عزف
التونسيون عن المشاركة في
الانتخابات التشريعية التي دعا لها رئيس البلاد قيس سعيّد، ما قد يضعف من مشروعه الرئاسي والذي بدأ في إرسائه منذ العام 2021، وسط دعوات المعارضة لرحيله عن المشهد.
والإثنين، أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس أن نسبة المشاركة في الانتخابات النيابية بلغت 11.22 بالمئة، أي ما يزيد بقليل عن مليون ناخب تونسي، من أصل 9 ملايين مواطن مسجل في الانتخابات.
وقال الناطق باسم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتونس محمد التليلي المنصري في نقطة إعلامية إن "المعطيات الأولية المتعلقة بفرز نتائج الانتخابات التشريعية تظهر فوز 21 مترشحا من الدور الأول، فيما سيشمل الدور الثاني 133 دائرة من جملة 161 دائرة".
ويفرض القانون الانتخابي عقد دورة انتخابية ثانية في حال فشل مرشح في دائرة انتخابية في تجاوز عتبة الـ50 بالمئة زائد واحد من أصوات الناخبين في تلك الفترة، على أن يُجرى الدور الثاني بين المرشحين الذين حصلوا على أكثر عدد من الأصوات، بحسب عدد المقاعد المخصصة لكل دائرة انتخابية.
وفي ظل المرور إلى الدور الثاني من غالبية الدوائر الانتخابية، لن يتسنى الإعلان عن تركيبة
البرلمان النهائية قبل منتصف آذار/ مارس المقبل، بحسب الخارطة الزمنية التي أعلنت عنها هيئة الانتخابات.
وتعتبر هذه النسبة هي الأضعف في البلاد منذ ثورة 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، وأدت إلى أول ديمقراطية في العالم العربي.
وبلغت نسبة المشاركة في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي عقب الثورة 52 بالمئة، و69 بالمئة في انتخابات مجلس نواب 2014، و41.3 بالمئة في انتخابات البرلمان السابق الذي حلّه سعيّد.
والانتخابات النيابية التي جرت السبت، هي آخر نقطة في خارطة الطريق التي أعلن عنها سعيّد نهاية العام الماضي، والتي تضمنت إجراء استشارة وطنية واستفتاء شعبي على دستور جديد وعقد انتخابات تشريعية في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2022، الذي يتزامن مع الذكرى الثانية عشر لانطلاق الثورة.
وكانت الحملة الانتخابية التي تواصلت على امتداد ثلاثة أسابيع باهتة ولم يكن هناك سجال انتخابي في البلاد، بعكس ما كانت عليه الأجواء خلال الانتخابات السابقة سواء في 2011 أو 2014 أو 2019.
وتنافس في هذه الانتخابات 1058 مترشحا، بينهم 120 امرأة، على 161 مقعدا، منها 10 مقاعد مخصصة للتونسيين بالخارج، فيما يعدّ أغلب المترشحين من المستقلين غير المعروفين بنشاط سياسي سابق، في حين ينتمي آخرون إلى أحزاب داعمة لإجراءات الرئيس سعيّد، فضلا عن بعض النواب السابقين.
"سعيّد يفقد الأغلبية"
واعتبر الكاتب السياسي منذر ثابت أن العملية الانتخابية تؤكد أن مسار 25" تموز/ يوليو" أدرك حده الأقصى، ولم يعد قادرا على تشكيل أغلبية واضحة على مستوى الساحة السياسية والاجتماعية.
وأشار المحلل السياسي، في حديثه لـ"
عربي21" إلى وجود حالة من تفكك الأغلبية التي انطلق منها الرئيس قيس سعيّد خلال انتخابات 2019، قائلا إنه "على قدر انقسام الساحة، على قدر اتفاقها على ضرورة توخي نهج مغاير لـ25 تموز/ يوليو، يقوم على الحوار وعلى الاتفاق بالشأن الأدنى المشترك".
وبشأن نسبة الإقبال الضعيفة على المشاركة في الانتخابات التشريعية، اعتبر ثابت أن ذلك يؤكد وجود أزمة حقيقية مبكرة أصابت الحركة التي يتزعمها الرئيس سعيّد، قائلا إن هذه الأزمة يمكن ترجمتها إلى عنوانين.
ويتمثل العنوان الأول في غياب الشرط الذاتي والتنظيم والوضوح الفكري والاستراتيجي في علاقة بالمشروع السياسي البديل أو ما يسمى بالفكر المؤسس للجمهورية الثالثة، بحسب الكاتب السياسي.
أما العنوان الثاني، فيتمثل في العجز عن حلحلة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتردّي البلاد في أزمة تتعمق يوما بعد يوم ضمن ما يسمى بالتأزم الهيكلي الموروث والتأزم الظرفي كنتيجة للظرف الدولي الخارجي.
من جانبه، اعتبر الكاتب والباحث في العلوم السياسية صلاح الدين الجورشي أن الانتخابات التشريعية فاجأت بنتائجها، حيث رفعت الغطاء عن الرئيس سعيّد وأفقدته حجة كان دائما يعتمد عليها حيث كان دائما يسوق بأن لديه شعبية واسعة ويتحدث باسم الشعب.
وقال في تصريح لـ"
عربي21" إن 1 عن كل 9 ناخبين تفاعلوا مع الرئيس ومع دعوته لهذه الانتخابات، أما البقية، فإما قاطعوا أو لم تستهوهم الانتخابات، وهذا أضعف كثيرا قيس سعيّد الذي استنقص كثيرا من شرعيته.
