحو شبه النهائيات لا ينظر إليها على أنها نصر وطني فحسب، وإنما نصر لأفريقيا وللعالم العربي بأسره، بل هي بشكل خاص هبة الله إلى الفلسطينيين. وكما جرت عليه العادة في كل المباريات الأخرى، فإنه بدلاً من التجمع لالتقاط الصور التذكارية مع علم بلادهم بنجمته الخضراء الخماسية، فقد نشر أسود الأطلس العلم الفلسطيني، مستخدمين تلك الفرصة السانحة على المسرح الدولي لتسليط الضوء على القضية الفلسطينية.
في ميدان عرفات بمدينة رام الله، رقص الآلاف من الناس أو راحوا يوزعون الحلويات بمجرد أن أعلن الحكم بصفارته نهاية المباراة، وفي نفس اللحظة انطلقت زوامير السيارات والألعاب النارية وظلت طلقات الأسلحة النارية تدوي طوال الليل احتفالاً بالنصر.
تكرر نفس المشهد في البلدات والقرى في كل أرجاء الضفة الغربية وقطاع غزة.
وقالت سها أمير، التي تبلغ من العمر ثلاثين عاماً والتي خرجت مع زوجها وطفلها ضمن مجموعة من الأصدقاء لمشاهدة المباراة: "كل العالم العربي يقف من ورائهم: إنه شيء مثير جداً..
نحن فخورون بشكل خاص بالطريقة التي يمثلون بها فلسطين. فنحن لسنا مشاركين في كأس العالم، ولكن بدا الأمر وكأننا مشاركون، ولكم عبر الناس عن دعمهم لنا".
لقد أثبتت البطولة أنه من الصعوبة بمكان الفصل بين الرياضة والسياسة، وذلك على الرغم من أن الاتحاد العالمي، الفيفا، يحظر استخدام الرايات والأعلام "ذات الطابع السياسي أو المؤذي أو التمييزي."
ولذلك فإنه مُنع منعاً باتاً التعبير عن مناصرة المحتجين الإيرانيين ودعم حقوق المثليين، ولم يوجد ما يدل على أي نشاط يلفت الانتباه إلى قضية الصحراء الغربية. ومع ذلك، فإنها لم تخل بقعة في الدوحة من تواجد مكثف للأعلام والرايات الفلسطينية، وأربطة اليد والكوفيات المزركشة باللونين الأبيض والأسود، والتي جعلها مشهورة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات.
هتف المشجعون من قطر ولبنان والجزائر وإيران والمملكة العربية السعودية لفريق لم يتأهل أصلاً للمشاركة في هذه المباريات؛ ففلسطين عضو في الفيفا على الرغم من أنها ليست دولة معترفاً بها.
هذا الحماس المغربي للقضية الفلسطينية مستغرب نوعاً ما. فالمغرب كبلد، مثله مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان، وقع اتفاق تطبيع مع إسرائيل في عام 2020، بموجب صفقات توسط في إبرامها ترامب تعرف باسم "اتفاقيات أبراهام".
أباحت تلك الإعلانات محرماً ظلت الدبلوماسية الشرق أوسطية تتجنبه لعقود.
اعتبر الفلسطينيون إعلانات التطبيع خيانة، حيث إن الموقف الرسمي لجامعة الدول العربية ما زال يؤكد على عدم الدخول في سلام مع إسرائيل إلى أن تقوم الدولة الفلسطينية. ما فتئت إسرائيل طوال العامين الماضيين منذ إبرام الاتفاقيات تحتفل بما أحرزته من صداقات جديدة في المنطقة، وكثير من السياح الإسرائيليين راحوا يستمتعون بالسفر إلى دبي، وهو ما كان محظوراً حتى ذلك الوقت.
إن الذي غدا جلياً بالنسبة للمؤسسة الحاكمة وللجمهور في إسرائيل أثناء بطولة كأس العالم هذه هو أنه ولئن كان ملوك وشيوخ المنطقة قد قرروا التصالح مع إسرائيل – رغبة في تحسين اقتصاديات بلادهم وشراء المعدات العسكرية والتصدي بشكل أفضل لعدوهم المشترك، إيران – إلا أن النضال الفلسطيني ما زال قضية أساسية بالنسبة لمعظم الناس في العالم العربي.
في تصريح لمجلة 972، قال أحمد الطيبي، العضو العربي في الكنيست والمشجع المتحمس لكرة القدم: "كانت فلسطين حاضرة بقوة في كل استاد وكان العلم الفلسطيني يلوح به في كل مكان. وبعد سنين من الإحساس بأن القضية الفلسطينية تراجعت مكانتها بين العرب، ها هي الشعوب العربية تثبت أن تلك لا تزال هي القضية المركزية بالنسبة للأمة العربية قاطبة."
رغم أن قطر نفسها لا توجد لديها علاقات رسمية مع إسرائيل إلا أنها سمحت ولأول مرة بتنظيم رحلات جوية مباشرة بين تل أبيب والدوحة لنقل المشجعين الإسرائيليين والفلسطينيين إلى البلد أثناء فترة انعقاد البطولة.
إلا أن الإسرائيليين الذين سافروا إلى هذه الدولة الخليجية الصغيرة، سواء كمتفرجين أو كصحفيين، لم يستقبلوا بالأحضان. كتب الصحفيان الرياضيان الإسرائيليان راز شيتشنيك وأوز مواليم مقالاً نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت تحدثا فيه عن تجربتهما الشخصية وقالا إنها كانت "مبددة للأوهام".
جاء في المقال على لسان شيتشنيك: "كنت دوماً ليبرالياً ووسطياً منفتحاً، ولدي رغبة شاملة في السلام. كنت دوماً أعتقد أن المشكلة تكمن في الحكومات، في الحكام – بما فيهم حكامنا نحن..
ولكنني أدركت في قطر كم من الكراهية يشعر بها الشخص العادي في الشارع تجاهنا".
فيما بعد بدأ الصحفيان يعرفان نفسيهما للناس على أنهما من الإكوادور، وذلك تجنباً للمواجهات الساخنة مع المشجعين العرب.
كتب الاثنان يقولان: "لم نكن نطمح في أن نستقبل بالأحضان، فقط كنا نتوقع أن نعامل كصحفيين جاءوا لتغطية حدث رياضي."..
اكتسحت السردية المناصرة للفلسطينيين في الدوحة جموع المشجعين الذين قدموا من بقية العالم.
أثناء بث مباشر على الهواء، اقترب مراسل قناة "كان" الإسرائيلية من مجموعة من الشباب الإنجليز من مشجعي إنجلترا بعد فوز فريقهم على السنغال، وسألهم: "هل سيعود فريقكم بالفوز إلى الوطن؟"،
أجاب أحدهم: "بالطبع، هو كذلك". ثم استلم الميكروفون بيده وأضاف: "ولكن الأهم من ذلك هو أن فلسطين حرة.".