في القرن التاسع عشر من الميلاد، وتحديداً في العام 1878م، زار
الأرشيدوق الألماني لودفيغ سلفاتور،
مصر وبلاد الشام. وقد دونت الرحلة في بداية
الأمر باللغة الألمانية، وصدرت لأول مرة عام 1879م، بعنوان (Die
Karawanen strase Von Agypten NachSyrien)، وفي عام 1881م، صدرت الترجمة الأولى للرحلة باللغة الإنجليزية، والتي قام
بها HesseWartegg ،
وترجمها عن الأصل الألماني، وجاءت تحت عنوان (Caravan
Route Between Egypt and Syria)،
ثم في عام 1885م، صدرت الترجمة التشيكية بعنوان (Karavanska C esta Z Egyptu do Syrie)،
وصدرت الترجمة العربية، من مركز التاريخ العربي (ط1، أسطنبول، 2020)، والتي قام
بها أحمد إبراهيم الصيفي، وترجمها عن الإنكليزية، وجاءت تحت عنوان (رحلة الأرشيدوق
الألماني لودفيغ سلفاتور إلى مصر وبلاد الشام عام 1878م)
من هو لودفيغ سلفاتور؟
ولد في الرابع من آب / أغسطس عام 1847م، في منطقة بلازو بيتي، هو الإبن
الرابع من خمسة أيناء للدوق الكبير ليوبولد الثاني، وزوجته هي ماري انطوانيت، ابنة
الملك فرانز الأول، ملك سيسلي، والتي تنحدر من نسل نابليون. وربما كان هذا سيعني
للوهلة الأولى أنه نشأ نبيلاً في تلك الفترة، وكان من قام بتعميده عند مولده
المعمد الدومينيكاني رينير فرديناد، وكارل زينوبيوس أنطويوس.
الدوافع الحقيقية لرحلة لودفيغ سلفاتور
تتجلي أهمية الرحلة في كون مؤلفها سليل لإحدى الأسر النبيلة،
وبالتالي هي فرصة للتعرف على ملامح المنطقة بعيون غربية ملكية. وتوضح إحدى
المشاريع الاستعمارية التي دبرت للمنطقة، وكذلك تصور الموقف الاستعماري لمؤلف
الرحلة، والذي بدت وجهته في بداية الرحلة حينما أشاد بالمسيو ديليسبس.
كان يشغل بال لودفيغ دائماً فكرة إقامة خط حديدي حول الساحل الشامي،
وربما عضد تلك الفكرة؛ الأفكار السابقة التي طرحت أثناء إقامة الأرشيدوق لودفيغ في
القاهرة، ومنها إقامة ميناء يافا، وإصلاح ميناء بيروت، وأخيرًا مد خط حديدي عبر
وادي الأردن، ولكن كان إنجاز تلك الفكرة مرهون بمعاينة ذلك الطريق، ولذلك قام
لودفيغ بتلك الرحلة، ودون كافة ما مر به.
توقيت ومسار الرحلة وأفرادها
انطلق لودفيغ برحلته عام 1878م من السويس، ومنها إلى القنطرة، ثم إلى
منطقة نخيل زايجه، ومنطقة نخيل العوجه، ومنطقة نخيل الغريبات، وبئر النص، ومجموعة
نخيل التحتي، وقطيا، ومنطقة بارسات مان، وبئر العفن، وبئر العبد، وبئر المبروكة،
والباصول، والبريج، والمستبق (المستبك)، وبئر المغارة، وبحيرة البردويل، وغريف
الجمل، وبرج الحشيش، ومنطقة نخيل أبو شيه، والعريش، وقبر النبي جاسر، ووادي
الجيردي، ووادي الخروبة، والشيخ زويد، ولزجه، وعرفه، ورفح، وخان يونس. وعند تلك
المنطقة يتفرع الطريق لإلى أربعة طرق: الأول، طريق العريش. والثاني، طريق السويس
العقبة. والثالث، طريق غزة. والأخير، طريق بنو سهيله. ومن بنو سهيله إلى عبسان، ثم
دير البلح (الداروم)، وغزة التي كانت المرحلة الأخيرة للرحلة. وقد رسم لودفيغ خلال
رحلته معالم الطريق بين مصر وبلاد الشام. وكانت قافلة الرحلة تتألف من عشرة أشخاص،
ورافق الرحلة حامية عسكرية.
العقبات التي واجهت لودفيغ
هناك العديد من العقبات التي واجهت لودفيغ في سبيل إنجاز رحلته:
أولها، ينبع من الظروف حيث أنه منذ افتتاح قناة السويس، فإن الشطر الأكبر من
التجارة بين مصر وبلاد الشام نقل عبر الطريق البري القصير؛ طريق يافا بورسعيد،
وترتب عن ذلك أن اندثر واختفي الطريق الرئيسي القديم الذي كانت ترتاده في
السابق كل من القوافل، والرحالة، والحجاج.
حتى أن تجار الماشية أصبحوا الأن يفضلون إرسال مواشيهم عن طريق البواخر من ميناء
التصدير الضخم من يافا إلى الأسكندرية، لذلك فإن قليلاً من الجمالة يتقابلون مرة
في هذا الطريق المفضل. وهذا ما دفع لودفيغ، إلى الطلب من القافلة من الخيول
والبغال كي تقابله في القنطرة، والتي كانت نقطة الانطلاق للصحراء.
من مصر إلى بلاد الشام
وحتى يستقيم أمر الطريق بين مصر وبلاد الشام تقفى لودفيغ محطات
البريد عبره، وذكر "أن البريد كان يرسل عبر ذلك الطريق بشكل أسبوعي، ولا سيما
بين العريش والعالم الخارجي كأحد وسائل الإتصال الهامة".
أشار لودفيغ إلى بعض الحانات والفنادق المنتشرة على طول الطريقـ
والتي تتوفر بها سبل الراحة، ولهذا سرد لودفيغ قدرًا ضئيلًا منها مثل "فندق
القنطرة"، و"خان العريش"، و"خان دير البلح".
ذكر لودفيغ الكثير من النباتات على طول الطريق، ولم تختلف النبات في
الظهير المصري في طبيعتها عن الظهير الشامي. ووصف أيضاً الطبيعة الجبلية على
الطريق بين مصر وبلاد الشام، إضافة إلى وصفة الطبيعة الحيوانية.
وصف لودفيغ مدينة العريش، وناقش مسألة ثروة المدينة الحيوانية
والسمكية والنباتية، كما تحدث عن بعض الصناعات. وأشار إلى تجارة المدينة، وأنها
عبارة عن تجارة الترانزيت. ورصد ملامح الهيكل العمراني للمدينة.
وحظيت مدينة خان يونس الفلسطينية أيضاً بمكانة لدى لودفيغ، فذكر تعدادها
السكاني، وتحدث عن مدارسها والطبيعة الجغرافية للمدينة، ومعمارها، واقتصادها،
وأبارها، وأشجارها، وحيواناتها.
وأخيرًا تتجلى أهمية الرحلة في سردها لملامح الطريق البري بين مصر
وبلاد الشام في القرن التاسع عشر وعرض التطور الاجتماعي والتجاري لبلاد الشام.