ورأى المحلل السياسي أن "الشعب التونسي أو على الأقل بالنسبة للنخبة التونسية، وجدت نفسها أمام وضعية جديدة، حيث توفرت لها حجة إضافية من أجل مواصلة مقاومتها واعتراضها على استمرار قيس سعيّد في الحكم"، مستدركا بالقول إن "هذا المقصد من الصعب أن يتحقق الآن".
ماذا سيفعل سعيّد؟
وعن ردة فعل سعيّد تجاه نسبة المشاركة الضعيفة في الانتخابات التشريعية، قال منذر ثابت إن ذلك كان واضحا خلال لقاء الرئيس برئيسة الحكومة نجلاء بودن مساء الثلاثاء، حيث اعتبر سعيّد أن المسألة الأساسية هي مسألة تغيير وتتجاوز قضية نسبة المشاركة.
وأضاف: "بل ذهب الرئيس إلى أكثر من ذلك من خلال الجمع بين الدور الأول والثاني من الانتخابات، ما يعني أن سعيّد لا يعترف بالهزيمة من خلال نسبة المشاركة الضعيفة، بل من خلال التسويق لأنها أول انتخابات شفافة يغيب فيها المال السياسي بحسب ما يروّج له أنصار الرئيس".
وتابع: "هذا خلاصة موقف يُعلن مزيدا من المرور بقوة الذي تميّز به مسار 25 تموز/ يوليو منذ اليوم الأول، حيث يواصل سعيّد هذا النهج بقطع النظر عن الاحترازات وعن التصعيد الصادر الثلاثاء عن الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي والذي قال بصريح العبارة نحن مستعدون حتى للسجون ومستعدون للمواجهة، فضلا عن الموقف الاحترازي لحركة الشعب، الحزب الأول الداعم للرئيس".
اقرأ أيضا: اتحاد الشغل بتونس يهاجم سعيّد: لن نخشى السجون والاغتيالات
ورأى أن "سعيّد لا ينظر ولا يعير أي اهتمام للحزام الداعم له في إجراءاته الاستثنائية وفي مساره، وهذا الحزام بصدد التنصل مما يحصل، وكأن الرئيس لا يستمع حتى لأنصاره".
وأيده في ذلك المحلل السياسي الجورشي الذي قال: "عبّر سعيّد عن ردة فعله الإثنين من خلال قوله إن الانتخابات لا تُقاس ولا تُحدد شرعيتها بنسبة المشاركين، ثم أضاف أنه حتى هذه النسبة المعلنة لا يمكن أن تعتمد عليها المعارضة حيث دعاهم إلى انتظار الجولة الثانية".
وأضاف: "هذا يعني أن سعيّد لا يعترف بوجود هزيمة في الانتخابات التشريعية، وهو يعلن بذلك بقاءه في السلطة إلى حدود الانتخابات الرئاسية القادمة".
دعوات الرحيل
طالبت المعارضة التونسية الأحد، الرئيس قيس سعيّد بالتنحي غداة الانتخابات التشريعية التي شهدت نسبة امتناع قياسية، حيث دعا رئيس "جبهة الخلاص الوطني" أحمد نجيب الشابي الرئيس إلى "الرحيل فوراً" وتولي قاضٍ كبير إدارة فترة انتقالية.
وأضاف الشابي أن "هذا تخل شعبي كبير عن العملية التي بدأت بتعليق أعمال مجلس النواب وإقالة رئيس الحكومة في 25 تموز/ يوليو 2021 وتولي جميع السلطات والحكم بمراسيم"، مشيراً إلى أنّ "92 بالمئة أداروا ظهورهم للعملية غير القانونية التي تنتهك الدستور".
وبشأن دعوة "جبهة الخلاص الوطني" الرئيس التونسي سعيّد للتنحي من منصبه بسبب ضعف المشاركة في الانتخابات التشريعية التي جرت السبت، قال منذر ثابت إن "ما يطرحه أحمد نجيب الشابي (رئيس الجبهة) يبقى دائما وجهة نظر ومقاربة في حدود ما هو سياسي سلمي، لكن الرئيس سعيّد لن يتفاعل مع ذلك".
وأضاف: "سعيّد ذهب إلى الحدود القصوى لما يصلح به المنطق السياسي الذي يطرحه عبر تأسيس وإنجاز أجندة خارطة طريق التي وصلت إلى مراحلها الأخيرة من خلال ما أسماه في الدستور بإرساء الوظيفة التشريعية".
اقرأ أيضا: "كارتر" يدعو لحوار وطني بتونس بعد المشاركة الهزيلة بالانتخابات
وختم بالقول إن "الذهاب إلى مرحلة جديدة سيكون بكلفة باهضة، ودعوة الرئيس للتنحي ستبقى مجرد ضغط سياسي يحتاج إلى شروط موضوعية، عناصره الأولى متوفرة لكنها لم تنضج بعد".
وفي السياق ذاته، اعتبر الجورشي أن المعارضة "أطلقت مطلبا مشروعا لكنه يبقى غير قابل للتطبيق باعتبار أن سعيّد ما زال متمسكا بالسلطة وسيدفع بالأمور باتجاه البقاء في رئاسة الجمهورية إلى حدود انتخابات 2027"، مشددا على أن دعوة الرحيل "قافزة على المرحلة وعلى الواقع الموضوعي الذي تعيشه البلاد".